هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري الأسبق، محمد محسوب، إن سلطة الانقلاب باتت "مُحاصرة بسخط شعبي ورفض عام، ولا تريد منافسة بل تمثيلية انتخابية، كما أنها لم تعد تثق في ولاء أجهزة الدولة لها".
وأضاف محسوب خلال مقابلة خاصة مع "عربي21":
"أعتقد أننا وصلنا لنقطة فاصلة، أصبحت فيها السلطة في مواجهة كل الشعب وكل
المؤسسات".
وذكر أن الفريق سامي عنان "قدّم للحركة الوطنية
المصرية ما يُمكن اعتباره رسالة ود، إذ تبنى أحد تصوراتها المهمة بشأن المجلس
الرئاسي"، مؤكدا أن "الكلمة التي افتتح بها مسيرته الانتخابية كانت أقرب
لبرنامج يتلامس بشدة مع مطالب الشعب في يناير ومع رؤية الحركة الوطنية لدور
المؤسسات".
الشعب سينصت لأي دعوة إذا خرجت من صف مكتمل ومتماسك ويحمل رؤية واضحة
وتابع: "اختطاف الفريق عنان لا يختلف عن اختطاف
الفريق شفيق، ويُثبت أن القضية لم تكن تتعلق برفض رئيس من الإخوان المسلمين أو
برفض رئيس من أبناء ثورة يناير ولا حتى برفض رئيس مدني والتمسك برئيس ذي خلفية
عسكرية كما روّج مروجون".
وشدد على أن ما جرى منذ 3 تموز/ يوليو 2013 وحتى
الآن هو "انقلاب لحساب شخص واحد (عبد الفتاح السيسي) ضد الجميع مدنيين
وعسكريين".
ولفت محسوب إلى أن اختطاف "عنان" بهذه
الطريقة، التي وصفها بـ"الهمجية المتشنجة"، واستصدار قرار من جهة غير
معلومة بزعم أنه متحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة لتبرير هذا الاختطاف؛
يُنبئ عن انفلات ما وعن عدم قدرة السيسي على التحكم في الأمور، مضيفا أنه "يبدو جليا
أن ثمة تمرد متزايد من أجهزة مهمة بالدولة أو قطاعات منها على سلطة السيسي".
ما جرى مع "عنان" يُثبت أن القضية لا تتعلق برفض رئيس من الإخوان أو من أبناء الثورة
وكشف وزير الشؤون القانونية والبرلمانية الأسبق، أن
"كافة الدوائر المطّلعة تُدرك أن اختطاف عنان تم من جهاز أمني موال للسيسي
شخصيا رغما عن أنف أجهزة أخرى تبدي امتعاضا مما يجري، وكانت تؤمل على أن تغييرا
سلسا دون انشقاقات كبيرة يُمكن أن يحدث بدخول عنان إلى حلبة المنافسة".
وشكك في صحة بيان القيادة العامة للقوات المسلحة
الذي صدر ضد "عنان"، قائلا: "لا أعتقد أن البيان المنسوب لها صدر
عنها، وإن كان قد عنون باسمها، فحتى لغة البيان وصدوره دون أي معلومات عن انعقاد
القيادة العامة للقوات المسلحة، يُعبر عن أنه جرى اختطاف اسم القيادة العامة للقوات
المسلحة لتبرير اختطاف أحد أهم قادة الجيش السابقين أمام عشرات آلاف الضباط
والجنود".
وأكد أن "المؤسسة العسكرية مُختطفة ككل مؤسسات
الدولة المصرية، والمختطف ليس له إرادة، حتى يُعلن تحرره".
وفي ما يأتي نص المقابلة كاملة:
ماذا تود أن تقول في الذكرى السابعة لثور يناير؟
أود أن أتقدم بالتحية لكل من شارك في يناير، ولكل من
تحمل تبعات الانقلاب على مطالب الشعب، ولكل من يحلم اليوم بيوم من أيام يناير،
ولكل من أدرك أن التغيير الوحيد الذي حصل في العقود الأخيرة لم يأت إلا بيناير ولن
يعود – بعد أن سدت السلطة الحالية كل أفق وكل طريق- إلا بيناير جديد.
ويناير ليس تظاهرات واعتصامات فقط بل هو قبل ذلك
وبعده اصطفاف وطني واسع توحده مطالب مشتركة تبدأ برحيل السلطة كأول خطوة في سبيل
تحقيق بقية المطالب.
كيف ترون انسحاب خالد علي من انتخابات الرئاسة وما
جرى للفريق سامي عنان؟
لم أشك لحظة في أن المحامي خالد علي ابن ثورة يناير
سيتخذ القرار الصائب في اللحظة التي يُقدرها مناسبة، وهو لم يخيب ظني ولا ظن كل من
يعرفه ويعرف إخلاصه وذكاءه، ولا أعتقد أن ما جرى للفريق عنان هو السبب الوحيد الذي
دفع خالد لاتخاذ هذا القرار، فلديه القدرة على قراءة المشهد كاملا، وقد فعل.
أما بالنسبة للفريق عنان، فقد قدّم للحركة الوطنية
المصرية ما يُمكن اعتباره رسالة ود، إذ تبنى أحد تصوراتها المهمة بشأن المجلس
الرئاسي مختارا اثنين لا يمكن الشك في انتمائهما لتيار الإصلاح، أولهما قاض وطني
له تاريخ في تيار الاستقلال وفي الكشف عن فساد النظام، والثاني هو أستاذ للعلوم
السياسية ورمز وطني بارز.
كما أن الكلمة التي افتتح بها الفريق عنان مسيرته
الانتخابية كانت أقرب لبرنامج يتلامس بشدة مع مطالب الشعب في يناير ومع رؤية
الحركة الوطنية لدور المؤسسات، وعلى رأسها القوات المسلحة التي دعاها للحيدة،
وتعهد بأن تعود لمهمتها الأساسية في الدفاع عن البلاد وإبعادها عن العمل السياسي.
وما جرى بعد ذلك من إجراءات انتهت إلى اختطاف الفريق
عنان لا يختلف عن اختطاف الفريق شفيق، تُثبت أن القضية لم تكن تتعلق برفض رئيس من
الإخوان المسلمين أو برفض رئيس من أبناء ثورة يناير ولا حتى برفض رئيس مدني
والتمسك برئيس ذي خلفية عسكرية كما روّج مروجون.
على العكس من ذلك، كانت المسألة منذ البداية وحتى
الآن انقلابا لحساب شخص واحد ضد الجميع مدنيين وعسكريين. وكان الهدف أن يتحكم شخص
واحد في كل البلاد بجيشها وقضائها واقتصادها ومصيرها.
وما هي انعكاسات ذلك على انتخابات الرئاسة والمشهد
العام في مصر؟
لا توجد انتخابات رئاسية في مصر وأول وآخر انتخابات
رئاسية هي تلك التي جرت في 2012. أما الإجراءات الحالية فهي ليست أكثر من إجراءات
تنصيب رأس السلطة الحالي لمدى الحياة كما يتخيل، ويبدو أنه كان يرغب في تقديمها
بصورة "ديكورية" تعكس أن هناك منافسة، وتنتهي إلى اكتساح كل منافسيه
خصوصا من ينتمي منهم لثورة يناير.
وأتصور أنه تمنى في أن تكون تلك الانتخابات إعلانا
بموت ثورة يناير نهائيا وهزيمتها أمام السلطة الشمولية والقمعية التي يُمثلها، لكن
ما تبع ذلك من أحداث تتوجت بانسحاب خالد علي أجهضت ذلك المخطط، وأصبح العالم أجمع
يشهد أن ما يجري لا يمت للانتخابات بصلة ولا يسمح له بادعاء أن نظامه يستند لأي
قدر من المشروعية الدستورية أو الرضا الشعبي.
هل أصبحت كل الأمور تحت سيطرة السيسي ورجاله أم إن
المعركة لم تنتهِ بعد كما قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير معصوم مرزوق
لـ"عربي21"؟
متفق تماما مع السفير معصوم مرزوق في أن المعركة لم
تنته بعد، بل وأضيف أنها في النهاية ستُحسم لمصلحة الحركة الوطنية وتيار الإصلاح
ومطالب يناير.
فالمدقق يرى أن يناير ما زالت هي الموجه الأساسي
للأحداث، وأنه بعد خمس سنوات من القمع والتصفيات وبناء حاجز الخوف يتكشف الواقع عن
سلطة منهكة وممزقة ومحاصرة، فكل ما قامت به كان ردود فعل على الحدث العظيم الذي
جرى في 25 يناير 2011 بغرض استئصال روح التحدي والأمل الذي ترتب عليه.
غير أن الأمور وصلت إلى قناعة عامة بأن يناير لم يكن
لها بديل بالأمس، لأن السلطة وقتها كانت قد أغلقت كل سبل الإصلاح السياسي
والاجتماعي والاقتصادي، ولم يعد لها بديل اليوم لأن سلطة أشد عسفا وقمعا واستبدادا
كشفت عن وجهها القبيح وعن رغبتها في اختطاف الشعب والدولة والمؤسسات لأمد غير
منظور.
هل تعتقدون أن هناك أوراقا لا تزال في يد الفريق سامي
عنان ورجاله أو من يؤيدونه أم إنه أصبح منزوع الأنياب؟
لا يمكنني التعليق على ما يملكه الفريق سامي عنان
الآن من أوراق، غير أن مجرد اختطافه بهذه الطريقة الهمجية المتشنجة واستصدار قرار
من جهة غير معلومة بزعم أنه متحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة لتبرر هذا
الاختطاف يُنبئ عن انفلات ما وعن عدم قدرة السيسي على التحكم في الأمور.
فلو كان متحكما في كافة المؤسسات كما يحاول أن يُصدر
للشعب، لأخرج الموضوع بطريقة أكثر ذكاء، فكان يكفي مثلا أن تستبعده اللجنة العليا
للانتخابات لأي سبب كما فعلت مع اللواء عمر سليمان في 2012 أو أن يجري إقصاؤه في
الكشف الطبي أو حتى تركه يخوض الانتخابات ليعطيها نكهة تنافسية، بينما أدوات
التزوير متوفرة لحسم النتائج.
يبدو جليا أن ثمة تمرد متزايد من أجهزة مهمة بالدولة
أو قطاعات منها على سلطة السيسي، ونحن نثق في أن مؤسسات الدولة المصرية لا يمكن أن
تدعم شخصا أدرك الجميع أن كل ما يتخذه من إجراءات، وما يوقعه من اتفاقات، وما
يتبناه من سياسات، يضرب صميم الأمن القومي المصري.
وإذا كانت لنا مؤاخذات على أداء بعض الأجهزة، فليس
منها اتهامها بخيانة مصالح البلاد أو التواطؤ لهدم أمنها، فهي أجهزة وطنية، وإنه ضربها ما ضرب كل البلاد من ترهل وعيوب في الإدارة وتسرب للفساد، وهو ما يحتاج
لإصلاح. بينما ما يقوم به السيسي الآن لا يمكن تصنيفه إلا تحت عنوان تخريب الأجهزة
وإنهاء لدورها وتدمير أسس الأمن القومي للبلاد.
لماذا أقدمت سلطة الانقلاب على هذه الخطوة التي
يصفها البعض بالجنونية؟ وهل نحن نعيش حقا أجواء سبتمبر 1981؟
السلطة لا تملك إلا أن ترتكب الحماقة التي ارتكبتها،
فهي تعرف أنها مُحاصرة بسخط شعبي ورفض عام، وهي لا تريد منافسة بل تمثيلية. كما أنها لم تعد تثق في ولاء أجهزة الدولة لها، حتى إنها تتشكك في ولاء اللجنة العليا
للانتخابات التي عينتها، وإلا لتركت مهمة إقصاء الفريق عنان من السباق االانتخابي لها.
وأعتقد أننا وصلنا لنقطة فاصلة، أصبحت السلطة فيها
في مواجهة كل الشعب وكل المؤسسات.
كيف تقيمون ردود الفعل المحلية والدولية إزاء ما حدث
مع "عنان"؟
واضح أن ثمة فزع في الدوائر الأكثر قربا من السلطة
الحالية مما جرى، فبيان الخارجية الأمريكية -التابعة لإدارة تعتبر السيسي إحدى أدواتها– يكشف عن حجم القلق، فهذه الإدارة لم تصدر أي بيان بشأن اختطاف الفريق
شفيق، لكنها فعلت ذلك في حالة عنان، ليس لاختلاف الضحية، وإنما لاختلاف الظروف
والملابسات.
فكافة الدوائر المطّلعة تُدرك أن الاختطاف تم من
جهاز أمني موال للسيسي شخصيا رغما عن أنف أجهزة أخرى تبدي امتعاضا مما يجري وكانت
تؤمل على أن تغييرا سلسا دون انشقاقات كبيرة يُمكن أن يحدث بدخول عنان إلى حلقة
المنافسة.
ويبدو أن القلق تسرب للأمم المتحدة نفسها، فمصر
بثقلها الدولي هي محط أنظار العالم وما يجري فيها يهُم العالم بأسره، وعندما يبلغ
مستوى الخطورة التي وصلت إليه، فإن بيانات تصدر من دول كبرى وجهات دولية لا تعبر
عن هواية في إصدار البيانات وإنما عن شعور بالخطر.
بيان الجيش ضد "سامي عنان" صدر عن القيادة
العامة للقوات المسلحة المتمثلة في وزير الدفاع صدقي صبحي، وهو الأمر الذي يرى البعض أنه لا يمثل إجماع أعضاء المجلس العسكري.. هل هذا دقيق برأيكم؟
لا أعتقد أن البيان المنسوب للقيادة العام للقوات
المسلحة صدر عنها، وإن كان قد عنون باسمها، فحتى لغة البيان وصدوره دون أي معلومات
عن انعقاد القيادة العامة للقوات المسلحة، يُعبر عن أنه جرى اختطاف اسم القيادة
العامة للقوات المسلحة لتبرير اختطاف أحد أهم قادة الجيش السابقين أمام عشرات آلاف
الضباط والجنود.
ما هي خطورة ما جرى مع "عنان"
و"شفيق" على جسم المؤسسة العسكرية في ظل الإهانات البالغة التي يتعرض
لها بعض القيادات السابقة؟
لا أشعر بالقلق على تماسك القوات المسلحة المصرية،
فهي مؤسسة نظامية لها تقاليد عريقة في الانضباط، وإذا كانت تلك الميزة تمثل ثغرة تسهل الانقلابات في الدول التي لم تعرف تقاليد ديمقراطية تقيد حركة الجيش في مجال
السياسة، فإنها تبقى على المدى البعيد ميزة، لأنها تبقى عقبة أمام الدكتاتوريات
التي تود –في لحظات الحسم– أن تُغرق البلاد في نزاعات مسلحة لتنقذ نفسها.
ربما قلقي الأكبر هو فيما استولت عليه السلطة من
أجهزة أمنية، وهو ما يجري استعماله في عمليات القمع الواسع بما فيه قمع المناوئين
المرتبطين بالمؤسسة العسكرية.
كما أن الأحداث الأخيرة تُلقي بأعباء وواجبات على
قادة القوات المسلحة بأن ينأوا بالمؤسسة عن السلطة الحالية ويسحبوا تلك الورقة
التي تجري المتاجرة بها منذ خمس سنوات من أن السلطة تمثل المؤسسة العسكرية، وهو
إجراء ضروري للحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية.
فلا يجب أن تتحمل القوات المسلحة تبعات جرائم
وإخفاقات السلطة، وربما ما جرى في التخلي عن صنافير وتيران كان مثالا لكيفية
استخدام اسم مؤسسة منوط بها حماية التراب الوطني للتفريط في هذا التراب.
وكيف ترون الاعتداء الذى جرى اليوم على المستشار
هشام جنينة؟
الاعتداء على المستشار جنينة يأتي في سياق اختطاف
المرشحين للرئاسة، وهو يعبر عن سلطة انتقلت من حالة القمع إلى حالة الهوس، ولذلك
يجب سرعة إنقاذ الشعب منها.
وهل المعارضة المصرية في الداخل والخارج اقتربت من
لحظة التوحد في مواجهة السيسي أم إنه لا تزال هناك خلافات وعقبات كثيرة تحول دون
توحدها؟ وما هو موقفكم من انتخابات الرئاسة؟
أعتقد أن خطاب الانسحاب من الانتخابات الذي أعلنه
خالد علي كان بمثابة اللبنة الأخيرة في اكتمال استعادة الصف الوطني لوحدته، بل إن
الرسائل التي حملها ترشح الفريق شفيق ثم الفريق عنان تكفي للقول بأن صفا وطنيا
أوسع مدى من ذلك الذي حمل مطالب الإصلاح في ثورة يناير 2011 تشكل ليجمع كل
الوطنيين القلقين على بلد أصبح مصيره بيد سلطة مخادعة وقابلة للتفريط في أي شئ
ومستعدة بالمقامرة بكل الوطن.
أما موقفي الشخصي أو موقف الجبهة المصرية الوطنية
فهو مقاطعة تلك الانتخابات منذ البداية، والسعي خلالها لاستجماع الصف الوطني من
جديد ولخلق توافق على أرضية انقاد الدولة المصرية.
ما الذي ينبغي على القوى الثورية والوطنية فعله تجاه
هذه التطورات الخطيرة التي يشهدها الوطن؟
مصير البلاد أصبح معلقا في رقبة القوى الوطنية بكل
أطيافها، سواء تلك التي شاركت في ثورة يناير أو تلك التي انتقدتها في حينها،
وبالتالي فإن توسيع قاعدة التوافق الوطني ليشمل كل القلقين على مصر، وكل الرافضين
للتفريط في الأرض، وكل الغاضبين من سرقة حلم التحول الديموقراطي، وكل الحالمين
بعدالة اجتماعية سيكون واجب المرحلة.
في ثورة 1919 اجتمع المصريون بكل أطيافهم على أمر
واحد، باستثناء سلطة القصر وقوة الاحتلال، وهو الاستقلال وكتابة دستور يضمن للشعب
المشاركة في القرار. ويبدو أن الأمر يتكرر اليوم.
البعض يطلق دعوات للعصيان المدني.. فما هي فرص تنفيذ
العصيان المدني بمصر حاليا؟
الشعب سينصت لأي دعوة إذا خرجت من صف مكتمل ومتماسك
ويحمل رؤية، ولن يلتفت لأصوات متنافرة أو لفصائل مختلفة، ولذا فقبل الحديث عن
إجراءات على الأرض يجب الحديث عن موقف مشترك للقوى الوطنية وأولويات تُعلنها
لشعبها.
البعض كان يرى أن المؤسسة العسكرية لن تقبل بوجود
مرشحين ذوي خلفية عسكرية اثنين في الانتخابات المقبلة.. فهل ثبت صحة هذه النظرية؟
المؤسسة العسكرية مُختطفة ككل مؤسسات الدولة
المصرية، ولا يُمكن الزعم بأنها تقبل أو لا تقبل، فالمختطف ليس له إرادة، حتى
يُعلن تحرره.
وبنظرة محايدة، فإن أي حكم عسكري عندما يشعر بحرج
بسبب أخطاء الواجهة التي تُمثله في السلطة فإنه يستبدل به واجهة جديدة؛ غير إن ما
يحصل في مصر يكذب ما يجري تداوله أننا أمام حكم عسكري يُمثل الجيش، فلو كان ذلك
صحيحا لكان الأوفق للجيش أن يقبل عنان ويحمي خروج السيسي لمحاولة امتصاص الغضب
الشعبي والتململ الداخلي بالقوات المسلحة نفسها.
لكن الأحداث تشير إلى أن قوة أخرى هي التي تحكم
البلاد، وبالتأكيد ليس سلطة ديمقراطية منتخبة كما إنها بالتأكد ليست الجيش، بل فئة
استغلت فجوة بين الشعب ومؤسساته وبين القوى السياسية وبعضها لتحتل مركز السلطة
وتستخدم مؤسسات الدولة في ضرب خصومها، واليوم تستعمل بعض الأجهزة لضرب الأجهزة
الأخرى، وترفض أن تقبل أن يكون لها بديلا، ولو كان من داخل نفس المؤسسة.
هل ترى أن المطالب الخاصة بحياد مؤسسات الدولة في
الانتخابات فكرة حالمة ولن تحدث واقعيا في ظل سيطرة السيسي ورجاله على هذه
المؤسسات؟
لا توجد مؤسسات من وجهة نظر السيسي، وإنما يجري
التعامل معها باعتبارها أدوات للسيطرة والهيمنة والتحكم، المؤسسات تعني أجهزة
قادرة على التعبير عن نفسها لا أن يتحدث باسمها شخص واحد، فدولة المؤسسات تعني أن
الرئاسة مؤسسة ضمن مؤسسات أخرى.
أما عندما يتحول الرئيس ومدير مكتبه لممثل لكل
المؤسسات فسيكون عيبا الحديث عن دولة مؤسسات أو عن استقلال مؤسسات أو عن حيادية
مؤسسات. المؤسسات يجب أن تخرج من عباءة رأس السلطة أولا لنتحدث عن موقفها المحايد
أو غير المحايد.
كيف تنظر للإطاحة برئيس جهاز المخابرات العامة خالد
فوزي وتكليف عباس كامل مدير مكتب السيسي بتسيير الأعمال؟ وهل لهذا علاقة بملف
انتخابات الرئاسة؟
بالطبع، فالسيسي لم يعد يثق بأحد خارج حدود مكتبه.
وهو ما يعيد طرح أزمته، فهو مُحاصر داخل مكتبه، وهي فرصة مواتية لتُعبر المؤسسات
عن نفسها وموقفها، وفرصة سانحة لتتواصل القوى السياسية مع مؤسسات البلاد على أرضية
إنقاذها.
ولن أتساءل عن حدود كفاءته أو كفاءة مدير مكتبه حتى
يديرا معا بلدا بحجم مصر.
البعض يرى أن "السيسي" لن يترك مصر إلا
بالدماء.. هل تتفق مع ذلك في إصراره الواضح على التمسك بالحكم؟
يبدو أن مصدر هذه الرؤية هو السيسي نفسه ليُخيف
الشعب ويهدد المؤسسات، وقد نطق بذلك في مؤتمره الأخير بتهديد من يقترب من الكرسي.
غير أن الأمر ليس بهذا الشكل، فمؤسسات الدولة إذا
تحركت مدعومة بحراك شعبي سينتهي الأمر بأسرع مما نتصور، وكذلك أي حراك شعبي مدعوم
من مؤسسات الدولة سيبدل الأوضاع سريعا وسلميا.
لكن صناعة الخوف هي جزء من استراتيجية المستبدين.
وقديما قال حكام مكثوا في السلطة عقود أن ذهابهم يعني الفوضى فلما ذهبوا عبر الشعب
الفوضى سريعا، بل تغلب على مخطط مصطنع للفوضى.
هناك من يقول إن السيسي لم يُنفذ كل الأهداف
المطلوبة منه حتى الآن، خاصة أنه لم يتم تمرير "صفقة القرن"، وبالتالي
فالمجتمعان الدولي والإقليمي لا يزالان بحاجة له حتى يكتمل المخطط الذي يهدفان إليه..
ما تعقيبكم؟
لا أعتقد أن المجتمع الدولي أو دول الإقليم قادرة على
أن تتحمل سداد فاتورة السيسي إذا وقع حراك شعبي أو تحرك مؤسسي.
فمصر دولة إقليمية كبرى ومهمة عالميا، ولا يمكن لأي
قوى أن تتحكم فيها من خارجها، لكنها تحاول التأثير فيها من خلال علاقاتها مع مراكز
القوة الداخلية.
وحتى الدول الداعمة للاستبداد تبحث عن مستبد قوي له
قدر من التأييد الشعبي والولاء المؤسسي ليمرر صفقاتها، ولا أعتقد أن السيسي ابتداء
من بداية العام 2018 يصلح ليخدم حتى داعميه الذين تمنوا استمراره لتحقيق مصالحهم.
وبغض النظر عما يجري تداوله هنا وهناك، فإنني أعتقد
أن أهم مصلحة لدول الإقليم وللنظام العالمي هي استقرار دولة محورية كمصر، وهو
الاستقرار الذي أصبح واضحا لكل متابع أن بقاء السيسي يهدده.
ما هي توقعاتك الشخصية لما ستشهده الانتخابات
الرئاسية المقبلة؟ وإلى أين نتجه؟
وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
نحن أمام تحول مهم في الأوضاع السياسية داخليا وإقليميا ودوليا، فلا توجد قوة
قادرة على تسوية أي نزاع أو توجيه أي سياسات لصالحها مائة بالمائة منذ الانقلاب
على الربيع العربي، وهو ما يعني أن تيار التغيير لازال عنصرا فاعلا ومؤثرا في
المعادلة.
وأعتقد أن أهم شيء في الانتخابات حصل فعلا، وهو أن
الجميع أصبح بخندق واحد ضد سلطة بائسة مُحاصرة متشنجة، وهو ما يضع على عاتق القوى
الرافضة لها والطامحة للتغير واجبات التوافق على الحد الأدنى الذي يجمع بينها،
وتأجيل ما قد يُفرق، والبدء بإعلان موقف موحد وجماعي من لعبة الانتخابات، ووضع طلب
رحيل السلطة على مائدة الوفاق الوطني وأمام كل المعنيين بالشأن المصري، ليعلم
القاصي والداني أن الخروج من الأزمة، ولو في حده الأدنى، يستلزم البدء بأول خطوة
وهي رحيل السلطة.