هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحدثت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن العلاقة التي تربط تونس بفرنسا، في ظل الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتونس، ليلتقي للمرة الثالثة بشكل مباشر بنظيره التونسي الباجي قائد السبسي.
وكان أول لقاء للرئيسين في قصر الإليزيه في 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، وثاني لقاء خلال قمة زعماء الدول الصناعية السبع في تاورمينا بإيطاليا في حزيران/ يونيو الماضي.
وقالت الصحيفة، في تدوينة ترجمتها "عربي21"، إن هذه الزيارة ستتخذ منحى رسميا، وسيتم خلالها التطرق إلى مواضيع مختلفة، أبرزها الاقتصاد والتعاون في مجال التعليم العالي والثقافي والأمن وأزمة المهاجرين، وذلك في إطار وضع اجتماعي غير مستقر تمر به تونس خلال هذه الفترة.
وذكرت الصحيفة أن هذه الزيارة ستكون مناسبة لتنفيذ الشراكة الإستراتيجية الاستثنائية التي طال انتظارها، خاصة إبان تواتر الوعود من قبل فرنسا عقب ثورة 2011. من جانب آخر، لن يقف الفارق الكبير في السن بين السبسي وماكرون حاجزا أمام التقارب بين فرنسا وتونس، بعد الفتور الذي شهدته العلاقة بين البلدين إبان حكم فرانسوا هولاند.
وأشارت الصحيفة إلى الخطر المحدق بالتحول الديمقراطي في تونس، نتيجة فشل التحول الاقتصادي والاجتماعي. من هذا المنطلق، تحمل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الوقت في طياتها مغزى كبيرا.
وذكرت الصحيفة أن العلاقة التي تربط تونس بفرنسا لها جذور استعمارية تاريخية تعود للقرن الثامن عشر. ففي آذار/ مارس سنة 1881 قام الجنرال جول فيري بالهجوم على تونس، التي كانت وقتها على حافة الإفلاس. وحينئذ أجبر فيري الباي التونسي على توقيع معاهدة باردو في 12 من أيار/ مايو من السنة ذاتها، لتصبح الدولة التونسية وجوبا تحت الوصاية الفرنسية.
عقب ثورة القبائل في وسط البلاد وجنوبها بين سنتي 1881 و1882 أجْبر المقيم العام الفرنسي بول كامبون الباي علي بن حسين على التوقيع على اتفاقية المرسى في 8 من حزيران/ يونيو سنة 1883، التي تدعم نظام الوصاية وتمهد الطريق أمام الاستعمار الفعلي.
وبينت الصحيفة أنه وردا على التحركات الفرنسية تشكلت الحركة الوطنية، واصطفت بالأساس خلف شخص الحبيب بورقيبة، حتى 31 من تموز/ يوليو سنة 1954 تاريخ الخطاب الذي ألقاه رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة بيير منديس فرانس في قرطاج الذي اعترف من خلاله بالسيادة الداخلية لتونس. وفي 20 من آذار/ مارس سنة 1956، أدت المفاوضات لعقد اتفاق جديد بين تونس وفرنسا يعلن إبطال معاهدة باردو ويقر باستقلال تونس.
اقرأ أيضا: فرنسا وتونس تعززان تعاونهما القضائي لمكافحة "الإرهاب"
وأشارت الصحيفة إلى أن الصراع بين الدولتين لم ينته دون إراقة دماء، حيث نشبت أزمة عسكرية دبلوماسية حول القاعدة البحرية ببنزرت في سنة 1961، ذهب ضحيتها 4 آلاف قتيل تونسي ونحو عشرين قتيلا من الجيش الفرنسي. وعلى الرغم من هذا "الطلاق الدموي"، لم ينجر عن استقلال تونس قطع العلاقات بين البلدين. فقد تقلد السلطة الحبيب بورقيبة، "المستبد المستنير" الذي عرف عنه تعلقه بالثقافة الفرنسية، والذي حافظ على علاقة غامضة بالمستعمر الفرنسي سابقا.
وتطرقت الصحيفة إلى الانقلاب "الأبيض" الذي قاده الجنرال زين العابدين بن علي ضد الرئيس الحبيب بورقيبة في 7 من تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1987، علما وأن فرنسا لم يكن لها يد في هذا الصدد. من جانب آخر، ساهم الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي تحلى به النظام الجديد في بداية نشأته في الظفر بدعم رسمي فرنسي.
وذكرت الصحيفة أنه منذ سنة 1959، موعد أول اتفاق تجاري جمركي بين تونس وفرنسا، شهدت العلاقات التجارية بين بلدين ترابطا شديدا. ففي الواقع، لم تنعكس حالة عدم الاستقرار والريبة التي ارتبطت بالانتقال الديمقراطي، على كثافة وتنوع الروابط الاقتصادية والتجارية الثنائية. فضلا عن ذلك، فتح اعتماد النظام السابق لإستراتيجية المنافسة غير العادلة، آفاقا جديدة أمام الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الفرنسيين.
وشددت الصحيفة على أن باريس كانت الشريك التجاري الأول لتونس، كما كانت المصدر والمستورد الأبرز بالنسبة لها. ويحظى المستعمر السابق بنصيب الأسد من الشركات الصغرى والمتوسطة المنتصبة في تونس، وخاصة العاملة في مجال الصناعة التحويلية المصدرة، ومجال الخدمات، مثل البنوك وشركات التأمين وكبرى شركات التجارة بالتجزئة وشركات التوزيع البترولي والشركات السياحة. بالإضافة إلى ذلك، يسيطر الفرنسيون على النشاطات المرتبطة بمراكز الاتصال والهندسة الحاسوبية.
وأوردت الصحيفة أن فرنسا تعتبر أكبر مانح لمساعدات التنمية الرسمية والمساعدة التقنية في تونس. ولئن وقع العمل على تعزيز اللغة الفرنسية، التي تعتبر لغة أجنبية ذات وضع مميز، في قلب التعاون الثنائي، فقد أحال الوضع ما بعد الثورة هذا التعاون نحو مساعدة المجتمع المدني التونسي ودعم العملية الديمقراطية.
وتناولت الصحيفة تداعيات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، على غرار تفشي البطالة والتضخم المالي والتفاوت الطبقي بين جهات بالإضافة إلى العجز المالي وتزايد الدين العمومي وبطئ النمو، على فرنسا والقارة الأوروبية عموما. ويرتبط تدفق المهاجرين نحو القارة العجوز بالأساس بتنمية المناطق المحرومة في تونس وباقي دول الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، تتشارك تونس وفرنسا المصير ذاته وإن كانت عاصمة الأنوار تتمتع باليد العليا.