هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافي ومنتج الأفلام الوثائقية البولندي مارسن مامون، حول أطفال مقاتلي تنظيم الدولة والمصير الذي ينتظرهم.
ويبدأ الكاتب تقريره بالإشارة إلى قصة الطفل الشيشاني بلال تقيروف، الذي ظهر في فيديو في تموز/ يوليو 2017، عاريا بين الأنقاض، يشير إلى بناية رفع عليها العلم العراقي، ويقول للجنود العراقيين إن تلك البناية تابعة للكفار.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن والد الطفل البالغ من العمر 4 سنوات قد أحضره معه من الشيشان، عندما انضم لتنظيم الدولة، وجرح والده في القتال، لافتا إلى أنه عندما علم الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الموالي للكرملين، أمر بمساعدتهم على العودة.
وتذكر المجلة أن التلفزيون الروسي بث تصويرا لمكالمة قام بها الرئيس الشيشاني بالفيديو كونفرانس مع الطفل ذي الأربعة أعوام، وكتب الرئيس الشيشاني على حسابه على "إنستغرام" أن بلال سيعود إلى حضن أمه، "حيث أخذه أبوه إلى العراق دون إذنها"، وفي 2 آب/ أغسطس تم استقبال بلال المرعوب في مطار غروزني على أعلى المستويات الرسمية.
ويلفت مامون إلى أن قديروف، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعى لأن يكون زعيما للمسلمين في روسيا كلها، مشيرا إلى أن إنقاذ الضحايا الأبرياء من التطرف "الإسلامي" في الشرق الأوسط، يسمح للرئيس الشيشاني بأداء هذا الدور، ويظهره بالرجل الذي يتسامح مع خصومه.
ويستدرك التقرير بأنه بحسب مقاتلين مع التنظيم متحدثين باللغة الروسية ومصادر في المعارضة السورية، فإن هناك تفسيرا آخر لما يبدو اهتماما من قديروف بالأيتام: "إنه يقوم باستعادة الشيشان الذين أرسلوا أصلا لاختراق تنظيم الدولة".
وتورد المجلة نقلا عن الزعيم الشيشاني، قوله إن هناك ما بين 70 و 120 طفلا من الجمهوريات السوفييتية السابقة لا يزالون في ملاجئ أيتام حول الموصل, حيث تقدر موسكو بأن هناك حوالي 400 طفل روسي في سوريا والعراق، بحسب مفوضة حقوق الأطفال الروسية آنا كوزنيتوفا.
ويفيد الكاتب بأن التعرف على هؤلاء، خاصة الصغار منهم، قد يكون صعبا أو مستحيلا، فبعضهم يتحدث اللغة الشيشانية، وقد لا يكون أصلا قادما من روسيا؛ لأن الكثير من الشيشان يعيشون في الشتات في أنحاء العالم، والكثير منهم لا يعرفون والديهم، أو يعرفون فقط أسماء مستعارة كانوا يستخدمونها خلال الحرب، مشيرا إلى أن هؤلاء الأطفال، الذين لم يتم التعرف عليهم، يبقون في ملاجئ الأيتام في سوريا والعراق.
وينوه التقرير إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن في أيلول/ سبتمبر 2017، تحرير الموصل، وتسليم أكثر من 1000 جهادي وعائلاتهم للبيشمركة الكردية، حيث أنه من المفترض أن يسجن الرجال، لكن بحسب أحد قيادات التنظيم المتحدثين باللغة الروسية فإنه تم قتل من ألقي القبض عليهم، ووضع الأطفال والنساء في مخيمات تشرف عليها الأمم المتحدة.
وتذكر المجلة أن القائد السابق في تنظيم الدولة أخبر الكاتب أنه كان هناك عشرات من مقاتلي تنظيم الدولة الذين فروا هم وعائلاتهم، لكنهم لم يسلموا أنفسهم خشية أن يقتلوا، وقال: "لو وافق الأكراد على التفاوض فأي شيء يصبح ممكنا، وسيسلم المقاتلون أنفسهم دون قتال، ولن يموت أحد من الطرفين.. فلم تعد لهؤلاء الأشخاص أي علاقة بتنظيم الدولة".
وينقل مامون عن العبادي، قوله إن حوالي نصف العائلات التي تم احتجازها في الموصل هم من الأتراك، أما الباقي فهم من دول أخرى، مثل الشيشان وداغستان وأذربيجان وأوزبكستان وطاجكستان وفرنسا وتونس، وأضاف العبادي أن الهدف هو إعادة الأطفال والنساء لبلدانهم.
ويفيد التقرير بأنه في حالة التسفير إلى تركيا، فإن السلطات ستقوم بالتحقيق مع النساء والأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 14 عاما، ومن شارك في الأعمال العدائية ستتم محاكمته، وربما إصدار حكم ضده، أما الآخرين، حتى وإن وجدوا أبرياء، فسيبقون تحت المراقبة، لافتا إلى أنه لن يعد بريئا سوى أصغر الأطفال، حيث سيتم تسليمهم لأقاربهم إن تم العثور عليهم.
وتجد المجلة أنه "من المستحيل معرفة كم هم عدد أيتام تنظيم الدولة في سوريا والعراق، فبالإضافة إلى الأطفال الصغار الذين أحضرهم والدوهم معهم، قد يكون هناك الآلاف من الأطفال الذين ولدوا لمقاتلين أجانب انضموا لتنظيم الدولة، فماذا يحصل لأولئك الأطفال غير معروف بعد، وفي أوروبا الغربية يقول المسؤولون إن هؤلاء الأطفال قد يكونون أبرياء، لكن يجب أن تتحمل الأمهات المسؤولية".
وينقل الكاتب عن وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، قولها بأن الأطفال العائدين "في العادة صغار جدا، لكن قد يكونوا تعرضوا للتطرف، وهم بحاجة لمراقبة، والتحدي الذي يواجهنا هو تحويلهم إلى مواطنين مرة أخرى".
ويبين التقرير أنه بالنسبة للشيشانيين العائدين، فإن العودة تحمل مخاطر أكبر، حيث أن قديروف لا يحاول إعادة الأطفال فحسب، بل الرجال والنساء أيضا، فالنساء مفيدات كونهن مصدرا جيدا للمعلومات حول تنظيم الدولة، وأما الرجال فهم هدف أكبر للعملية "الإنسانية" الشيشانية.
وتورد المجلة أن طائرة عسكرية خاصة قامت في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بنقل 7 نساء و14 طفلا من القامشلي في سوريا لإعادتهم إلى الشيشان، منوهة إلى أنه بحسب ممثل قديروف في الشرق الأوسط زياد سبسابي، فإن تلك النساء تمكن من الفرار من السجن خلال عملية روسية.
ويكشف مامون عن أنه بحسب المصادر الكردية المحلية والإذاعة المحلية، فإن القصة ليست كذلك، لكن طائرة بضائع روسية كبيرة هبطت في المطار بشكل غير متوقع وكان فيها وفد روسي، والطائرة التي من المفترض أنها حملت 21 شخصا كان بإمكانها حمل أكثر من 100 شخص، مشيرا إلى أنه بحسب الإعلام الكردي، فإن ممثل بوتين الخاص للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، قام في 17 تشرين الأول/ أكتوبر بلقاء السلطات الكردية في القامشلي، وكانت المفاوضات حول نقل مقاتلي تنظيم الدولة من أصول شيشانية، الذين اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية خلال معركة الرقة.
ويقول الكاتب إنه "بحسب الإعلام المحلي، وأكد ذلك لي مصدر من حكومة كردستان المحلية، فإن الروس أرسلوا الطائرة لنقل الشيشان الذين كانوا يعملون (لصالح روسياً) متخفين داخل تنظيم الدولة".
ويشير التقرير إلى أن قديروف أعلن استعداده المساعدة في سوريا عندما تدخلت روسيا في خريف 2015 في الحرب الدائرة في سوريا، ونشر بعد أقل من ثلاثة أشهر من ذلك موقع "فرات" التابع لتنظيم الدولة باللغة الشيشانية فيديو يظهر إعدام ماجوميد خاسييف، حيث يعترف قبل إعدامه بأنه يعمل لصالح المخابرات الروسية، مستدركا بأنه مع أن قديروف يعلق على ذلك بالقول إن الشخص الذي تم إعدامه لا يعمل لصالح أحد، إلا أنه أعلن بعد ذلك بشهرين، "في شباط/ فبراير 2016"، على التلفزيون الروسي بأن الشيشان دربت عملاء خاصين للذهاب إلى الشرق الأوسط؛ لجمع المعلومات عن مقاتلي تنظيم الدولة.
وتبين المجلة أن المقاتلين في سوريا والعراق يتشككون في اهتمام قديروف المفاجئ في إنقاذ المواطنين الشيشان من تنظيم الدولة، ويقولون إن الاحتمال الأكبر هو أنه يريد أن ينقذ العملاء الذين عملوا لصالحه، لافتة إلى أن القائد السابق في تنظيم الدولة، الذي تحدث إليه الكاتب، أعرب عن شكه في أن الحكومة الروسية، التي لم تفعل شيئا لوقف تدفق مواطنيها للقتال مع تنظيم الدولة، ستكون الآن حريصة جدا على إنقاذهم.
وقال القائد: "ليس منذ فترة بعيدة سمحت (السلطات الروسية) للعديد بأن يغادروا البلد، مع أنهم كانوا يعلمون أنهم ذاهبون للالتحاق بتنظيم الدولة؛ لأنهم فضلوا لهم الخروج من روسيا.. فلماذا يريدون الآن أخذهم والاعتناء بهم؟".
ويستدرك مامون بأنه مع ذلك تستمر الحكومة الروسية بإصرارها على أن همها هو الأطفال الروس الذين تركهم تنظيم الدولة خلفه، لافتا إلى أنه في بيان مكتوب لـ"فورين بوليسي"، أنكرت السفارة الروسية في واشنطن بشدة الاتهامات بأن جهودها لإعادة النساء والأطفال تهدف لشيء غير الأهداف الإنسانية.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن الحكومة في موسكو شكلت لجنة خاصة لجمع المعلومات عن أيتام مقاتلي تنظيم الدولة.