هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت العمليات العسكرية المصرية بعد تفجير المسجد في سيناء، المخاوف القديمة ذاتها من التهجير القسري بحق أهالي المحافظة، في حين تعالت أصوات في الإعلام المؤيد للانقلاب تطالب عبد الفتاح السيسي باستكمال مخططه بإخلاء سيناء من سكانها، الأمر الذي بدأه في 2013، باستخدام القوة.
ويخشى الأهالي في سيناء من استثمار كارثة الهجوم الذي راح ضحيته 305 قتلى و128 مصابا، حسبما نقلت وكالة أنباء "الشرق الأوسط" الرسمية عن النيابة العامة، لتطبيق سياسة التهجير القسري.
وسبق أن لقي الأمر انتقادات وإدانات دولية حقوقية من منظمات حقوق الإنسان الدولية كان أبرزها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي قالت في تقرير لها بعنوان: "ابحثوا عن وطن آخر"، ومكون من أربع وثمانين صفحة ومدعم بشهادات موثقة "بأن ما قام به الجيش المصري على مدار عامين من تهديم جماعي وإخلاء قسري لمنازل أكثر من ثلاثة آلاف عائلة في شبه جزيرة سيناء كان انتهاكا للقانون الدولي".
وطالبت المنظمة مصر أن توقف عمليات الهدم والإخلاء وأن تقدم تعويضات مناسبة وإيواء عاجلا للعائلات النازحة والمحتاجة.
واتهم تقرير المنظمة الجيش المصري بتدمير أحياء بأكملها، وتجريف مئات الأفدنة من الأراضي الزراعية بهدف إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة بدعوى القضاء على أنفاق التهريب.
اقرأ أيضا: فيديو سيناء المسرب.. هل المخفي أعظم؟
وفي مقدمة المطالبين باستمرار التهجير القسري اللواء حسام سويلم، الذي طالب السبت "بضرورة تهجير أهالي سيناء حتى لا يكونوا وسيلة ضغط على الدولة المصرية".
والأمر ذاته، طالبت به أيضا الأمين العام السابق للمجلس القومي للمرأة في مصر ووزير التأمينات والشؤون الاجتماعية المصرية السابقة، السفيرة ميرفت التلاوي، حيث أكدت في اتصال مع "عربي21" أن "تهجير أهالي سيناء كان يجب أن يتم عقب 30 يونيو، وأنه في حالة مصر، أنا لا أعطي أي اعتبار لما يقوله الغرب وأوصاف حقوق الإنسان، وعليهم أن ينظروا لأنفسهم والغرب منذ 30 يونيو، وهو يحاول إسقاط نظام السيسي"، وفق قولها.
وبررت "التلاوي" عمليات التهجير القسري الحالي في سيناء بما حصل بعد العدوان الثلاثي على مصر والأطماع الإسرائيلية في سيناء، التي دفعت المصريين لمغادرة أماكن القصف والعدوان، وهو ما كان يصب وقتها في صالح إسرائيل وفرض سيطرتها على سيناء لولا التدخل الدولي وقتها.
وقالت: "مصر سبق وأخلت مناطق القناة فى الخمسينيات عندما تم إخلاء السويس والإسماعيلية وبورسعيد والمسألة في سيناء فيها عنصر داخلي وآخر خارجي والداخلي يساعد عبر التعريف بالمداخل والمخارج وجمع الأخبار والخارج بالفلوس والتدريب ومصر ورائها مهمة قومية بالمشروعات الكبيرة فلا مانع من إخلاء سكان سيناء في الوقت الراهن".
وردت التلاوي على سؤال لـ"عربي21" أنه على الرغم من إخلاء مدينة رفح وتسويتها بأكملها بالأرض إلا أن العمليات لم تتوقف، بل انتقلت للأماكن الأخرى المأهولة بالسكان، قالت التلاوي: "يجب إخلاء منطقة شمال سيناء بالكامل، من أجل التغلب على أساليب الإرهاب الدنيئة".
واستبعدت أن تكون عمليات التهجير التي تتم في شمال سيناء تصب في مصلحة إسرائيل، معللة ذلك بالقول: "لأن إسرائيل بينها وبين مصر معاهدة سلام، ولا يمكن أن تطمع في سيناء".
وعن تعبير القوة الغاشمة الذي استخدمه السيسي، قالت التلاوى: "إن الشعب المصري يقول إن السيسي طيب زيادة عن اللزوم لذلك هو قرر استخدام القوة الغاشمة والباطشة".
من جهته، نفى النائب السيناوي في البرلمان المصري 2012، يحي عقيل، "بشكل قاطع" ما يروجه إعلام السيسي أن إخلاء سيناء يساهم في مكافحة الإرهاب.
وقال: "لا يمكن أن نتصور أن التهجير يخدم الاستقرار، لأنه بالتاريخ وما استقر عليه المنطق من منظور الحالة الأمنية، أن هذا غير صحيح، والبعد الاستراتيجي يقول إن تحصين سيناء ضد أي عدوان خارجي هو زرعها بالبشر، وهذا ما كان يقوله مبارك إن الحل الوحيد لسيناء هو زرعها بالبشر، وكان يتكلم عن 3 مليون".
وأضاف عقيل في حديثه لـ"عربي21" أن حالة الفراغ وترك المكان خاليا لا تسهل من حركة القوات، بل تعطي فرصة للمسلحين بحرية الحركة ويجعل الشارع فارغ لهم و مهيأ تماما لتحركاتهم.
وأوضح "عقيل" أن فكرة تعمير سيناء "أساسية لجلب الحالة الأمنية ومقدمة لحل مشكلة سيناء، لكن لابد من أن يتم ذلك بالتعاون مع أهالي سيناء، خلافا لما تنتهجه سلطات الانقلاب في التعامل مع أهالي سيناء بالقتل والتشريد".
بدوره، قال المحلل السياسي خالد كمال: "ما يحدث في سيناء منذ تموز/ يوليو 2013، هو مخطط واضح ومدروس من أجل تفريغ سيناء وإخلائها من أهلها، بغرض تسليمها لإسرائيل، في إطار صفقة القرن التي انخرط فيها السيسي"، وفق قوله.
وأضاف لـ"عربي21": "ما يحدث بسيناء لا علاقة له بأي خطه مصرية سواء للتنمية أو محاربة إرهاب ما يحدث في سيناء، بل ما تشهده المحافظة إرهاب مصنوع وممنهج، يهدف إلى إبعاد وتهجير أهالي سيناء، تمهيدا لترتيبات تم الإعداد لها سلفا، وعبر عنها السيسي في جملة من كلمتين هي صفقة القرن".
وأوضح أن "هذا الإرهاب سيستمر، وبدأ من منطقة رفح، حيث الحدود المصرية باتجاه الغرب إلى العريش ثم بئر العبد، وأعتقد أنه سيصل مدن القناة، والجميع بدأ يعتقد الآن بأن ما يحدث في مصر هو مسلسل درامي الغرض منه نشر الرعب في المنطقة لأغراض إسرائيلية"، على حد قوله.
ورصدت "عربي21" من خلال خدمة التصوير الجوي التي تقدمها شركة "غوغل" على موقعها بشبكة الإنترنت المخصص للخرائط، الذي يعتمد على الأقمار الصناعية في تصوير الأرض، حجم التغيرات التي طرأت على منطقة مدينة رفح المصرية في شمال شرقي سيناء على الحدود مع قطاع غزة.
وكان واضحا من يأتي:
الصورة خلال الفترة من تموز/ يوليو 2013 بعد الانقلاب العسكري وحتى كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته، توضح شكل مدينة رفح في هذا الوقت، مع بداية الهدم لعدد محدود من المنازل التي بها مخارج للأنفاق.
من بداية عام 2014، وحتى تنصيب السيسي رئيسا، تم هدم وإزالة عدد قليل من المباني شرق المدينة جنوبا وشمالا، وتوضحها الصورة وهي المشار اليها بالدوائر الحمراء.
أثير الأمر وقتها خاصة بعد نشر تسريبات وأخبار عن عمليات هدم وتهجير لعدد محدود من أهالي المنطقة وكانت صحيفة "اليوم السابع" المصرية قد نشرت تسريبات صوتية للرئيس المصري السابق "حسني مبارك" يكشف فيها عن تفاصيل لقاء جمعه بنتنياهو، وكان الحديث حول مستقبل سيناء وخطة إسرائيل لتمكين أهالي غزة فيها.
وتحدث مبارك عن الخطة الإسرائيلية بشأن سيناء في التسجيل الصوتي، قائلا: "إسرائيل عايزة تزق بتوع غزة لسيناء، وقالي ده بصراحة نتنياهو قبل ما أمشي من الحكم بـ6 شهور.. لقيته جايبلي خريطة بيقولي فيها آدى حدودنا وآدى قطاع غزة.. لو سبنا بتوع غزة دول في أي حتة.. ولقيته بيشاور على سيناء.. قولتله نسيبهم فين؟!!.. إنس الموضوع ده forget it".
وتابع مبارك: "أصلي أنا صريح جدا في الحاجات ديه، ودوغري على طول".
اقرأ أيضا: ارتفاع ضحايا سيناء إلى 305 وقصف جوي وطوق أمني بالمنطقة
فقاطعه الدكتور: "هو قالها كده بصراحة"، ورد مبارك: "هو قالها جس نبض.. قولتله انسى الموضوع إلا لو عايز حرب.. لا أنا ولا أتخن مني يقدر يهوب ناحية الحدود.. إحنا عملنا بالوة في قضية طابا".
وكان مبارك في هذا التسجيل يشير إلى ما نشرته الصحافة المصرية منها جريدة "الأهرام" و"المصري اليوم" في 28 كانون الثاني/يناير 2010، بعنوان، دراسة إسرائيلية خطيرة: "الأمريكيون ينتظرون "خليفة مبارك" لإعلان الدولة الفلسطينية في سيناء".
في هذا التوقيت كانت الجزيرة قد بثت تسريبات مصورة للحديث السيسي عن إمكانية تهجير مدينة رفح بالكامل من خلال محاصرة المدينة وإخلاء أهلها وتفجير البيوت.
وخرج المتحدث العسكري والإعلام التابع للسيسي، يبرر حينها أن هذه البيوت التي تم إخلاؤها وهدمها هي بغرض السيطرة على الأنفاق مع قطاع غزة والحد من عمليات التهريب فقط، ويعيد رواية سبق أن طرحها عقب الانقلاب العسكري في آب/ أغسطس 2013.
لكن مخاوف أهالي رفح زادت، خاصة أن آلة الهدم لم تتوقف بالتزامن مع هجمات مسلحة يتعرض لها المدنيون والعسكريون من مجهولين.
في كانون أول/ديسمبر 2014 بدأ يتسع نطاق عمليات الهدم وطال عدد أكبر من البيوت والأحياء الشرقية فى مدينة رفح متجها نحو الغرب.
في آذار/ مارس 2016، ظهر الأمر حقيقة واضحة، واجتاحت آلة التدمير والإزالة 70 في المئة من المدينة.
ومنذ هذا التوقيت في 2016 وحتى اليوم، تم مسح مساحة واسعة من مدينة رفح المصرية من على الخريطة، بحجة الإرهاب والعمليات المسلحة، ويتخوف الأهالي من أن أن وجهة السيسي القادمة هي مدينة العريش، التي تبعد عن حدود غزة وإسرائيل قرابة 50 كيلومترا.
وكشف السيسي مطلع عام 2017، في 28 شباط/ فبراير عن خطة لتهجير أهالي سيناء بالكامل، وذكر مدينة العريش بالاسم، وزعم أنه رفض هذا العرض، وقال: "قلنا لا، وخلى الناس عايشة واحنا بنتعامل بحذر حتى لا نؤذى الأبرياء الموجودين".
الصورة لمدينة رفح قبل أيام من إعداد "عربي21" لهذا التقرير.
يشار إلى أن "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم"، هكذا نصت المادة رقم 63 في الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه تحت سيطرة السيسي ونظام الانقلاب العسكري وإقراره عام 2014،.
وهو أيضا ما عرفه القانون الدولي بأنه "الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها".
والتهجير القسري أيضا جريمة ضد الإنسانية، وفقا لاتفاقية روما للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي عرفت التهجير القسري في المادة 2 الفقرة "د" بأنه "إبعاد السكان أو النقل القسري لهم من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي".