هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ذا أتلانتك" مقالا للصحافية أنابيل تيميست، حول الدور الذي أدته فرنسا في عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى لبنان، والتراجع عن استقالته، التي أعلنها في تشرين الثاني/ نوفمبر في السعودية.
وتشير تيميست في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحريري أعلن عن التراجع عن استقالته صباح الأربعاء، حيث جاء هذا الإعلان بعد التوصل إلى صفقة توافق مع الأحزاب المنافسة في محادثات يعتقد أن الهدف منها عزل حزب الله من الحيكومة الحالية، وأوضح أن هناك شخصا واحدا يريد أن يشكره، وهو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتعلق الكاتبة قائلة: "كان إعلان صباح الأربعاء لحظة غريبة أخرى في شهر من الأحداث المهمة للبنان، وأصبحت الملحمة التي تصلح مسلسلا تلفزيونيا، وأبطالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يقال إنه يقف خلف استقالة الحريري, والرئيس ميشيل عون، الذي قال إن الحريري مختطف لدى السعوديين، وسعد الحريري نفسه، الذي يحمل الجنسيتين السعودية واللبنانية، والذي ذهب الى الرياض دون إخبار مستشاريه، وماكرون الذي أقنع الأمير محمد بن سلمان بأن يسمح للحريري بالسفر إلى باريس، حيث بقي ثلاثة أيام في القصر الرئاسي ثم عاد الأسبوع الماضي إلى لبنان، منهيا ثلاثة أسابيع من حالة التوتر بين السعوديين واللبنانيين والإيرانيين".
وتبين تيميست أن "قرار ماكرون التدخل فاجأ الكثيرين، فلم تعد فرنسا قوة عظمى في المنطقة كما كانت سابقا، لكن دوافعه لفعل ذلك تعود لتاريخ مشترك قائم على مصالح اقتصادية واستراتيجية، فلبنان كان محمية فرنسية بين عامي 1920 – 1944، ولا يزال يحافظ على علاقات اقتصادية وأمريكية وسياسية (اللغة الثانية في لبنان هي الفرنسية)، بالإضافة إلى أن هناك قاعدة عسكرية فرنسية في لبنان وفيها 900 جندي فرنسي مع الأمم المتحدة، كما أن فرنسا واحدة من أكبر شركاء لبنان التجاريين، ولبنان أكبر المستفيدين من المساعدات الفرنسية الأجنبية في المنطقة، ويعد لبنان شريكا مهما في أزمة اللاجئين وفي الحرب على تنظيم الدولة، فهناك أسباب مهمة تفسر سبب استثمار ماكرون كثيرا في استقرار لبنان".
وتقول الكاتبة: "أما بالنسبة للحريري، فإن دعم ماكرون يوفر الدعم لحكومته الضعيفة، التي تعاني من العجز العام وتدفق اللاجئين غير المسبوق في البلد، والحرب الأهلية في سوريا على حدودها، حيث أقلق اقتصاد لبنان المحللين، وأدى إلى مقارنة بينه وبين اقتصاد اليونان عام 2009 على حافة أزمة منطقة اليورو، وخلال أيلول/ سبتمبر عندما زار الرئيس ميشيل عون باريس/ وعد ماكرون بتنظيم مؤتمرين دوليين، أحدهما دعما للجيش اللبناني والآخر للمستثمرين المحتملين، بالإضافة إلى أنه أبقى على الوعد (الذي وعد به سلفه فرانسوا هولاند) بتقديم مساعدات لتقوية الجيش بقيمة 100 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات".
وتضيف تيميست: "باختصار، فإن دعم ماكرون يساعد الحريري في شراء الشرعية في لبنان ودوليا، في وقت أصبح فيه لبنان ساحة حرب بالوكالة بين السعودية وإيران".
وتلفت الكاتبة إلى أن "ما يحصل عليه ماكرون من دعمه للحريري قد يكون أقل وضوحا، لكنه ضروري لفهم سياسته تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويقترح الخبير في أفريقيا في معهد (مونتاغيو) في باريس حكيم الكاروعي، في بحث جديد له، بأن على فرنسا استعادة دورها بصفته (عامل استقرار) في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوساطة في الصراعات الإقليمية كما كانت تفعل في الماضي، وأكد أن (ماكرون فهم هذا)، أما ما يتعلق باستقالة الحريري المفاجئة في السعودية فيقول الكاروعي: (قبل عدة سنوات ما كانت فرنسا لتسمح بحصول هذا)".
وترى تيميست أنه "في مساعدة الحريري، والتوسط بين السعوديين واللبنانيين والإيرانيين، يبدو أن ماكرون يستغل ما يبدو أنه تراجع في الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، ولم يرشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد سفراء للسعودية ولبنان، ولذلك (أصبح هناك فراغ بسبب غياب أمريكا)، بحسب ما قاله الكاروعي".
وتنوه الكاتبة إلى أن ماكرون ألمح إلى ما تريد فرنسا فعله في هذا الفراغ في مؤتمر صحافي الشهر الماضي، حيث قال إنه سيركز على "بناء السلام"، ويتجنب "التدخل في أي انقسامات وطنية أو إقليمية أو دعم جانب ضد آخر"، وحذر من أن الكثير يريدون جر القوى الغربية للصراع السني الشيعي، وقال إنه سيقاوم مثل هذه الإغراءات.
وتقول تيميست: "ليس واضحا كيف يخطط ماكرون في أن يكون لاعبا رئيسيا في المنطقة مع عدم التدخل في الصراعات الطائفية، أو حتى كيف يمكنه إقناع الشرق الأوسط بالترحيب بعودة فرنسا، فسجل فرنسا في المنطقة ليس جيدا، ووعد الرؤساء قبله (خاصة نيكولاس ساركوزي) بإصلاح العلاقات في المنطقة لكنهم فشلوا، فما الذي يجعل ماكرون يظن أنه سينجح؟".
وتقول الكاتبة: "بغض النظر، فإن عائلة الحريري قد لا تكون هي الشريك الأفضل لبدء هذا، فإن علاقة العائلة بالرئاسة الفرنسية عانت من التهم بالفساد ومقايضة النفوذ منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث كان رفيق الحريري، الذي اغتيل عام 2005، على علاقة وثيقة بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، وفي نهاية رئاسته عام 2007 انتقل شيراك وزوجته إلى شقة قيمتها 4.4 مليون يقال إنه استعارها (مؤقتا) من عائلة الحريري ولا يزال فيها، وكتبت الصحف الفرنسية، بما في ذلك (ليبراتيون) و(ليفيغارو) عن العلاقات الحميمة، واتهمت بعضها شيراك بتأثر سياساته تجاه لبنان بعلاقة الصداقة التي ربطته برفيق الحريري، ونفى كلا الرجلين أي تهم بالفساد، وعادت هذه القضية إلى الواجهة وسط هذه الأزمة اللبنانية الأخيرة".
وتذهب تيميست إلى أن "ماكرون كان حريصا على أن يظهر أنه في هذه القضية وغيرها يختلف عن أسلافه، من خلال تركيزه على أنه من جيل شاب من السياسيين لا علاقة له بالفضائح الماضية، لكن من الصعب أن يتجنب الماضي تماما عندما يظهر حريري آخر على الساحة السياسية الفرنسية".
وتبين الكاتبة أن "لدى ماكرون فضيحة حريري خاصة به، فعندما أفلست شركة الإنشاءات التابعة لعائلة الحريري في السعودية (سعودي أوجيه) في تموز/ يوليو 2017، وأنهت خدمات آلاف العاملين فيها، أنهت خدمات 240 موظفا فرنسيا يطالبون بحوالي 20 مليون يورو رواتب وضرائب تأمين اجتماعي غير مدفوعة، وعندما سئل الحريري في مقابلة عن ذلك، فإنه قال: (ستدفع لهم المبالغ بمجرد ما تدفع (الحكومة السعودية ما تدين به للشركة)".
وتنقل المجلة عن المحامية كارولاين واسيرمان، التي تمثل 85 من الموظفين السابقين، قولها: "إن موقف الحريري غير مسؤول تماما.. وإن دفعت له السعودية فليس أكيدا أن يدفع لموظفيه؛ لأنني لا أثق به أن يفعل ذلك"، وأخبرت واسيرمان الكاتبة أن الذراع الدبلوماسي لقصر الأليزيه اتصل بها هذا الأسبوع؛ ليخبرها أن ماكرون يهمه إيجاد حل لهؤلاء الموظفين، و"هذا توقيت جيد؛ لأن الحريري مدين له في موقف (أو اثنين)".
وتختم تيميست مقالها بالقول إن "ماكرون حقق مكسبا دبلوماسيا كبيرا في الشرق الأوسط، بهندسة عودة الحريري إلى لبنان، لكن هناك ثمنا لكل انتصار، فإن كان ينوي ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في المنطقة فستكون لديه فرص كثيرة لتجريب الوساطات في الصراع، وسيكتشف كما اكتشفت أمريكا أن الانتصارات الكبيرة نادرة".