هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في ظل سعر الصرف الثابت، وبعض من أسوأ معدلات الدين وموازين المدفوعات في العالم، يواجه لبنان أزمة اقتصادية خطيرة العام القادم؛ إذ تسببت العلاقات المتوترة مع دول خليجية في تقليص التدفقات المالية التي تدعم ربط عملة البلاد بالدولار.
وأثارت قدرة لبنان على تفادي كارثة مالية لأعوام حيرة النقاد، الذين ذهبت تحذيراتهم سدى بشأن التخلف عن سداد ديون وأزمات في ميزان المدفوعات وانهيار الليرة.
وما قد يغير الوضع هو التحول في السياسة الخارجية للسعودية، التي أعاد ولي عهدها الجديد الأمير محمد بن سلمان بيروت إلى دائرة صراع نفوذ بالمنطقة بين السعودية وإيران.
وكان أحد مؤشرات التحول السياسي استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري المفاجئة الشهر الماضي، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جاءت بضغوط من السعودية، التي تعارض بدورها وحلفاؤها في الخليج دور جماعة حزب الله المدعومة من إيران في حكومة الحريري الائتلافية.
وتراجع الحريري عن استقالته بعد ذلك. لكن العديد من خبراء الاقتصاد والمحللين حولوا تركيزهم مجددا إلى أوجه الضعف في اقتصاد يعتمد على الحوالات، ويبلغ حجم عجز التمويل الخارجي فيه نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الدين الحكومي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وهذه المعدلات أسوأ بكثير من بقية البلدان التي منحتها وكالة فيتش تصنيفا ائتمانيا مماثلا عند B-.
والنقطة التي قد تتجمع حولها كل الخطوط هي عملة لبنان المربوطة عند 1500 ليرة للدولار.
الارتباط بالدولار
وبينما تمتلك غالبية الاقتصادات النامية الآن سعر صرف حرا، ما يزال ربط العملة المحلية بالدولار هو التقليد المتبع في الشرق الأوسط. لكن ربط الليرة اللبنانية بالدولار يختلف عن غيرها من عملات دول الخليج الغنية بالنفط؛ لأنه غير مدعوم في لبنان بقوة مالية ضخمة.
وبدلا من ذلك يعتمد لبنان على تدفقات الودائع إلى البنوك اللبنانية من المغتربين، الذين يفوق عددهم بكثير أربعة ملايين نسمة، والذين يعيشون في الداخل، لتمويل الحكومة، والحفاظ على احتياطي البنك المركزي.
وقال جان ميشيل صليبا، الخبير الاستراتيجي لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش: "تجاوزنا الأزمة لفترة، لكن في المدى المتوسط يواجه لبنان أسسا صعبة للاقتصاد الكلي، حيث يحتاج إلى مواصلة جذب الودائع لاستمرار ربط العملة بالدولار".
وأضاف: "ظل لبنان مرنا لفترة طويلة جدا، لكن هذا لا يعني أن المرونة ستدوم".
وفي وجود عملة مرتبطة بالدولار، يجب أن يكون لدى السلطات احتياطيات كافية من العملة الأمريكية؛ من أجل المحافظة على الثقة في سعر الصرف، مع ضمان استمرار التدفقات؛ من أجل تعويض السحب من خزانة الدولة.
وأثناء أزمة تشرين الثاني/ نوفمبر، أقبل بعض اللبنانيين على شراء الدولار. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن الأصول الأجنبية تراجعت 1.6 مليار دولار في الشهر الماضي، بينما أشار تجار إلى تدخل المركزي لدعم الليرة.
مصرف لبنان يرفض التعليق
وامتنع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الذي يشغل منصبه منذ عام 1993، عن التعليق على مسألة التدخل. لكنه قال إن ربط الليرة بالدولار له "ثمن".
ولدى مصرف لبنان المركزي حجم احتياطيات مريح من النقد الأجنبي، يصل إلى 43 مليار دولار. ويمكن لسلامة أيضا الاستناد إلى نجاح البنك في الحفاظ على الاستقرار خلال أزمات أخرى، من بينها الصراع مع إسرائيل في عام 2006، واغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والحرب الأهلية في سوريا.
الاعتماد على المغتربين سلاح ذو حدين.
من ناحية، تُعرف أموال المغتربين بأنها أكثر التصاقا من الأسهم الأجنبية واستثمارات السندات. والجانب السلبي هو أن الحوالات تمثل 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان، وفقا لبيانات البنك الدولي، وهو معدل أعلى بكثير من غالبية الاقتصادات الناشئة.
والأكثر من ذلك أن نحو ثلثي هذه التحويلات يأتي من الخليج، وقد يكون مهددا بسبب التوتر بين بيروت والرياض. وأشار الحريري إلى العقوبات الخليجية كتهديد رئيسي.
احتياطيات كافية
وقال ريجس تشاتلير الخبير الاستراتيجي لدى بنك سوسيتيه جنرال: "لديهم احتياطيات كافية، لكن تدفقات التحويلات هي التي تغذيها. وإذا تدهورت الأوضاع في الشرق الأوسط، لا تعلم إن كانت تلك الأموال ستستمر في التدفق أم لا". وحذر من أن انهيار ربط العملة بالدولار سيدفع معدلات الدين
الخارجي إلى "مستويات فلكية".
وأضاف: "الوضع الائتماني اللبناني بالنسبة لي هي الوضع الذي يحتاج مراقبة في العام المقبل. هذا اقتصاد نسبة الدين فيه إلى الناتج المحلي الإجمالي مماثلة لليابان، لكن بعجز ضخم في ميزان المعاملات الجارية".
سيناريو الأزمة
ربط الليرة بالدولار أيضا سلاح ذو حدين. فطالما أنه مطبق ويثبت أن من الممكن الاعتماد عليه، سيكون المغتربون اللبنانيون سعداء بإرسال مدخراتهم إلى حسابات مصرفية تدر فائدة مرتفعة في الداخل وللسكان المحليين الراغبين في ادخار الليرة.
ومنح النمو المستقر للودائع البنوك فرصة لتمويل الحكومة. وبينما يقرض البنك المركزي هذه السيولة، فإنه يوفر للبنوك أسعار فائدة جذابة على الودائع الدولارية.
لكن إذا انخفضت الودائع، لنقل على سبيل المثال إذا اضطر اللبنانيون المقيمون في الخليج للعودة إلى
الوطن، فقد تتنامى شكوك بشأن استقرار ربط الليرة بالدولار، وهو ما قد يدفع المواطنين إلى شراء الدولار.
وقال توبي إليس، مدير الصناديق السيادية للشرق الأوسط وأفريقيا بوكالة فيتش، إن البنك المركزي قد يتكيف مع بعض المستوى من الطلب على الدولار، حيث تعادل الاحتياطيات نحو 60 بالمئة من ودائع البنك.
وبينما أشار إليس إلى أن تدفقات الودائع الكبيرة نادرة في لبنان، فإنه حذر من أن "نزوح الأموال بشكل مفرط نتيجة صدمة سياسية كبيرة جدا أصبح سيناريو ضغط قد يقوض الثقة في ربط العملة".
وقال جان ميشيل صليبا إن السندات اللبنانية تعكس التقلبات؛ إذ يجري تداولها كما لو كان تصنيفها الائتماني أقل بدرجة أو اثنتين من تصنيفها الفعلي.
وحذر مع آخرين من أن على لبنان التحرك بسرعة؛ لخفض الإنفاق وزيادة الإيرادات؛ لكي يتمكن من خفض العجز.
وقال فادي عسيران، المدير التنفيذي لبنك بلوم في بيروت: "في الأجل الطويل ما نفعله ليس مستداما. لا يمكن الاقتراض للأبد، لا يمكنك إدارة عجز مالي ضخم مثلما هو الحال في لبنان اليوم للأبد".
وأضاف: "إذا ضاعت الثقة في البنك المركزي، يصبح المدى الطويل قصيرا على الفور. هنا تصبح لديك مشكلة".