هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فجرت الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى تونس، الأربعاء، وتستمر ليومين بدعوة من نظيره التونسي، الباجي قائد السبسي، جدلا بين مؤيد ومعارض لطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، بين من يعتبرها شراكة استراتيجية متقدمة فرضها التاريخ والجغرافيا، وبين من يصفها بالتبعية الاستعمارية.
وطالب البعض باعتذار رسمي على الجرائم التي اقترفها الاحتلال الفرنسي بحق التونسيين على غرار ما قام به الرئيس الفرنسي مع الجار الجزائري.
وكان ماكرون قال في زيارته إلى الجزائر العام الماضي، لقناة الشروق الخاصة في بداية: "إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات".
ورأى المحلل السياسي منذر ثابت خلال حديثه مع "عربي21" أن فرنسا شريك مهم ورئيسي في دعم الاقتصاد التونسي وفي دعم تجربة الانتقال الديمقراطي ككل"، لكنه استدرك بالقول: "هناك دعم لكنه غير كاف، سيما وأن فرنسا تحججت سابقا إبان فترة حكم الرئيس السابق بن علي خلال التفاوض على مرتبة (الشريك المتقدم) في الاتحاد الأوروبي بأن هذه المرتبة لا يمكن منحها في ظل وضع مترد لحقوق الإنسان ودولة لا تحترم الديمقراطية لكنها بعدها الثورة تنصلت من وعودها تلك سيما الاقتصادية منها وكأنها تفضل التعامل مع أنظمة شمولية استبدادية في المنطقة".
واعتبر ثابت، أن التعاطي الإعلامي لكبرى الصحف الفرنسية مع ما يحدث في تونس بعد الثورة لم يستطع التخلص من خطاب التعالي، وهو ما يستوجب من التونسيين أن يذكروا فرنسا ورئيسها بالحقبة الاستعمارية السوداء ويطالبوه بالاعتذار الرسمي عن الجرائم التي اقترفت بحق التونسيين تماما كما فعل خلال زيارته للجزائر إذا كان فعلا جادا في طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية قوامها الندية والدخول في شراكة متوازنة.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في تونس قد ضجت قبيل يوم من زيارة ماكرون لتونس بتدوينات ومواقف سياسيين وإعلاميين حول هذه الزيارة.
وعلق المحامي ورئيس حزب وفاء عبد الرؤوف العيادي على زيارة ماكرون لتونس قائلا: "المسؤول الكبير يتفقد رعيته".
فيما تساءل الإعلامي والمحلل السياسي نور الدين المباركي عن جدية فرنسا في دعم الانتقال الديمقراطي في تونس واصفا إياها بـ"الأسطوانة المشروخة" التي يتداولها الإعلام الفرنسي.
واتهم المدون خميس الجازي فرنسا بنهب ثروات تونس وبضرب هويتها العربية الإسلامية وبتواصل سياستها الاستعمارية، مستنكرا زيارة ماكرون لتونس.
وتداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي صورا لعلم فرنسا الذي كان يزين بعض شوارع تونس حيث تم رميه في مكبات القمامة.
في المقابل، رحب شق آخر من التونسيين بزيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس، حيث نددت الناطقة باسم حركة شباب نداء تونس رباب السباعي عبر صفحتها على "فيسبوك" بما أسمته هجوم صفحات محسوبة على "الإخوان" على زيارة ماكرون ورفع أعلام فرنسا في شارع 20 مارس بالعاصمة الذي يرمز لتاريخ استقلال البلاد من الحكم الفرنسي.
بدوره، شدد الكاتب والصحفي هادي يحمد، على متانة العلاقات الثقافية والتاريخية بين تونس وفرنسا، معتبرا إياها الداعم الرئيسي للانتقال الديمقراطي في تونس. وأضاف لـ"عربي21": "القضية ليست بالتأكيد تبعية ثقافية كما يريد أن يروج لها أصحاب الطرح الإسلامي لأن فرنسا ليست بلدا مستعمرا فقط بل هي ثقافة ممتدة وفلسفة كاملة للأنوار التي أشعت على أوروبا وعلى المنطقة بأكملها".
وتابع: "تونس المستقلة وتونس الثورة اليوم تجد نفسها في تشابك مع أوروبا اقتصاديا وسياسيا بل ربما أزعم بأن نجاح التجربة الديمقراطية في تونس في أحد وجوهه متأت من الدعم السياسي والاقتصادي للاتحاد الأوربي وفرنسا كأحد أعضائه".
يحمد اعتبر أيضا أن اعتراف ماكرون خلال زيارته للجزائر بالجرائم الاستعمارية الفرنسية ودعوته إلى طَيها وبدء صفحة جديدة من العلاقات ينطبق أيضا على تونس.
هذا ومن المنتظر أن يلقي الرئيس الفرنسي كلمة، غدا الخميس، أمام مجلس نواب الشعب، ويرافقه خلال زيارته لتونس وفد رفيع المستوى يضمّ عددا من الوزراء والبرلمانيين ورجال الأعمال والثقافة بحسب بيان لرئاسة الجمهورية التونسية.