نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب ديفيد كينر، يتحدث فيه عن قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الأخير الاعتراف بمدينة
القدس عاصمة لإسرائيل.
ويكشف كينر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن الإدارة الأمريكية لترامب لم تبلغ الوفد
الفلسطيني الأمني الدبلوماسي، الذي زار واشنطن نهاية الشهر الماضي، بشأن خطط ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الامريكية إليها، مشيرا إلى أن التعتيم على الأمر في اللقاءات جاء رغم معرفة المحاورين الأمريكيين بأن ترامب مصمم على هذا الإعلان.
وتشير المجلة إلى أن الوفد الفلسطيني كان متفائلا، ويتطلع للخطة الأمريكية للتسوية والجدية التي أبداها الرئيس الأمريكي للمساهمة في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويقول الكاتب: "كان الدبلوماسيون الفلسطينيون متفائلين الأسبوع الماضي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير على الطريق الذي يمكن أن يقود لما أسماه (الصفقة الكبرى) وحل تفاوضي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني".
وتنقل المجلة عن مسؤول فلسطيني بارز، قوله إن التفاؤل تعزز من خلال حوارات مع إدارة ترامب، التي وصلت ذروتها في اللقاء السري الذي عقد في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، وشارك في اللقاء صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، ومسؤول التفاوض الدولي جيسون غرينبلات، ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، الذين قابلوا ثلاثة مسؤولين أمنيين فلسطينيين ودبلوماسيين بارزين.
ويلفت كينر إلى أن الجانب الأمريكي لم يخبر الوفد الفلسطيني بخطط ترامب الاعتراف بالقدس في ذلك اللقاء، رغم إصرار الرئيس على القيام بهذه الخطوة في اللقاءات الداخلية التي أجراها مع مسؤولي إدارته، وكان آخرها اجتماع تم قبل 3 أيام من وصول الوفد الفلسطيني، مشيرا إلى أن اللقاء عقد في الوقت الذي ظهرت فيه تقارير عن الخطة الأمريكية الجديدة بشأن القدس، حيث سأل الفلسطينيون عما إذا كان ترامب سيوقع على قرار تأجيل نقل السفارة الذي سينتهي موعده يوم الاثنين، "الذي وقعه"، لكن الجانب الأمريكي لم يتطوع ويقدم معلومات للجانب الفلسطيني حول اعتراف ترامب بالقدس.
وتبين المجلة أن الحديث تركز على الخطة المزمع الإعلان عنها، التي أصبحت الآن محلا للشك، بعد اندلاع الاحتجاجات في أنحاء العالم العربي كله، في أعقاب خطاب ترامب يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر، لافتة إلى أن المئات جرحوا فيما قتل اثنان في الضفة الغربية.
ويورد الكاتب نقلا عن السكرتير العام للجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، قوله بعد خطاب ترامب: "انتهى حل الدولتين.. وحان الوقت لتحويل الصراع إلى حل الدولة الواحدة، وحقوق متساوية للجميع على أرض فلسطين التاريخية".
وتنقل المجلة عن مسؤول فلسطيني، قوله: "الأمر لم يعد يتعلق بوضعية القدس، لكن بوضع واشنطن؛ لأنها تضررت بشكل كبير بصفتها وسيطا، وعزلت نفسها عن الإجماع والقانون الدولي".
ويذكر كينر أنه في جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن الدولي، فإن 14 دولة من 15 دولة عضو فيه صوتت ضد القرار الأمريكي حول الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، مشيرا إلى قول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي ميشيل أنطون، إن فكرة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وصلت للقادة الفلسطينيين والعرب طوال المحادثات هذا العام، لكن لم يعلم بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود
عباس إلا قبل يوم، أي في 5 كانون الأول/ ديسمبر.
وتنوه المجلة إلى أن الخطة لنقل السفارة جاءت أثناء لقاء ترامب مع مستشاري مجلس الأمن القومي في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل ثلاثة أيام من الاجتماع مع الوفد الفلسطيني، الذي جرى فيه التعتيم على الخطوة أمامه، ولم يخبر بالقرار المقبل، لافتة إلى أنه في لقاء ترامب معهم، الذي استمر 15 دقيقة، فإنه قدم لمستشاريه سؤالا مفصلا، وطلب إجابة واضحة، قائلا إن "الوضع القائم لم يعد مقبولا".
ويفيد الكاتب بأن "إعلان ترامب قضى على آمال الفلسطينيين، الذين اعتقدوا أن ترامب سيكون مدافعا عن العملية السلمية بموجب رغبته في أن يكون العراب الذي حقق الصفقة الكبرى، واعتقدوا أن مجيئه من خارج المؤسسة السياسية يعني أنه ليس مرتبطا بالقيم التقليدية لما أطلقوا عليها (صناعة العملية السلمية)، بالإضافة إلى أن رغبته في التوصل لتسوية سريعة وشاملة كانت مهمة؛ لأنه سيجبر الإسرائيليين على حل، بدلا من مماطلة المحادثات، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية".
ويقول كينر إن "كل ما قاله ترامب لم يكن مدعاة للارتياح، حيث صدم المراقبين في شباط/ فبراير عندما قال إنه منفتح على أي حل، دولتين أو دولة واحدة، وسربت القنوات التلفازية كلاما قالت فيه إن ترامب اتهم غاضبا عباس بالتحريض على العنف، وذلك في لقائهما في مدينة بيت لحم في 23 أيار/ مايو، ونفى الفلسطينيون هذا الكلام".
وتستدرك المجلة بأنه "رغم هذا، فإن تصريحات ترامب واتصالاته مع الفلسطينيين استمرت؛ لتعزز وتزيد من أمالهم، وبأنهم وجدوا شريكا لهم في البيت الأبيض، وبدأت الحوارات في شهر آذار/ مارس، عندما اتصل ترامب مع عباس، وأخبره أنه يريد التوصل للصفقة النهائية، وإن كان عباس مستعدا بصفته وسيطا نزيها، واستمرت المحادثات، حيث التقى ترامب مع عباس في البيت الأبيض في 3 أيار/ مايو، وأكد له أنه سيحقق الصفقة، وتبع ذلك لقاء بيت لحم، حيث طلب من الفلسطينيين تحضير وفد لبدء العملية السلمية، وفعلوا وانتظروا دعوة من البيت الأبيض التي لم تأت، وفي لقائه مع عباس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد ترامب قائلا: (سأعمل بقلبي وعقلي لتحقيق الصفقة)".
وينقل الكاتب عن المسؤول الفلسطيني، قوله إن فريقه اعتقد أن لقاء واشنطن هو مواصلة للعمل الذي بدأ منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تشرين الثاني/ نوفمبر، أن الخطة بدأت تكتمل ولم يتبق إلا إعلانها، مستدركا بأن اعتراف ترامب بالقدس أوقف هذا كله.
وتورد المجلة نقلا عن نائب مدير مركز "ويلسون" والمفاوض السابق آرون ديفيد ميللر، قوله إن استراتيجية ترامب تقوم على تقديم مميزات لإسرائيل والاعتراف بالقدس، بشكل يسمح للدبلوماسيين الأمريكيين بالحصول على تنازلات من الإسرائيليين، لكنه يشك في إمكانية حدوث هذا.
ويضيف ميللر أن "التفسير هو أنهم -الدبلوماسيون الأمريكيون- يفكرون لو أننا وضعنا الكثير من العسل في الوقت الحالي فإنه يعطينا الفرصة لوضع الخل في مرحلة لاحقة، ويعتقدون أن أي مسؤول إسرائيلي، وهنا المقصود بنيامين نتنياهو، لن يرفض طلبا لترامب، بعدما حصل على ما يريد، لكن هذا افتراض ليس في محله".
ويختم كينر مقاله بالإشارة إلى أنه بالنسبة للفلسطينيين، فإن الأمريكيين أخرجوا أنفسهم من دور الوسيط النزيه، وهو الدور الذي الذي أدته أمريكا في العقود الماضية.