هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شدد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الخميس، على حكومته لاتخاذ إجراءات سريعة وملموسة للخروج من التبعية للنفط، بأوج الجدل بشأن تضارب الصلاحيات بين الرئاسة والحكومة بخصوص التوجهات الكبرى لاقتصاد البلد، الآخذ في التدهور.
وألح بوتفليقة، في رسالة، قرأها نيابة عنه وزيره للطاقة مصطفى قيتوني، بمناسبة أشغال معرض حول "إنجاح الانتقال الطاقي"، الذي نظمه منتدى رؤساء المؤسسات (رجال الأعمال الجزائريين) ومجمع الشركة البترولية الجزائرية (سونطراك) بالعاصمة، الجزائر على التوجه نحو الاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقات البديلة، بعد تدهور أسعار النفط وتضرر الاقتصاد الجزائري المرتبط بعائدات البترول بنسبة تفوق 90 بالمائة.
وأوصى بوتفليقة، بضرورة التوجه إلى تطوير الطاقات غير التقليدية، واعتبرها أحد أهم البدائل للبترول والغاز، مشيرا إلى الخطوة المسطرة من قبل الحكومة لتجسيد التحول الطاقي وتنويع الموارد الطاقية للبلاد.
وتعاني الجزائر عجزا ماليا أثر على كل مناحي الحياة في البلاد، جراء تراجع مواردها المالية، واضطرت الحكومة إلى إتخاذ قرارات تقشفية صارمة، طالت منع استيراد أكثر من 9989 منتوجا استهلاكيا من الخارج شهر كانون الثاني/ يناير الجاري.
وذكر بوتفليقة في نص رسالته أنّ الجزائر "تواجه تحد كبير بالنظر إلى المنافسة الكبيرة المفروضة في السوق الدولية على قطاع المحروقات"، مؤكدا على أهمية "مواجهة هذه الوضعية من خلال بذل المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة مجهودات أكبر في هذا السياق".
تخبط..
وأدت الوضعية الإقتصادية والمالية المتدهورة، التي تعيشها الجزائر، إلى تخبط باتخاذ القرارات الإقتصادية بوقت تعرف الجبهة الإجتماعية غليانا شديدا بسبب غلاء المعيشة الناتج عن رفع أسعار المواد الأكثر استهلاكا، والإفلاس الذي يتهدد الآلاف من المؤسسات الإقتصادية العمومية التي أضحت عاجزة عن دفع رواتب عمالها.
ويرى الدكتور جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" المعارض في تصريح لـ"عربي21"، الأربعاء، "العامل المثير للاهتمام والمتابعة ومحل ارتياح من أغلبية الجزائريين الذين ينشدون تغيير الأوضاع في بلادنا، هو هذا الحراك النقابي والاجتماعي الذي يتنامى كل يوم بوتيرة سريعة وواعية".
وقال جيلالي: "النتيجة التي وصلنا إليها، أبرز دليل على وضوح الفشل الذي تسعى السلطة إلى تعليقه في عنق المواطنين. وهذه التناقضات والحراك النوعي في المجتمع، هما أبرز معالم خريطة الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019".
وكان الوزير الأول أحمد أويحي، اتخذ قرارا بفتح رأسمال الشركات الإقتصادية العمومية، لفائدة الخواص مع خوصصة كلية لبعض المؤسسات، خلال إجتماع ضم منظمات أرباب العمل (رجال الأعمال) وإتحاد الشغل والحكومة يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر.
لكن قرار أويحي، لقي ردود فعل ساخطة من طرف خبراء وأحزاب سياسية على رأسها حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في البلاد.
وقال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، بمؤتمر صحفي الإثنين، أن الحزب الحاكم في البلاد "لا يتأخر عن التدخل بأي إنحراف من طرف الحكومي باعتبارنا نحوز على الأغلبية البرلمانية"، متابعا: "إن التعليمة التي وجهها بوتفليقة لوزيره الأول أحمد أويحي "بمثابة تصويب لانحراف قامت به الحكومة".
تعليمة رئاسية تخلط أوراق الوزير الأول
وتدخلت الرئاسة بالجزائر من خلال تعليمة وجهت للوزير الأول، وكشفت عنها وكالة الأنباء الجزائرية، الحكومية، الثلاثاء، حيث تتضمن التعليمة تصويبا لتوجهاته بخوصصة المؤسسات العمومية، وشددت التعليمة على أن "فتح رأسمال أي مؤسسة اقتصادية عمومية، أو خوصصتها من صلاحيات الرئيس بوتفليقة حصريا".
وتداول سياسيون ونشطاء بالجزائر، ما يفيد أن بالرئاسة، حكومة ظل يقودها السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ويكون وراء التعليمة الرئاسية التي وجهت لأحمد أويحي، كما بنى محللون قراءات تفيد بأن تعليمة الرئاسة، تعتبر إيذانا بقرب إقالة الوزير الأول.
وما زاد من صدقية هذه القراءات، أن الوزير الأول الجزائري أحمد اويحي، لم يحضر التظاهرة التي نظمها منتدى رؤساء المؤسسات اليوم بالشراكة مع الشركة البترولية "سونطراك"، حيث كان يفترض أن يشرف على افتتاحها.
حيث أفاد المحلل السياسي الجزائري أنور مسيد أن "عدم حضور أويحي، الأربعاء، يعني أنه صار غير مرغوبا فيه لدى الرئاسة وقد نشهد رحيله قريبا"، موضحا في تصريح لـ"عربي21"، الأربعاء: "نفس السبب تقريبا حدث مع الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، الذي رفض الانصياع لرجال الأعمال، مشددا عليهم تسديد الضرائب المستحقة عليهم، فوجد نفسه مقالا".
غير أن رئيس منتدى رؤساء المؤسسات بالجزائر، علي حداد، أكد للصحفيين، على هامش التظاهرة الاقتصادية الطاقية، الأربعاء، أن "غياب الوزير الأول لا يحتمل أي تأويلات ويعود إلى رزنامته التي لم تسمح له بالحضور".
لكن مسيد، يضيف متغيرا آخرا لموقفه حين يقول "على غير العادة، لم ينعقد اليوم مجلس الوزراء، حيث درج على الالتئام تحت إشراف الوزير الأول أحمد أويحي كل يوم أربعاء، وهذا مؤشر آخر، على بلوغ الصدام بينه وبين الرئيس أو شقيقه الأصغر مستوى خطير".
وبحسب مسيد، فإن "كل هذه الإرهاصات لها علاقة بانتخابات الرئاسة، التي ستجرى بالجزائر العام المقبل، حيث بدا الترويج لترشيح بوتفليقة لولاية خامسة"، معتبرا أن "محيط بوتفليقة يريد تحييد أحمد أويحي عن المشهد السياسي، تماما كما فعل معه قبيل انتخابات الرئاسة عام 2014، حيث أقيل من على رأس الحكومة وعين بدله عبد المالك سلال".
هذه القراءة، لا يتفق معها زعيم الحزب الحاكم جمال ولد عباس، حيث قال في مؤتمره الصحفي، الإثنين، إن "الأمور تسير على ما يرام والرئيس بيده كل الصلاحيات وكل التأويلات حول وجود صراع في أعلى هرم السلطة بسبب انتخابات الرئاسة، لا أساس له من الصحة".
بيد أن الدكتور جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد"، المعارض، لا يعتقد بذلك، ويقر بصدقية تلك القراءات، مصرحا لـ"عربي21"، الأربعاء، "وصلنا لحد يؤشر على منحى انحداري خطير بسبب الافتقاد لآليات وإمكانات التحكم في زمام الأمور"، مضيفا "برأيي، هذه التناقضات هي السم الذي سيقتل النظام، ومخطئ من يقول إنها مجرد اختلافات في وجهات النظر بين مراكز صنع القرار داخل النظام وفي أعلى هرمه".