هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سنوات في ألمانيا
لما عزمت على ترك العمل مع محيي الدين هلال،
قررت العودة إلى مصر، ولم يكن أحد يعلم. ووقتها حدث لي حادث وجُبّست رجلي، وجاءتني
رسالة من الدكتور أحمد الملط بأن أقابله في الحرم، ولم يكن لدي سيارة أتوماتيك كي
أقودها برجل واحدة، فاستعرت سيارة الشيخ فتحي الخولي، وذهبت لمقابلة الدكتور أحمد
الملط في الحرم، وأنا على عكازي، فقال لي: الأستاذ عمر يقول لك: اذهب إلى ألمانيا؛
لأن بها مشاكل كثيرة في العمل الإسلامي، والأخ أحمد خليفة - وكان يحضر الدكتوراه -
سيترك المركز ويسافر إلى شتوتجارت ليتفرغ للرسالة، وأمرني أن أبقى هناك سنتين أو
ثلاثا على الأكثر. فاستجبت له مع أنني كان لي كل عام جولة في الدول الأوربية، ولم
أكن أدخل ألمانيا لعلمي بما بها من مشاكل، وقلت له: سأنهي عملي هنا في رمضان (وكان
هذا قبل رمضان بحوالي عشرة أيام)ـ ثم أذهب لجولتي في تركيا وقبرص، وأمر على
ألمانيا، ثم أقابل بعد ذلك الأستاذ عمر بإذن الله.
في ميونخ
وصلت إلى المركز الإسلامي في موينخ،
ودرست الموقف هناك، واطلعت على حال المركز وحال الإخوان، وحددت المشكلات الموجودة
وفهمت أبعادها، ووضعت أمامي بعض الأهداف للنهوض بالمركز، وكتبت تقريرا للأستاذ عمر،
وهو عبارة عن ورقتين، وشرحت له الحال والمطلوب. فقال لي: كل ما طلبت أنا موافق
عليه.
وكان الإخوان المسلمون قد بدأوا العمل في
ألمانيا منذ فترة طويلة، عندما رحل بعض الإخوان من القاهرة إلى ألمانيا للدراسة
قبل وبعد 1954م، مثل الدكتور المحجري وجمال ناصر، ثم اتسع العمل على مستوى أوسع في
الخمسينيات، في ميونخ خصوصا. وتُوج العمل في نهاية الستينيات بإنشاء المراكز
الإسلامية في ميونخ وفرانكفورت وبون وبرلين وفورنبرج وشتوتجارت، وكل هذه المراكز
الإسلامية تخضع للجماعة الإسلامية في ألمانيا. وكانت في البداية الجماعة الإسلامية
في بافاريا، ثم جعلوها الجماعة الإسلامية في ألمانيا.
وعندما استلمت المهمة في ألمانيا،
وقبل البداية في مواجهة المشكلات المتراكمة، أخذت في تكوين مجلس إدارة واختيار
مساعدين لي، فاستدعيت صديقا عزيزا، هو أحمد فوندانفر، وقد تعرفت عليه في معسكر
قبرص 1977، وهو ألماني وكان يعمل في "إسلاميك فاونديشن" في بريطانيا..
فاستدعيته، وجعلته نائبا لي لشؤون الألمان. وكان إمام المسجد من تركيا، ويدعى مصطفى
شكر، فجعلته نائبا لي لشؤون الأتراك. ووضعت في تشكيل مجلس الإدارة كل المديرين
السابقين للمركز، مثل عبد الحليم خفاجي، والسيد القشاط، وأحمد خليفة، وجمال ناصر،
وهم الذين عملوا في المركز من قبل. ولم أكن أعرف الألمانية، فكنت أتعامل باللغة
الانجليزية مع أحمد فندانفر، وباللغة العربية مع مصطفى شكر، وبدأت العمل لحل
المشاكل تباعا، وسأتحدث عن بعضها.
أذكر أنني قلت للإخوان في ألمانيا
إنه لكي أعالج المشاكل، فإن الأخ الذي يريد أن يعمل للإسلام ولا يريد أن يعمل معكم
فاتركوه وما يريد.. لم تقفون منه هذا الموقف، وتقولون إنه يفسد صفنا؟ فإن كان صفكم
صالحا، فما الذي سيفسده؟! أنتم المفسدون وليس هو! وكنت لا أحب أن يقال إما الإخوان
وإما لا، فالإخوان يحملون رسالة، ومن يحب أن يعمل للإسلام خارج الإخوان؛ فلندعه
يعمل، ونحن نحبه ونصادقه. وذكرت لهم البيان الذي أصدره الإمام الهضيبي بفصل قمم
الإخوان المسلمين (السندي ومن معه والغزالي ومن معه) والذي رفع من قدرهم، فكان
يقول فيه: هؤلاء الإخوة الكرام الذين لم يستطيعوا أن يتوافقوا معنا في سياسة
الإخوان المسلمين وأحبوا أن يخدموا الإسلام بأسلوبهم الخاص، فندعو لهم بالتوفيق.
وبدأت بإيجاد صلة بيني وبين الأخ
عصام العطار، ولم يكن عصام العطار يعرفني، لكنه يسمع عني كذا وكذا فقط، ولم يرني
ولم أره من قبل، ولم تكن لي به علاقة غير قليل من العلاقات الاجتماعية الإنسانية
البسيطة، حيث كنت أهنئه في المناسبات وأسأل عنه إذا مرض، وهو كذلك، وليس بيني
وبينه إلا التلفون. وبعد فترة، قابلته في سويسرا لأول مرة، فهو لم يشاهد غير صورتي،
وأنا لم أشاهد إلا صورته. فعندما رآني تعلق بي، وظل يقبلني (وهو تقريبا أكبر مني
سنا)، وبعدها تفاهمنا، وقال لي: كلنا إخوان مسلمون، ولكن الآن لي جمعية ولها مجلس
إدارة، ولها مسؤولون، فإذا كان اسمي "إخوان مسلمين" أو كان لي اسم آخر،
فلن يؤثر ذلك على علاقتنا. ثم توطدت علاقتي به، وجعلت الأستاذ المرشد يرسل له وهو
يرسل للأستاذ المرشد، وأصبحت العلاقات طيبة. أليس هذا أفضل من الصدامات؟!
ولا أكتمكم سرا، فقد قاسيت كثيرا
جدا من العرب، سواء كانوا سوريين أو عراقيين أو مصريين أم فلسطينيين، فلم يكن
تعاملهم على المستوى الأخلاقي ولا الإسلامي المطلوب، وكانت مشاكلهم مع المركز لا
تنتهي. وبقدر ما كانت ألمانيا ذكرياتها طيبة وإنجازاتها ممتازة، كانت قاسية علي
جدا من الناحية النفسية، نتيجة ما عانيته من إخواننا (الإخوان المسلمين) الموجودين
هناك، أو عموم العرب والشرقيين، فلم يكن أكثرهم على المستوى المطلوب.
الصدام مع الحكومة الألمانية
بمناسبة المدرسة، فقد كان نظام
التعليم في ألمانيا كله مجانا حتى الجامعة، فكانت المدارس الخاصة إذا وصل عدد
تلاميذ الفصل 24 تلميذا، تقوم الحكومة الألمانية بالإنفاق على هذا الفصل كله. ولأن
عدد تلاميذ كل فصل بالمدرسة كان أقل من ذلك، فقد كانت الحكومة تقوم بدفع نسبتها
فقط.
وبعد تبديل ناظر المدرسة، دخلنا مع
الحكومة في مشكلة وضع المناهج العربية بالمدرسة، حيث إن الحكومة الألمانية كانت قد
اتفقت مع الحكومة التركية العلمانية على أن المناهج العربية الإسلامية التي تدرس
في مدارسنا لا بد أن يؤخذ عليها موافقة من الحكومة التركية العلمانية. وكان وضعا
شاذا، فقمنا بالاعتراض، وقلنا إن هذه المدرسة تسمى المدرسة الإسلامية الألمانية،
فنحن نضع مناهجها، ولا يصح أن تضعه الحكومة الألمانية ولا الحكومة التركية. ولكن
المشكلة تكمن في أن الحكومة الألمانية ملزمة باتفاقياتها مع الحكومة التركية، ومع
ذلك يشاء السميع العليم أن يقتنع المديرون التنفيذيون بوجهة نظرنا، وقمنا نحن بوضع
مناهج المدارس، وكانوا يحترموننا جدا والحمد لله.
أيضا كانت هناك أخطاء إدارية
وتنظيمية لدى بعض الإخوان، فقد كان المركز الإسلامي في ميونخ مؤسسة تعليمية
واجتماعية. وهي مؤسسة مستقلة، ولكنها تتبع الجماعة الإسلامية في ألمانيا، وهي جماعة
لها جمعية عمومية ومجلس إدارة، وكانت الجمعية تضم المراكز الإسلامية في ألمانيا وعددها
عشرة. ولم يكن كل الجمعية من الإخوان بطبيعة الحال، بل كان أكثرهم من الإخوان، فلا
يصح من الإخوان كجماعة أن تتدخل في أعمال الجمعية، ولكن يجب أن تكون الاختصاصات
واضحة، والانطلاق في العمل يكون أوضح.
هذا ما كنت أفهمه وأعمل على ترشيحه،
فليس من حق رئيس الإخوان في ميونخ - مثلا - أن يأتي ويقيدني ويوجب علي أن آخذ رأيه
في كل قرار أو أمر يخص المركز، وعندما حاول ذلك، قلت له: أنت لا شأن لك بهذا
المركز، تستطيع فقط إذا أردت أن تتفاهم معي على أن تستخدمه وتعمل فيه نشاطات،
فأهلا وسهلا بك، أما غير ذلك فلا. وكان الحاج عباس السيسي موجودا في فرانكفورت،
فذهبوا ليشتكوا له ذلك، فقال لهم: إنه على صواب، فهو مدير المركز وصلته ليست بكم، فصلته
بالمرشد العام مباشرة، أو بالجماعة الإسلامية التي يعمل معها، فتأدبوا وتفهموا
ذلك، ومن وقتها صار العمل في المركز على هذا الحال.
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (26)
اقرأ أيضا: صفحات من الذكريات: رحلة في ذكريات عاكف (25)