مقالات مختارة

عن أي تسوية سياسية تتحدثون؟

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600

الكلام عن التسوية السلمية، يبدو مثيرا جدا، كون مواصلة إطلاق التصريحات حول أهمية التسوية السلمية، بخصوص القضية الفلسطينية، يتناقض في الأساس مع التغيرات على الأرض.


منذ زمن بعيد، انتهى حل الدولتين، وما نراه اليوم، يثبت هذا الأمر، غزة محاصرة ومعزولة، والقدس باتت عاصمة لإسرائيل وفقا لاعتراف ترمب، والضفة الغربية مقطعة الأوصال، ومصنفة إلى فئات كما هو معروف، ولا خط واصلا جغرافيا في الأساس، بين مدن الضفة الغربية.


عن أي حل سياسي نتحدث هنا، مادامت كل الأسس التي تم الحديث عنها، عند إطلاق عملية السلام، قد انتهت، سواء ما يتعلق بملف اللاجئين الذين يراد توطينهم اليوم حيثما يعيشون، أو ملف القدس، التي جرى تهويدها على مدى عقود، ولم يكن اعتراف ترمب إلا محطة ضمن محطات تغيير هوية المدينة، ليست أولى المحطات، وليست آخرها.


هذا يعني بشكل واضح وصريح، أن على كل الأطراف الإقرار، أن لا تسوية سياسية مع إسرائيل، ومواصلة الحديث عن التسوية وانتظار مشروع أميركي، مجرد مضيعة للوقت، وجدولة للازمة، وضحك على الذقون، وتصبير للمساكين.


نحن أمام حالة استعصاء، على كل المستويات، التسوية السلمية دفنت منذ زمن بعيد، وأي تسوية ستكون تسوية تصفوية للقضية الفلسطينية، وفي المقابل، فأن الشعب الفلسطيني المنهك في فلسطين، قد لا يكون قادرا على إطلاق رد فعل شبيه بالانتفاضة الأولى والثانية، لعدة أسباب، أبرزها أن السلطة الوطنية في رام الله تدير ردود الفعل على طريقتها، ولا تريد انتفاضة مسلحة، هذا فوق أن كل التنظيمات المؤهلة لإطلاق رد فعل مختلف، مقيدة، ومحددة الحركة لاعتبارات كثيرة، بما في ذلك حركة حماس في غزة، مع ما يمكن وصفه بتقييد عام للشعب الفلسطيني اليوم في الضفة الغربية، حيث ترزح الغالبية العظمى تحت وطأة ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة جدا.


ما الذي يمكن أن يفعله إذاً الفلسطينيون والعرب، أمام هذه الحالة، التي تتأسس على نجاحات متواصلة للمشروع الصهيوني في فلسطين، دون أن نتمكن حتى الآن، من وقف هذا المشروع، لا بالسلم، و لا بردود الفعل السياسية او حتى المسلحة كليا، أو شبه المسلحة، أو السلمية؟!.


الكلام الذي يبعث على اليأس، يقترب من الخيانة ربما، حين يكون التقييم العام للوضع، يؤدي الى الدعوة المبطنة للاستسلام أمام هذا المشروع؛ لكننا لا نتقصد ذلك، ونسأل بمرارة شديدة، عما يمكن فعله أمام المشروع الصهيوني، اذا كانت كل الخيارات ضعيفة، وغير منتجة، او ان الظروف الحالية، معاكسة تماما لأي ردود فعل قد يتم إطلاقها في هذا التوقيت؟.


حين تمر الأمم بأزمات كبرى، كما في القضية الفلسطينية، لا يجوز أن نبقى في ذات حزمة ردود الفعل المعتادة، وهو ما نراه اليوم، وكأن هذه الأمة باتت عقيما، وغير قادرة على إنتاج خيارات جديدة، وتواصل الحديث عن ذات الخيارات، برغم ان المشروع الصهيوني دخل مرحلة مختلفة، لكننا نتذاكى على بعضنا بمواصلة الحديث عن تسوية سياسية محتملة، او عن كلفة انفجار ردود الفعل الغاضبة داخل الضفة الغربية وغزة، فما الذي يمكن ان نفعله اذا كانت كل الأبواب مسدودة؟!.


بصراحة وكل صراحة، لابد من مراجعة كل المشهد، فلم يعد هناك اي قيمة، لكل هذه السيناريوهات، ولابد من شكل جديد، للرد على إسرائيل، وهو شكل بحاجة الى من يضع أسسه، بين امة، اعترفت فيها جهات كثيرة بشرعية إسرائيل، ووجودها على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين، تاركة للفلسطينيين ربع المساحة، وتفاوض اليوم، على ربع الربع، ولعل اول الخيارات المطلوبة إعادة تعريف هذه الازمة، وإعادتها الى مربعها الاساس، أي نزع الاعتراف بإسرائيل، وتعريفها باعتبارها مجرد احتلال لكل فلسطين، بما يترتب على ذلك من إجراءات على الارض، حتى لا يكون كل هؤلاء مجرد شركاء، من حيث يعلمون او يعلمون في تثبيت المشروع الصهيوني.

 

(الدستور الأردنية)

0
التعليقات (0)