هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استعرض باحث إسرائيلي بارز، ثلاثة مبادئ تقوم عليها الاستراتيجية والتكتيك الروسي في تشكيل وتصميم منطقة الشرق الأوسط بما يثبت مكانتها كدولة عظمى ولاعب رئيس في المنطقة.
وأوضح المحاضر والباحث في المركز متعدد المجالات في "هرتسيليا"، بروفيسور ديما أدامسكي، أن "الأحداث الأخيرة في الشمال جسدت للجميع أن روسيا تشكل جهة سائدة ولاعبا لا بديل له، قريبا من الولايات المتحدة في نفوذه، بمنطقة الشرق الأوسط".
وأوضح أنه "يمكن لموسكو اليوم أن تعطي الضوء الأخضر لخطوات تصعيدية، وهي لا تمنع خطوات مثل إطلاق طائرة إيرانية غير مأهولة وصواريخ سورية، وخطوات أخرى أيضا مثل النية الإسرائيلية لتشديد قوة الرد على تلك الحادثة".
ورأى أن "الأمر الأهم من كل شيء، هو أن روسيا تبث ضوءا برتقاليا يدخل اللاعبين، بما فيهم تل أبيب، في وضع من عدم اليقين بالنسبة لدوافعها الاستراتيجية والشكل العملي الذي تحقق فيه هذه الدوافع".
وأكد أدامسكي، أن "هذه الاشارات، الذكية، المتغيرة والمتلاعبة، توسع مجال المناورة الجغرافية السياسية لروسيا وتأثيرها على اللاعبين في المنطقة".
اقرأ أيضا: لاستامبا: هل تشهد خارطة التحالفات أي تغير في سوريا؟
وقال: "بينما يحاول خبراء استراتيجيون في إسرائيل والعالم حل لغز السلوك الروسي، ينشغل أصحاب القرار في تل أبيب بمسألة ما إذا كانت نواياها وقدراتها تقلص أم توسع حرية عمل الجيش الإسرائيلي"، موضحا أن "الإجابة عن هذا السؤال منوطة بسياق وبعد محددين، وتستوجب استيضاحا وتحقيقا لجوهر الأمر".
ثلاثة مبادئ
واستدرك الباحث بقوله: "لكننا يمكن أن نشير إلى ثلاثة مبادئ عامة توجه سلوك روسيا الاستراتيجي وخطواتها العملية في المنطقة".
وأولى هذه المبادئ، هي "حفظ التوتر المضبوط"، حيث يتأكد أن "موسكو معنية باستمرار التوتر في المنطقة، بما في ذلك بين إسرائيل وجيرانها، بحيث يسمح لها باستخلاص المكاسب السياسية وتحقيق أهدافها الإقليمية والعالمية من خلال إجراءات الوساطة والتسوية".
ومن الجانب الروسي، لفت أدامسكي أن "شدة المواجهة يجب أن تكون على ما يكفي من الارتفاع كي تسمح بأزمات مبادر إليها وصدامات بين اللاعبين، ولكن ليست على ارتفاع أكثر مما ينبغي كي تمس بالاستقرار وتخلق فوضى إقليمية"، موضحا أن "موسكو تتطلع إلى التحكم في التصعيد وتقليص مستوى اللهيب كي لا تعرض للخطر ذخائرها الإقليمية".
وثاني تلك المبادئ، هو "وساطة تعمق التعلق"، حيث "تأخذ موسكو على عاتقها مهمة الوسيط، الذي بوسعه أن يصعد أو يثبت السياقات"، وفق الباحث الإسرائيلي الذي قال: "ومن أجل السماح لذلك فهي تطور قدرة وصول مميزة لجملة من اللاعبين الإقليميين الذين ينتمون لمعسكرات مختلفة، وهذا هو التفوق التنافسي البارز لديها حيال واشنطن".
وأشار إلى أن "موسكو تفضل ألا يكون للاعبين أفضلية واضحة للواحد على الآخر، وألا يكونوا أقوياء أو ضعفاء أكثر مما ينبغي كي يغيروا الوضع القائم"، لافتا أنها "في كل تطور سياسي أو حادثة عسكرية، تتطلع لأن تجسد للأطراف قيودا لقوتهم وتعلقهم بها، ولا سيما عند الحاجة إلى آلية لإنهاء المعركة".
اقرأ أيضا: صحيفة ألمانية: كيف يدير بوتين الصراع داخل سوريا وخارجها؟
ويعتبر "الاكتفاء المعقول"، هو ثالث تلك المبادئ وفق أدامسكي، حيث إنه "في وقت تعظيم تدخلها لدرجة الخيار العسكري، تستوعب روسيا أن خطرها الأكبر يكمن في الاستثمار الزائد، الذي من شأنه أن يحدث نتاجا سلبيا ويؤدي إلى غرق استراتيجي".
المدى الذهبي
وبناء على ذلك، "تبحث موسكو بشكل دائم عن المدى الذهبي بين استثمار الطاقة الاستراتيجية الفائضة وبين الاستخدام المقلل لهذه الطاقة"، منوها أن موسكو وفي السياق السوري مثلا، "حرصت على تقليل المشاركة المباشرة والاستخدام للقوة بشكل يسمح لها بتحقيق أهدافها دون أن تغرق في وحل الحرب".
ووفق ما يعرف بـ"المدى الذهبي"، فإن "استثمارا أقل مما ينبغي أو أكثر مما ينبغي من القوة السياسية والعسكرية، هو دينامية موسكو تغيرها وفقا للظروف".
لكن العديد من الخبراء وأصحاب القرار، يطرحون سؤالين كبيرين وهما: "هل روسيا هي قوة عظمى؟ وكيف تنظر إلى منافسيها وحلفائها في الشرق الأوسط؟".
اقرأ أيضا: قمة بين بوتين وأردوغان وروحاني أبريل المقبل
ووفق اقتباس منسوب لسياسيين أوروبيين يقدم مادة للتفكير في السؤال الأول، فإن "روسيا ليست في أي مرة ضعيفة مثلما تعد، ولكن أيضا ليست قوية مثلما تبدو".
وفي اقتباس آخر ربما يوفر إجابة للسؤال الثاني، وهو منسوب للقيصر ألكسندر الثالث، ويعتبر شخصية يعجب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،فإن "لروسيا حليفين فقط؛ جيشها وأسطولها".
وذكر الباحث الإسرائيلي، أنه "في هذه الأيام هناك من يتحدثون عن عودة الدب الروسي"، معتبرا أن "الأصح هو الادعاء بأن الحديث لا يدور عن عودة روسيا إلى الشرق الأوسط، لأنها لم تغادر الساحة أبدا بل عن إعادة بناء مكانتها في المنطقة لذروة العهد ما بعد الاتحاد السوفياتي".