هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اضطر كثير من المصريين إلى تغيير طريقة احتفالهم ببعض المناسبات السعيدة المختلفة، مثل الزواج، فأصبحوا يستغنون عن إقامة الأفراح في قاعات المناسبات أو الفنادق؛ بسبب ارتفاع أسعارها، والاكتفاء بعقد القران في أحد المساجد دون حفل زفاف؛ توفيرا للنفقات.
ومع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، أصبح ملايين المصريين غير قادرين على شراء حلوى المولد؛ بسبب أسعارها المرتفعة، وتخلّوا عن عادة توارثوها منذ مئات السنين.
تراجع معدلات الزواج
وبحسب بيانات رسمية، فقد انخفضت معدلات الزواج بين المصريين؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد مؤخرا، وارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات لنسبة وصلت إلى قرابة 70%، ما حدّ من قدرة كثير من الشباب على توفير مستلزمات الزواج.
وكشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي في تموز/ يوليو الماضي عن تراجع معدل عقود الزواج في مصر، مؤكدا أن عقود الزواج تراجعت بنسبة 3.2% في عام 2016 عن عام 2015.
ويبلغ الشباب في الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة في مصر، طبقا لتقديرات السكان لعام 2017، نحو 21.7 مليون نسمة، يمثلون 23.6% من إجمالي عدد السكان.
الأحذية والملابس بالتقسيط
وبحسب بيان للغرفة التجارية بالقاهرة، فقد تراجعت مبيعات الأجهزة الكهربائية والمنزلية بأكثر من 80%، منذ قرار تعويم الجنيه؛ بسبب عجز كثيرين عن شرائها بالأسعار الجديدة المرتفعة.
وتحدث مواطنون لـ"عربي21"، مؤكدين أن الارتفاع المتواصل في أسعار العديد من السلع يكاد يكون يوميا، وهو ما أصاب السوق بحالة من الركود التضخمي.
وفي محاولة للتغلب على هذا الركود، أعلنت الغرف التجارية مبادرة جديدة لبيع الأحذية والملابس لموظفي الحكومة والقطاع الخاص (الذين يمثلون الطبقة المتوسطة في البلاد) بالتقسيط على سنة، بعد أن أصبحوا عاجزين عن شرائها.
حلاوة المولد للأغنياء فقط
وبينما يستعد المصريون لاستقبال المولد النبوي الشريف، اشتكى العديد من المواطنين من عجزهم عن شراء حلوى المولد لأبنائهم، بعدما ارتفعت أسعارها هذا العام بنسبة تصل إلى 100% عن العام الماضي، مؤكدين أن الظروف المعيشية الصعبة، ووجود أولويات معيشية أهم، تمنعهم من شرائها.
وشاهدت "عربي21" بعض علب حلوى وصل سعرها 500 جنيه في محلات للحلويات بالقاهرة، وهو ما أصاب الكثيرين من أبناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة بالدهشة جراء هذه الأسعار غير المسبوقة، ومنعهم من الاحتفال بهذه المناسبة الدينية.
وطالبت النائبة ثريا الشيخ، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، الحكومة بتوزيع حلوى المولد على بطاقات التموين بأسعار مدعمة، وهو الاقتراح الذي لم يلق قبولا من جانب الحكومة.
"دهس الطبقة الفقيرة"
وتعليقا على هذا الموضوع، قال الخبير الاقتصادي، مصطفى عطوة، إنه خلال السنوات القليلة الماضية تم "دهس الطبقة الفقيرة، والضغط على الطبقة المتوسطة بشكل لم يسبق له مثيل"، مشيرا إلى أن شدة الأزمة تزايدت في الأشهر الأخيرة بعد قرارات الحكومة بتعويم العملة المحلية ورفع أسعار السلع الأساسية بنسب كبيرة.
وأكد عطوة، في تصريحات لـ "عربي21"، أن النظام لا يهتم بإقامة تنمية اقتصادية حقيقية في البلاد، ويهمل الصناعة المحلية، لكن كل ما يهمه هو الحصول على مساعدات وقروض دولية وجذب الاستثمارات الأجنبية، مشددا على أن الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة عن مؤشرات التحسن الاقتصادي لا تمت للواقع بصلة؛ حيث يشعر المواطنون من كل الطبقات بالحالة الاقتصادية السيئة، وما يترتب عليها من غلاء أسعار في كل السلع والخدمات.
وأضاف أنه لا يوجد نشاط اقتصادي لم يتأثر بتعويم الجنيه أو تبعات قرارات صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، فإن الحكومة ما تزال ماضية في خطتها الخاصة بإلغاء كامل الدعم على باقي السلع الأساسية قبل نهاية العام الجاري، لافتا إلى أنه من المتوقع أن تتأثر أسعار سلع أخرى بهذه القرارات، ما يزيد أعباء لا تحتمل على كاهل ملايين الأسر المصرية.
"الأغلبية ساخطة"
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، محمود السعيد، إن الأوضاع السياسية لها تأثير كبير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، محملا النظام المسؤولية عن اتخاذ قرار تعويم الجنيه، والموافقة على قرض صندوق النقد الدولي، وسن القوانين التي تنظم عمل المستثمرين الأجانب في البلاد، وتمنحهم امتيازات لا يحصل عليها المصريون.
وأضاف السعيد أن ما تمر به مصر الآن من ارتفاع في الأسعار، وما يسببه ذلك من أزمات اجتماعية حادة، هي في الأساس نتيجة مباشرة لقرارات سياسية خاطئة نقلت غالبية المصريين إلى ما تحت خط الفقر، وفق المعايير الدولية، حسب قوله.
وأوضح أن الفجوة تتسع بشدة بين طبقة غنية لا تمثل سوى نسبة محدودة من المجتمع المصري، وهي التي ما زالت قادرة على تحمل الارتفاع الجنوني في الأسعار، بينما يعاني الغالبية العظمى من المجتمع من هذا الغلاء، محذرا النظام من أن طبقة أصحاب المصالح والأغنياء فقط هي التي ما زالت تدعم النظام في المرحلة الحالية، بينما أصبح غالبية الشعب ساخطين على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويريدون تغيرها بطريقة أو بأخرى.