هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للمفاوض والمبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط دنيس روس، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاول خطب ود السعودية وإسرائيل من خلال وعود بوقف النفوذ الإيراني، لكنه فشل حتى الآن في جعل كلامه حقيقة.
ويقول روس في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "ترامب قد لا يحظى بشعبية عالية في الولايات المتحدة، لكن أي شخص قضى وقتا في إسرائيل أو السعودية، كما فعلت أنا، سيشهد بأنه يحظى بشعبية كبيرة بين قيادات تلك الدول الشرق أوسطية".
ويجيب الكاتب على السؤال عن سبب ذلك، قائلا: "لأنه ليس باراك أوباما، حيث رأى الإسرائيليون والسعوديون أن الرئيس السابق باراك أوباما شخص لم يفهمهم، ولم يفهم التهديدات التي يواجهونها في المنطقة، فتهديد إيران يبدو كبيرا في أفق البلدين، وأصبحا مقتنعين بأن أوباما رأى في الإيرانيين حلا للمشكلة، وليس كما يرون أنهم مصدر تلك المشكلات، وعلى العكس من ذلك يتحدث ترامب بصراحة عن التهديد الذي تشكله إيران لمصالح أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط".
ويستدرك روس بأن "ما يدعو للسخرية هو أن ترامب لم يؤسس بعد سياسات عملية بحجم كلماته، صحيح أنه أدرج كيانات إيرانية على قائمة الإرهاب ليعاقبها ماليا، لكن أوباما فعل ذلك أيضا، بل إن أوباما -بالرغم من انتقاده لإسرائيل بسبب سياسة الاستيطان، وانتقاده للسعودية لعدم رؤيتها أن عليها مشاركة إيران في المنطقة- كان متجاوبا جدا لحاجات البلدين الأمنية، من تمويل نظام صواريخ القبة الحديدية الإسرائيلية، إلى بيع السعودية أسلحة بعشرات مليارات الدولارات، فساعد كلا البلدين في توسيع إمكانياتهما الدفاعية خلال فترة حكمه، بالإضافة إلى أن مشاركة المعلومات الاستخباراتية والعمليات المشتركة ضد الإرهابيين ربما كانت أكثر أهمية من ناحية التهديدات الحقيقية، بما في ذلك التهديد الإيراني".
ويشير روس إلى أن "دعم ترامب للإسرائيليين والسعوديين إلى الآن هو رمزي مبدئيا، وبالتأكيد فإن الرمزية مهمة للبلدين، فكلاهما يرى في التأييد الرمزي رسالة لأعدائهما بأن الولايات المتحدة ستكون إلى جانبهم، وواضح أن الإسرائيليين يفضلون حضن ترامب الرمزي على انتقادات أوباما".
ويجد الكاتب أنه "مع أن الرمزية لها قيمة، لكنها تحتاج أن تكون مدعومة بأفعال ملموسة؛ خشية أن تفقد معناها، لقد تم إعلان مبيعات السلاح للسعودية بكثير من الضجة لكنها لم تتم بعد، وقد لا تتم في وقت قريب، وقال الرئيس إن إدارته تهدف إلى مواجهة أو احتواء إيران، وخاصة في المنطقة، حيث يشعر السعوديون بمحاولة إيرانية لتطويقهم، والسيطرة على الأنظمة العربية، لكن أين فعلت أمريكا هذا فعلا؟ ليس في سوريا، حيث يحصل التمدد الإيراني، وليس في اليمن، حيث يصف المسؤولون السعوديون كيف تطلق الصواريخ التي توفرها إيران للحوثيين على المدن السعودية بشكل متزايد، ومع أن الإدارة تسلط الضوء على إمدادات الأسلحة الإيرانية للحوثيين فإنها لا تحاول فعليا اعتراض تلك الشحنات، بالرغم من وجود قرارين (2216 و2231) لمجلس الأمن يحظران مثل تلك الشحنات".
ويبين روس أنه "بالنسبة لإسرائيل، فإن تنامي الوجود العسكري الإيراني والمليشيات الشيعية الموالية لإيران لا يشكلان تهديدا نظريا، وتحدثت إدارة ترامب عن منطقة فصل بين حزب الله والمليشيات الشيعية الأخرى وبين إسرائيل، لكن عندما زرت هضبة الجولان أشار القائد الإسرائيلي المحلي إلى موقع مراقبة متقدم تابع لقوات القدس الإيرانية وحزب الله، على بعد أقل من أربعة أميال، ويتحدث المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون الآن عن مواجهة (جبهة شمالية)، تضم كلا من لبنان وسوريا".
ويقول الكاتب: "كل من تحدثت معهم يشعرون بأن أمريكا تخلت على سوريا لروسيا، تاركة إسرائيل وحدها للتعامل مع الوجود الإيراني هناك، وبالطبع يعتقدون أيضا أنه لو كانت أمريكا مستعدة للإيعاز باستعدادها للحد من التمدد الإيراني في سوريا فلربما غير ذلك من تصرفات روسيا أيضا، لكن ومع أن خطاب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حول سوريا الشهر الماضي ركز على مواجهة إيران، فإن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين تحدثت معهم لم يروا بأن الإدارة ستطبق هذه الكلمات بالفعل".
ويرى روس أنه "ليس غريبا إذا أن تحذر إسرائيل من أنها ستتصرف وحدها إن قامت إيران ببناء مصانع في سوريا ولبنان لإنتاج أنظمة توجيه أكثر دقة لآلاف الصواريخ التي أرسلتها للبلدين، حيث أن مثل هذا الأمر يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، نظرا لصغر حجمها وصغر عدد الأهداف العسكرية الحساسة والبنية التحتية المدنية، ولذلك قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة روسيا سبع مرات على مدة العامين الماضيين ليقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليس فقط لضمان عدم وقوع صراع بين إسرائيل والقوات الروسية في سوريا، ولكن لمحاولة إقناعه باحتواء تمدد البنية العسكرية الإيرانية هناك، ونجح الهدف الأول، لكن الثاني لم ينجح".
ويؤكد الكاتب قائلا: "لا شك أن الإسرائيليين يتمنون ألا يكونوا وحدهم، والكثير يتساءلون لماذا لا يقوم الرئيس ترامب بتحذير بوتين بصورة شخصية حول مخاطر ما يقوم الإيرانيون بفعله، وخطر التصعيد نتيجة لذلك، ومدى استعداد أمريكا لمساعدة إسرائيل إن نشب صراع جاد بين إسرائيل وإيران أو حزب الله في سوريا ولبنان، ألن يكون هناك وقع للتحذيرات الأمريكية على الروس -وبالتالي على الإيرانيين- أكثر من تعبير إسرائيل عن قلقها؟ أليس على روسيا أن تدرك أن خطر جر أمريكا لمثل هذا الصراع كبير، حتى وإن كانت الدولتان لا تريدان ذلك؟".
ويختم روس مقاله بالقول إن "بوتين أكثر احتمالا لأن ينتبه لهذه التحذيرات إن رأى خطوات عملية لمواجهة الإيرانيين، ربما بجعل الأمور واضحة بأنه إن لم يتصرف الروس لاحتواء أي تمدد إيراني إضافي في سوريا فإن أمريكا ستستخدم قوتها الجوية لفعل ذلك، مثل هذه الخطوة ستعني أكثر للسعودية وإسرائيل من الدعم الرمزي الذي يفقد أثره في المحصلة، وإن كانت أمريكا تريد أن تشعر السعودية وإسرائيل بأنهما ليستا وحدهما، وأنهما ليستا بحاجة لاستباق التهديدات المتوقعة، فعلى إدارة ترامب أن تدرك محدودية الخطابات البليغة والرمزية، وقوة الفعل في المقابل".