نشر موقع "ماتان24" الفرنسي تقريرا، تضمن شهادات حية حول الثورة التي قامت في إيران منذ 40 سنة والتي كانت تهدف إلى الإطاحة بآخر شاه في البلاد، حيث اندلعت إثر حدث غير اعتيادي في مسجد بمدينة قم.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، نقلا عن محمد حسن شريف زادة، إنه في الثامن من كانون الثاني/ يناير سنة 1978، أي سنة 1357 بالتقويم الإيراني، "وحين كنت أبلغ من العمر ثماني سنوات، كان هناك احتفال ديني في المدينة"، حسب ما يتذكره بائع الحلويات في ممشى مرقد فاطمة المعصومة. ويعدّ هذا المرقد مكان حج يجعل من مدينة قم واحدة من أكثر المدن الإيرانية المقدسة أهمية لدى الإيرانيين.
وأورد الموقع، وفقا لما أفاد به شريف زادة، أن الملا "نزع عمامته وألقاها على الأرض مدعيا أننا قمنا بإهانة مصدر إلهامنا"، في إشارة إلى آية الله، روح الله
الخميني. ومن الناحية الرمزية، مثلت هذه الحركة التي تحيل إلى التجرّد من رمز مقدس أمرا قويا للغاية ولا يمكن تبريره إلا بأشد الخطايا فداحة، وقد كانت يومها الإهانة عظيمة. ففي اليوم السابق، كانت الصحيفة الحكومية "اطلاعات" قد أصدرت مقالا تحت عنوان "إيران والاستعمار الأحمر والأسود" يتضمن إهانة بشكل خاص لآية الله الخميني، المعارض للشاه محمد رضا بهلوي، والمقيم في المنفى منذ سنة 1964.
وذكر الموقع أن المقال اتهم الرجل، الذي سيصبح أبا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بكونه عميلا بريطانيا، وأحال إلى أنه ليس إيرانيا حقا وأنه يتآمر مع الشيوعيين، كما حاول المقال التشكيك في سلطته الدينية. وبعد نشرها صباحا في طهران، وصلت الصحيفة في فترة الظهيرة إلى مدينة قم. وفي هذا الصدد، تحدث المعلم في إحدى الندوات اللاهوتية في المدينة، أو ما يُعرف بالحوزة العلمية، "آية الله، سيد حسين موسوي تبريزي" والبالغ من العمر 70 سنة، عن الطريقة التي علم بها بشأن المقال.
ونقل الموقع تصريحات تبريزي لوكالة فرانس برس، الذي قال إن "الساعة كانت تشير إلى السابعة مساء تقريبا حين جلب لي اثنان أو ثلاثة من طلابي الغاضبين للغاية الصحيفة وطلبوا مني قراءة المقال". تجدر الإشارة إلى أن تبريزي شغل منصب النائب العام وتم انتخابه مرتين نائبا، قبل أن يعود إلى التدريس في مدينة قم. وأضاف تبريزي أن "ذلك المقال مثّل النقطة التي أفاضت الكأس، ذلك أن إهانة الخميني بتلك الطريقة وبالقول إنه كان خادما للإنجليز كانت بمثابة إهانة لكافة رجال الدين، وقد مثل ذلك استفزازا واضحا".
وأفاد الموقع بأن الردّ على المقال سرعان ما تم تنظيمه، حيث جمع آية الله تبريزي في مساء ذلك اليوم كبار الشخصيات الدينية وتقرر "إيقاف الدروس في اليوم الموالي كخطوة احتجاجية"، وهو ما يعتبر إجراء نادرا. علاوة على ذلك، تقررت "إدانة المنشور بعد يومين ضمن الدروس واتخاذ موقف لصالح الإمام الخميني". وفي 8 كانون الثاني/ يناير، رافق الإضراب الطلابي مظاهرات واشتباكات مع الشرطة دون خطورة تُذكر. أما في التاسع من الشهر ذاته، فقد امتدت الحركة الاحتجاجية بدعم من تجار البازار، الذين دخلوا في إضراب أيضا، وفقا لما أفاد به آية الله تبريزي.
وأشار الموقع إلى أن آلاف الأشخاص كانوا ينادون في الشارع بشعارات معادية للحكومة والشاه، الذي قوضت سلطته سياسة إصلاحات وتحديث لا تحظى بشعبية على نطاق واسع. وقد انطبق الأمر ذاته على تحالفه مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي تفاقمت فيه عدم المساواة الاجتماعية في ظل انتشار الفساد واستفحال الأوتوقراطية. من جهته، صرّح رجل الدين، أبو الفضل سليماني، الذي كان يبلغ 24 سنة في ذلك الوقت، قائلا: "كنت حاضرا في المظاهرات حين بدأت الشرطة بإطلاق النار في الهواء أولا ومن ثم على الناس؛ على رجال الدين، وأصحاب المحلات في البازار، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى".
وأضاف الموقع أن "التقارير الأولى تحدثت عن وقوع 20 أو 30 قتيلا، ولكن في الحقيقة، لم يتجاوز العدد خمسة قتلى"، وفقا لما ذكره الكاتب والمؤرخ البريطاني، مايكل أكسورثي، في كتابه "إيران الثورية". وبغض النظر عن العدد الصحيح، فقد انتشرت أخبار حملة القمع في مدينة قم وأثارت احتجاجات في أماكن أخرى من البلاد. وفي 18 شباط/ فبراير، ووفقا للتقاليد الشيعية، أقيمت احتفالات في 12 مدينة في اليوم الأربعين من الحداد تكريما للقتلى الذين سقطوا في قم.
وأوضح الموقع أن الوضع تدهور في مدينة تبريز (في الشمال الغربي)، حيث أطلقت الشرطة النار على الحشود، ما تسبب في سقوط 13 شخصا، وفقا لما ذكره مايكل أكسورثي في كتابه، لتنطلق سلسلة من المظاهرات وأعمال القمع التي توقفت في حزيران/ يونيو خوفا من انتشار العنف على نطاق واسع من قبل السلطة.
وشهد النصف الثاني من سنة 1978 تفاقم الوضع، وهو ما أكده آية الله تبريزي الذي قال إن "كل نظام قمعي يكتب نهايته بنفسه". وفي 16 كانون الثاني/ يناير سنة 1979، غادر
الشاه إيران ولم يعد مطلقا، في حين غادر آية الله الخميني فرنسا ليعود إلى طهران في الأول من شباط/ فبراير حيث استقبله حشد ضخم. وقد سقطت آخر حكومة في الإمبراطورية الإيرانية بعد ذلك بعشرة أيام.
وفي الختام، نوه الموقع إلى أن السلطات تخطط لإقامة احتفالات كبرى للاحتفال بالذكرى الأربعين "لانتصار الثورة" في غضون سنة، وهو ما يعد دليلا على استمرارية النظام الإسلامي على الرغم من تنبؤات المعارضين وحركات الاحتجاج النادرة.