هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على مدينة "بورتسموث" التي تقع في ولاية أوهايو الأمريكية، التي تعتبر المدينة الأشهر في الولايات المتحدة في ما يتعلق بتجارة المخدرات. ومؤخرا، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب حالة الطوارئ في المدينة نتيجة انتشار تجارة المخدرات فيها بصورة غير مسبوقة، فضلا عن ارتفاع معدلات الوفاة في المدينة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن سكان مدينة بورتسموث لا يفكرون في السبل التي قد تغير مستقبل مدينتهم للأفضل، وإنما كل ما يشغل ذهنهم طرق الحصول على المخدرات أو الرصاصة التي ستقضي عليهم. في الحقيقة، تعتمد المدينة برمتها على تجارة الأفيون.
وأعلن ترامب حالة الطوارئ الصحية في المدينة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث أكد الرئيس الأمريكي أنه لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة من قبل أن سجل هذا العدد من الوفيات بسبب جرعة زائدة.
وأفادت الصحيفة بأنه غالبا ما تنتشر تجارة المخدرات في المناطق الريفية في الولايات المتحدة على غرار مدينة بورتسموث، التي يطلق عليها الأمريكيون اسم "مصنع المخدرات في الولايات المتحدة".
-وفي هذا السياق، يعتبر جاستن أحد سكان مدينة بورتسموث، البالغ من من العمر 35 سنة، من المدمنين على مخدر أوكسيكودون، شديد المفعول، الذي يصفه الأطباء عادة لمرضى السرطان. وكان جاستن يتناول قرابة 25 قرصا في اليوم الواحد.
وذكرت الصحيفة أن ليزا روبرتس، البالغة من العمر 57 سنة، تعتبر عملها في بورتسموث بمثابة كابوس. فمنذ ثماني سنوات، تكافح روبرتس من أجل الحد من انتشار المخدرات في المدينة بالتعاون مع المنظمات والسلطات هناك. وفي هذا السياق، قالت روبرتس بيأس وإحباط: "أعتقد أنني لن أرى مطلقا هذه المدينة خالية من المخدرات".
وأفادت الصحيفة بأنه منذ التسعينيات، كان الأطباء يصفون الأفيون للمرضى على اعتباره مسكنا. وفيما بعد، تحولت مدينة بورتسموث إلى مركز لتجارة هذه الحبوب المسكنة. وقد أكدت روبرتس أنه يتم تداول الأفيون في المدينة بشكل طبيعي. ويعد الأمر معهودا، لدرجة أنه عندما اشتكت ابنتها، ذات يوم، من الصداع، لم تقدم روبرتس لها الأسبرين وإنما الأفيون.
وأكدت الصحيفة أن العيادات الطبية في المدينة تبيع وصفات طبية تشتمل الأفيون للمدمنين مقابل الكثير من المال، وذلك حتى يتمكنوا من شرائه بصورة شرعية، علما وأنه لا توجد رقابة على هذه العيادات من قبل إدارة المدينة. في الواقع، لا يوجد عمل آخر مربح داخل المدينة سوى تجارة المخدرات.
قديما، كانت المدينة تضم أكثر من 42 ألف نسمة، في حين كانت تحتوي على العديد من مصانع الأحذية والحديد والصلب. وفي الوقت الحالي، يعيش في المدينة نحو 20 ألف شخص فقط، في ظل ارتفاع نسبة البطالة، الأمر الذي جعل أغلب الأفراد هناك يعيشون في حالة من اليأس.
وأبرزت الصحيفة أنه وفقا لأندرو كولودني التابع لمركز أبحاث الأفيون في جامعة برانديز، يعزى سبب انتشار الأقراص المسكنة في المدينة إلى الحملة التي قام بها الأطباء قديما، عندما دعوا لعدم الشعور بالخوف إزاء إستهلاك الأفيون، نظرا لأنه يعد علاجا للعديد من الأمراض. ولهذا السبب، تضاعف استهلاك الأفيون في المدينة بين سنة 1999 وسنة 2010.
وأوردت الصحيفة أن أحد أشهر الأطباء الذين اعتادوا بيع وصفات طبية للمدمنين في هذه المدينة قد سجن لمدة 12 سنة، إلا أن ذلك لم يحد من انتشار الأفيون في المنطقة. ويعتبر قرابة 20 بالمائة من سكان المدينة مدمنين، مع العلم أنه عقب انتشار الأفيون، انتشر الهيروين ومن بعده الفينتانيل.
وأفادت الصحيفة بأن الهيروين يعتبر أقل سعرا مقارنة بالأدوية الأخرى، حيث يصل سعر كيس الهيروين إلى عشرة دولارات. وأحيانا، يمزج الهيروين مع الفينتانيل، الذي يعد تأثيره أقوى بنحو 100 مرة مقارنة بالأفيون. ويقع تصنيع هذه المادة المخدرة في الصين والمكسيك، وتتسلل إلى مدينة بورتسموث عن طريق المدن الكبرى على غرار شيكاغو وديترويت ودايتون. وفي هذا السياق، شددت ليزا روبرتس على أن جودة هذه المواد مختلفة، وبالتالي، لا يمكن التنبؤ بطبيعة تأثيرها.
وأكدت الصحيفة أنه لا يوجد جثة في بورتسموث تم تشريحها لم يعثر على آثار الفينتانيل فيها. ويتمثل سبب وفاة أغلب سكان المدينة في "جرعة زائدة من المخدرات". وعلى الرغم من أن ترامب قد أعلن عن حالة الطوارئ في المدينة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إلا أنه لم يطلب من الكونغرس تقديم أية مساعدات مادية للمدينة أو وضع استراتيجية واضحة للحد من هذه الأزمة. والجدير بالذكر أن ثلاثة أرباع سكان المدينة قد منحوا أصواتهم لترامب خلال الانتخابات الماضية.
وأوضحت الصحيفة أن المحلات التجارية قليلة للغاية داخل المدينة، حيث تنتشر المصانع والأبنية المهجورة على جانبي الطرق. ومن الطبيعي أن تشاهد المحاقن والإبر ملقاة بجانب زجاجات المياه الغازية على الأرض. وتمارس النساء في بورتسموث البغاء من أجل الحصول على المال لشراء المخدرات، وتعتبر أغلبهن من الفتيات الصغيرات في السن. علاوة على ذلك، يعاني ثلث سكان المدينة من الفقر المدقع.
وقالت الصحيفة إن المدينة هادئة للغاية، وأغلب مطاعم الوجبات السريعة تقع على أطراف المدينة، بينما يعتبر قلب المدينة ميتا تماما. ومن الواضح أنه لا توجد فرصة حقيقية لإصلاح الوضع في بورتسموث، حيث تعتبر المدينة أشبه بكومة من اليأس والرتابة.