هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بينما ينشغل المصريون بصراع الانتخابات الرئاسية بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وبين الفريق سامي عنان والمحامي خالد علي؛ وجهت إثيوبيا صفعة جديدة لمصر بملف سد النهضة.
ورفضت إثيوبيا مقترح مصر بإدخال البنك الدولي، بمفاوضات سد النهضة بعد أيام من استبعاد السيسي قيام مصر بعمل عسكري واعترافه بضعف القوة العسكرية للبلاد؛ وعقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للقاهرة، بيومين، ما أثار التساؤل حول ما تبقى لمصر من محاولات مقابل التعنت الإثيوبي بملف المياه؟
وعقب زيارته لمصر ولقائه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الجمعة، رفض رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلا ميريام ديسالين، الأحد، تحكيم البنك الدولي حول الخلاف مع مصر بشأن سد النهضة، وهو الاقتراح الذي تقدمت به مصر، أثناء زيارة وزير الخارجية سامح شكري لأديس أبابا في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
الرد الإثيوبي مثل صدمة للقاهرة، التي أعربت عن قلقها على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، السفير أحمد أبوزيد، والذي أكد أن وزير الخارجية سامح شكري، أجرى اتصالا هاتفيا بنظيره الإثيوبي للتأكد من صحة تلك التصريحات.
وقال أبوزي: "من يعترض على الاقتراح المصري فليقدم أسبابا منطقية؛ لأن الأمر لا يتحمل المزيد من المماطلة".
وفي تعليقها على الرد المصري قالت الناشطة نورالهدى إبراهيم: "هو دا الرد؛ مصر أعربت عن قلقها، ترى لما أعربت عن قلقها طلع مرفوع بالهبل، ولّا منصوب بالعبط، ولّا مجرور بالخيبة"، مضيفة عبر "فيسبوك": "ربنا ياخدكم يا خونة".
طبطبة السيسي
وكان السيسي، قد قال قبل يوم من لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر "حكاية وطن"، الخميس، إن حل موضوع سد النهضة يكون بالحوار والنقاش؛ خاصة في ظل تراجع "القوة الشاملة للدولة"، والتي عرفها بأن منها "القدرة العسكرية المصرية".
وأكد أن ما يجلبه من أسلحة ومعدات ليس لمواجهة إثيوبيا أو غيرها، قائلا: "عشان كدة إحنا بندعم ونشتري معدات ودي مش عشان نهدد بيها حد، دا لحماية بلدنا وللسلام، خاصة في ظل الأوضاع اللي بنعيشها".
ورغم اعتراف وزير الخارجية أحمد أبو الغيط والري محمد عبد العاطي، بفشل المفاوضات مع إثيوبيا ورفض الأخيرة نتائج الدراسات الفنية أو تقنين مدة ملء خزان السد بالمياه، ووصول الأزمة لطريق مسدود، لم يبد السيسي أية ردود فعل قوية بهذا الملف الأخطر على حياة المصريين بل إنه دائما ما يوجه المصريين في أحاديثه إلى البحث عن حلول أخرى بينها إعلانه قبل أيام، عن إقامة أكبر محطات تحلية لمياه الصرف الصحي لحل أزمة المياه.
وكانت مصر قد أعلنت في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن المفاوضات الثلاثية مع إثيوبيا والسودان وصلت لطريق مسدود، بعد 6 سنوات من المفاوضات، وقالت إنه لم يتم "التوصل لاتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات، والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتي المصب".
حلول غير مضمونة
وحول ما تبقى لمصر من محاولات مقابل التعنت الإثيوبي، لإنقاذ المصريين من العطش والجوع، قال أستاذ هندسة السدود بالجامعة التكنولوجية "شاه علم" بماليزيا، الدكتور محمد حافظ، إن "مصر من الممكن أن تقوم بعمل عسكري ضد السد الإثيوبي"، مؤكدا أنه "طريق ليس مضمون النجاح".
الأكاديمي المصري، قال لـ"عربي21": "لو أن مصر تفكر للجوء إلى القيام بحل عسكري مع إثيوبيا؛ فإنها لن تعلن عن ذلك أبدا، وإنها ستظل طوال الوقت تتحدث عن الحل السلمي كخيار وحيد لها".
وعن إمكانية لجوء مصر إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أكد حافظ، أنه قد يحدث ذلك ولكنه شكك في نتيجة ذلك الحل بقوله: "سنلجأ إليهم كما لجأ الفلسطنيون والسوريون والعراقيون لتلك الهيئات الدولية، ولكن بشكل عام فإن القانون الدولي ينص على أنه مادام المتضرر هو مواطن مسلم فلابد للعالم أجمع يؤيد هذا الضرر".
استراتيجية دول الجوار والمعارضة
وأكد خبير الشؤون الأفريقية بجامعة القاهرة الدكتور بدر شافعي، أنه إذا كانت الإدارات المصرية السابقة خاصة للسادات ومبارك مسؤولة عن توتر العلاقة بأديس أبابا، فإن إدارة السيسي فاقمت منها بتوقيع اتفاقية الخرطوم آذار/ مارس 2015، والتي لم تكتف بالاعتراف بحق إثيوبيا ببناء السد، وإنما بعدم النص للمرة الأولى على حقوق مصر المكتسبة بنهر النيل والتي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب سنويا.
أستاذ العلوم السياسية المتخصص في تسوية وإدارة الصراعات، أكد لـ"عربي21"، أن التعنت الإثيوبي منذ مشاورات اتفاقية عنتيبي (الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل) إبان عهد مبارك، دفع القاهرة للبحث عن بدائل لمواجهة هذا التعنت حتى قبل شروعها إقامة السد نيسان/ إبريل 2011، مشيرا إلى أن البديل السياسي وصل لطريق مسدود بسبب مراوغة إثيوبيا، والبديل القانوني والتحكيم الدولي، اصطدم أيضا برفص أديس أبابا.
شافعي أوضح أنه وبالتالي كان لا بد من التفكير ببدائل حلحلة الموقف الإثيوبي، ومنها توطيد العلاقات مع إريتريا الخصم اللدود لإثيوبيا، مع الإظهار "العلني" أن هذا التحسن لن يكون على حساب أديس أبابا.
وأشار إلى إمكانية دعم القاهرة للمعارضة الإثيوبية من قومية الأورومو والأمهرة والموجودة بإريتريا لإحداث قلاقل بأديس أبابا، إلى جانب قبائل بني شنقول بإثيوبيا، والتي يقع السد في نطاقها.
وأضاف شافعي أن من محاور هذه الاستراتيجية المقترحة من قبل خبراء وباحثين وأكاديميين، توطيد العلاقات بدول الجوار الإثيوبي، السودان، وجنوب السودان، الصومال، مشيرا إلى ضرورة البحث عن إطار تكاملي بخصوص حلايب وشلاتين، واستئناف مشروع قناة جونجلي مع جنوب السودان، وتوطيد العلاقات مع الصومال خاصة الأوجادين الذين هم على خلاف مع أديس أبابا.
شافعي، أكد أن هذه الاستراتيجية الرهانات المطروحة منذ مبارك والتي سار السيسي عليها السيسي جزئيا، تحتاج لإعادة تقييم الآن لبيان مدى فاعليتها وتحقيقها الأهداف المرجوة، وكذلك بحث جوانب الاستمرارية والتغيير التي يمكن أن تطرأ عليها.
وقال: "ولعل نقطة البدء هي التهدئة مع السودان وتسوية قضية حلايب ووقف التراشق الإعلامي، لتحييد الخرطوم كحد أدنى، أو قيامها بالوساطة تجاه إثيوبيا، وضمان عدم توقيعها على اتفاقية عنتيبي"، مشيرا لضرورة "سحب القوات المصرية من إريتريا بعدما اكتشف أمرها، وذلك لتقليل حدة الاحتقان والحشد ضد مصر".
التحكيم والمواجهة
وترى مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتورة أماني الطويل، أن خيارات مصر متعددة، منها تقديم شكوى بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو اللجوء للتحكيم الدولي، وذلك في تصريحات لموقع "مصراوي".
فيما أكد رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، الدكتور هاني رسلان، لنفس الموقع، أن تصريحات أديس أبابا تقودنا في طريق المواجهة، وإثيوبيا لا ترغب في الاستمرار الجاد للتوصل لحلول وسطية بين الطرفين.