هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تزال شواهد توجه
النظام السعودي للتطبيع مع إسرائيل تتوالى، فبعد زيارة اللواء أنور عشقي لإسرائيل،
ولقاءات الأمير تركي الفيصل مع مسؤولين إسرائيليين، تأتي زيارة مسؤولين سعوديين لكنيس
يهودي في باريس لتقدم شاهدا جديدا على سعي حثيث بين
الجانبين للتطبيع بحسب نشطاء على مواقع التواصل.
وأرجع باحثون تصاعد
وتيرة الزيارات واللقاءات بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين إلى طبيعة النظام
السعودي في عهده الجديد التي توصف بالانفتاح الديني والسياسي على مختلف الدول
والديانات الأخرى، بما فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقا للأكاديمي
الأردني، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية، جمال الشلبي فإن توجهات
النظام السعودي للتطبيع مع إسرائيل بات أمرا مؤكدا، بعد زيارة اللواء عشقي
لإسرائيل، وحضور الأمير تركي الفيصل عدة لقاءات، ومشاركته في مؤتمرات مع مسؤولين
إسرائيليين، لافتا إلى أن المسؤولين السعوديين لا يمكنهم القيام بذلك إلا بموافقة
مسبقة من أصحاب القرار.
وقرأ الشلبي التوجهات
السعودية للتطبيع مع إسرائيل في سياق تلك التغييرات التي تجتاح الدولة السعودية
القديمة التي لم تعد موجودة، على حد قوله، مشيرا إلى أن السعودية في عهدها الجديد
مقدمة على علاقات جديدة، وسياسات جديدة، من أبرز ملامحها السير باتجاه التطبيع مع
إسرائيل، وهو ما بات مكشوفا، وتتحدث عنه الصحافة العبرية بشكل واضح ومباشر.
وجوابا عن سؤال
"عربي21" حول دوافع السعودية للتطبيع مع إسرائيل، قال الشلبي: "يرجع
ذلك إلى فكرة خاطئة في أوساط الأنظمة السياسية العربية، ألا وهي أن إرضاء إسرائيل
يعني بالضرورة أن أمريكا ستكون راضية عن هذه الدولة أو تلك".
وتابع حديثه: "يضاف إلى ذلك أن السعودية في عهدها الجديد، باتت مقتنعة بأن الخطر الإيراني
هو العدو الأول الذي يجب التصدي له بكل قوة وحزم، ولا مانع من التعاون مع إسرائيل
لتحقيق ذلك الهدف، ما يعني إقامة علاقات جيدة معها على مختلف الأصعدة".
وأشار الشلبي إلى أن
السعودية تحاول هذه الأيام تجاوز الكثير من العوائق التي تحول بينها وبين إقامة
علاقات طبيعية مع إسرائيل، ومن أشدها صعوبة القضية الفلسطينية بكل تعقيداتها
وأبعادها الدينية والتاريخية.
وحول ما جاء في تقارير
صحفية متداولة بشأن تخوف الأردن من إقدام النظام السعودي على التنازل عن حق الفلسطينيين
في العودة، كجزء من صفقة سلام شاملة في الشرق الأوسط، ذكر الشلبي أن تخوفات الأردن
تأتي على خلفية استشعاره بهامشية دوره الحالي، وأنه تم استبعاده بعد أن قامت
الرياض بمد جسور التواصل مباشرة مع تل أبيب.
وأضاف: "الأردن
حساس جدا تجاه كل ما يجري بهذا الشأن، لأنه يدرك خطورة الإقدام على تنفيذ تلك
القرارات، ويقدر خطورة تداعياتها بما سينتج عنها من قلاقل وفوضى، لأن ملايين
الأردنيين من أصل فلسطيني المقيمين على أرضه لن ترضيهم تلك السياسات والقرارات القاضية بالتنازل عن حق عودتهم إلى
وطنهم فلسطين".
من جهته قلل الأكاديمي
السعودي، أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، محمد
السعيدي من قيمة ما يقال عن توجهات النظام السعودي للتطبيع مع إسرائيل، واصفا إياه
بأنه "لا يعبر عن الحقيقة لعدة اعتبارات، أولها أن السعودية لم تتخل عن
مبادئها الدينية، ولا تزال تصوغ خطابها الداخلي والخارجي بناء على ذلك".
وأضاف السعيدي في
حديثه لـ"عربي21": "كما أنه لا توجد مصلحة للسعودية في التطبيع مع
الصهاينة، لكنها ربما تحتاج للتواصل معهم ومع غيرهم، بخصوص قضايا جزئية كتأمين
الطريق إلى تيران وصنافير وغيرهما"، معتبرا أن مسألة التطبيع فيما يبدو بعيدة".
وتوضيحا لموقف علماء
السعودية من التطبيع مع إسرائيل، قال السعيدي "موقفهم قديم وقد عبر عنه الشيخ
عبد العزيز بن باز قديما في نصيحته التي قدمها لياسر عرفات، وهو جواز الصلح مع
الصهاينة لظروف معينة دون التطبيع" لافتا إلى وجود فارق بين الصلح والتطبيع
يعرفه الفقهاء.
وفي السياق ذاته قال
الإعلامي اليمني، رئيس تحرير عرب برس، فضل العيسائي: "السعودية ليست مندفعة
إلى التطبيع، وإنما هناك مبالغة من قبل إعلام يستهدف السعودية وقيادتها، بما تمثله
من قيادة مشروع الأمة العربية اليوم، في مواجهتها لإيران ومن ورائها.
وأضاف العيسائي
لـ"عربي21": "من الواضح أن تلك المبالغة تستمد قراءتها من زيارة مسؤولين
سعوديين لكنيس يهودي في العاصمة الفرنسية باريس، وما تبثه الصحافة الإسرائيلية عن
أمنيات الإسرائيليين في التطبيع مع السعودية، وتداول خبر مشاركة رياضي الشطرنج
الذي لم يحدث لحد اللحظة".
ووصف العيسائي الإعلام
بأنه "بات مرجفا هذه الأيام وليس أمينا في نقله، ولا قارئا بموضوعية في
تحليلاته"، لافتا إلى أن "القراءة الموضوعية لواقع المنطقة تذهب إلى
القول بأنه بات من الضرورة في النهاية التعامل مع إسرائيل، لأنها واقع على الأرض
من الصعب الآن إزالته".
وتابع حديثه
"كانت السعودية قد طرحت قبل سنوات مبادرة لحل الصراع مع إسرائيل، لكن متغيرات
المنطقة تحمل مؤشرات عدة على "إعادة ترتيب الشرق الأوسط بشكل جديد".
بدوره اعتبر الباحث
الأردني أمين حديد أن "الجديد في الحالة السعودية هو الطموح المتهور الساعي
إلى تفكيك أسس العداوة للمشروع الصهيوني، فبينما ركزت الأنظمة العربية على أن
التطبيع هو ثمرة استرجاع الحقوق والصمود في الحروب مع الكيان الصهيوني، يبحث ولي
العهد السعودي عن مدخل أكثر فجاجة واستدامة، حيث ينصب الحديث عن المنفعة والحاجة
للحلفاء، والتعايش والانفتاح أكثر من الاعتماد على الغطاء الديني والقومي".
وأوضح حديد
لـ"عربي21" أنه "ومن خلال المتابعة فإننا نجد أن النظام السعودي يستخدم
تكتيكات مدروسة ومكثفة عبر أذرعه الإعلامية وجيوشه الالكترونية الكبيرة، تستهدف
هدم رمزية القضية الفلسطينية، والاستخفاف بها، وتحطيم الروابط الدينية والقومية مع
شعبها".
وتابع حديثه: "وتصويرها كصراع عبثي لا يعني المملكة، بل كان وما زال عبئا ثقيلا عليها يجب
التخلص مه، فيما يتواصل الثناء على إسرائيل بوصفها دولة ديمقراطية متقدمة، تتوافر
على خبرات علمية وصناعية وعسكرية يمكن أن تشكل مع المال السعودي حلفا نموذجيا في
المنطقة".
وأضاف: "كما عمل
النظام السعودي منذ وقت طويل على إضعاف الوازع الديني، والوعي الثقافي لدى المجتمع
السعودي من خلال محاصرة ظاهرة الصحوة وتقليم أدواتها الفاعلة، واعتقال كل من يمتلك
القدرة على التأثير في الرأي العام من العلماء والدعاة والمفكرين.. وإصدار سلسلة
من القوانين القمعية كقانون مكافحة الإرهاب الجديد، حتى ضاق الفضاء العام لأبعد
الحدود، وتصحرت الحياة الثقافية في المملكة".
ووصف حديد زيارة
اللواء عشقي لإسرائيل، والزيارات والمقابلات المتكررة في المنتديات والمؤتمرات من
قبل شخصيات شبه رسمية كتركي الفيصل، ومقابلة الشخصيات الإسرائيلية كرئيس الأركان
في صحيفة "إيلاف" الالكترونية المقربة من الديوان الملكي
بـ"الجرعات التطبيعية الصغيرة، لتهيئة الرأي العام لقبول خطوته المتوقعة في
التطبيع العلني الرسمي واحتواء أي ردات فعل مفاجئة".
أما عن قدرة النظام
السعودي على تسويق سياساته التطبيعية، فأشار حديد إلى أن "ثمة مؤسسات وشخصيات
دينية علمية ودعوية مستعدة دوما لمباركة التطبيع المتوقع، وسيكون من السهل عليها
استدعاء الحديث عن صلح الحديبية، ووثيقة المدينة وما تضمنته من وجوه التعايش والدفاع
المشترك، وإسقاط كل ذلك بالطبع على الكيان الصهيوني المغتصب".
وعن مدى استخدام
الفتوى الدينية لتسويغ سياسات التطبيع المتحدث عنها، توقع حديد أن "فتوى
المفتي السابق عبد العزيز بن باز الشهيرة حول جواز الصلح وتبادل السفرا، بما يمثله
من اعتبار في الوجدان السعودي، ستكون حاضرة في المشهد بقوة، وهي الفتوى التي أثارت
الكثير من اللغط، وردات الفعل في التسعينات".
وختم حديد حديثه بأنه
سيتم توظيف كل "الفتاوى الصادرة حديثا حول "تجريم حماس"،
و"عبثية المقاومة"، ووجوب الوفاء بالالتزامات الدولية، وتحسين صورة
الإسلام الداعي للسلم والمكافح للإرهاب، لتسويق السياسات الطبيعية التي من المتوقع
أن يقدم عليها النظام السعودي بشكل علني، بغطاء ديني وأسانيد شرعية".