هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يومَ الجمعةِ الماضي، لم يكن غريبا أنْ تدورَ الخطبةُ في المسجدِ الحرامِ عن برِّ الوالدينِ، وفي المسجدِ النبويِّ عن الدلالاتِ الإعجازيةِ لتعاقبِ الفصولِ، دون أنْ يذكرَ الخطيبانِ القدسَ بكلمة، ودون أنْ نشاهدَ مقاطعَ مصورة لشيوخ ودعاة سعوديينَ وهم يتباكونَ على الإسلامِ والمسلمينَ، كما تعودنا منهم في قضايا يتمُّ استثمارها إعلاميا من قبلِ السعوديةِ.
لقد كانَ ذلك مؤشرا على أنَّ اجتماعَ وزراءِ الخارجيةِ العربِ في
القاهرةِ لن ينتجَ عنه شيء لصالحِ فلسطينَ والقدسِ والعربِ والمسلمينَ، ودليلا على
أنَّ ترامب لم يكنْ ليجرؤَ على إعلانِ القدسِ عاصمة للكيانِ الصهيونيِّ لو لم يحصلْ
على موافقة قوية من السعوديةِ ومصرَ بخاصة.
في السعوديةِ حالة شاذة لا تتناسبُ مطلقا مع مكانتها الدينيةِ. فبعد عقود
من تكفيرها للمنادينَ بالديمقراطيةِ، والدولةِ المدنيةِ، وحقوقِ الإنسانِ، نجدها تنقلبُ
رأسا على عقب فتتحولُ إلى أعتى داعية للعلمانيةِ المعاديةِ للعقيدةِ الإسلاميةِ. فتركي
الحمد، وعثمان العمير، وباقي الشرذمةِ الشوهاءِ من العلمانيينَ السعوديينَ، لم يجدوا
في العلمانيةِ التي ينادون بها إلا الهجومَ على الإسلامِ، وتحقيرَ العربِ والمسلمينَ،
دون أنْ يهتموا ببناءِ الدولةِ المؤسساتيِّ والدستوريِّ والقانونيِّ على أسس ديمقراطية
تتيحُ للسعوديينَ المشاركةَ في اتخاذِ القرارِ . وهذا ليس مستغربا، فهم يدركونَ جيدا
أنَّه لو تحققتِ الديمقراطيةُ للسعوديينَ فإنهم سيقولونَ إنهم مع فلسطينَ، وضد حصارِ
قطرَ، وضد السيسي وحفتر وسواهما من عملاءَ هامشيينَ يعملونَ لتحقيقِ المشروعِ الصهيو
إماراتي في العالمِ العربيِّ. وبالطبعِ، فإنَّ علمانيي المملكةِ هم نسخة طبق الأصلِ
من علمائها ومشايخها ودعاتها، ولا يقولونَ شيئا إلا بتوجيه من القيادةِ، مما يعني أنَّ
الحملاتِ التي شنوها في التويتر ووسائلِ الإعلامِ ضد القدسِ والشعبِ الفلسطينيِّ لم
تكن إلا جزءا من الإعدادِ للقبولِ بقرارِ ترامب، وتمهيدا للقبولِ بصفقةِ القرنِ التي
ستستباحُ فيها كلُّ المحرماتِ الإسلاميةِ.
الغريبُ في ردةِ الفعلِ السعوديةِ على الغضبِ الشعبيِّ العربيِّ والإسلاميِّ
ضدها بعد قرارِ ترامب، أنها لم تدركْ مدى خطورةَ الأمرِ عليها فتتخذ مواقفَ ضد القرارِ
تتناسبُ مع حجمها المعنويِّ، وإنما قامتْ عصاباتُ التويتريينَ ورعاعُ الإعلاميينَ بالردِّ
بطريقة مخزية، وذلك بزيادةِ جرعاتِ الشتائمِ ضد الفلسطينيينَ، والتبرؤ من الأقصى، والمغالاةِ
في الحديثِ عن دورِ المملكةِ و(تضحياتها) من أجل فلسطين. ووصلَ الأمرُ بهم إلى الحديثِ
عن أنَّ كلَّ مشاكلِ المملكةِ الداخليةِ ناجمة عن انشغالها بالقضيةِ الفلسطينيةِ. ولو
لم نكنْ نعرفُ الحقائقَ لظننا أنَّ إمكاناتِ المملكةِ كانت، طوالَ تاريخها، مسخرة للجيشِ
السعوديِّ الذي كانَ يخوضُ الحروبَ تلو الحروبِ على الكيانِ الصهيونيِّ، رغم أنها لم
تكنْ تجرؤ حتى على جمعِ القبائلِ قريبا من الحدودِ مع فلسطينَ لتهديدِ الصهاينةِ، كما
فعلتْ مع بلادنا مرارا.
نحنُ لا نقولُ إنَّ السعوديةَ هي المسؤولُ الوحيدُ عن اتخاذِ ترامب لقراره،
وإنما نقولُ إنها المسؤولُ الرئيسُ، لأنها تخلتْ عن دورها العربيِّ والإسلاميِّ منذ
انضمتْ لعصابةِ إمارةِ دحلانَ المتصهينةِ، فصارتْ تُعادي الشعوبَ والعقيدةَ، وتسهمُ
في تشويه تاريخنا العربيِّ الإسلاميِّ، وتمارسُ البلطجةَ السياسيةَ ضد قطر ولبنان،
وتقومُ بإرجاعِ اليمنِ إلى عصورِ ما قبلَ الحضارةِ، وتدعم تقسيمه وتقسيمَ سوريا والعراقِ
وليبيا. فلا يتحدثنَّ أحد من رعاعِ إعلامييها وعلمانييها وأدعياءِ العلمِ فيها عن قيامِ
قطرَ بتمويلِ الحملاتِ ضدها، وإنما عليهم قراءةُ الصورةِ الحقيقيةِ لاندثارِ تأثيرِ
ودورِ المملكةِ، وفقدانها العنصرَ الوحيدَ لقوتها وهو التفافُ الشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ
حولها.
لم ينتجْ عن اجتماعِ وزراءِ الخارجيةِ العربِ إلا تحديد المحورينِ السياسيينِ
الجديدينِ في المنطقةِ، وهما: المحورُ الإسلاميُّ العروبيُّ الذي نفخرُ بأنَّ بلادنا
جزء منه، والمحورُ المتصهينُ الساعي للانسلاخِ عن الإسلامِ والعروبةِ الذي تمثله دولُ
الحصارِ.
كلمة أخيرة
القدسُ عربية، والأقصى وقف إسلاميّ، ولا يغير من ذلك علمانية سعودية،
ووفد بحرينيّ متصهينُ يزورُ القدسَ للسلامِ مع القتلةِ.
الشرق القطرية