يحزنني وبشدة أن أجد من العرب والمسلمين من يجرم حركات المقاومة العربية..
حزن موجع تضاءلت معه أحزان سابقة أثبتت، ولا شك، أن العدو قد انتصر، بل وقد تمكّن منا.
نعم.. لقد فاق ذلك كل الأحزان.. حزن على من سقط في امتحان الفرز الأول
يوم هللوا بأمجاد انقلاب غاشم تعدى كل الحدود، ومن سبّح مع تيار التغني بنهضة دويلات
طفيلية؛ نهضة لم تتعدى كَنز الأموال في أيدي حفنة حاكمة متحكمة، ومن تغنى بالنزعات
الطائفية، ومن وقف مع الربيع العربي ما دام لشيعته، وقاتله ما دام لم يستأذنه.
نعم هناك من باعوا ضمائرهم، وهناك من سلم عقله، ورضي بأن يفتنه سحرة فرعون،
وسمح لنفسه أن يخلط الأمور، فيضل الطريق ولا يميز بين صديق وعدو، وأصبحت المسألة لديه
تشيعا لطائفة أو جماعة.. فمن تشيّع لملل
إيران يتساوى تماما مع من تشيّع لأسرة آل سعود
العابثة بأقدار الشعوب منذ نشأتها، ومنهم من تشيّع لجيش سقط في براثن كامب ديفيد، فأصبح
جيش من المرتزقة يقتل شعبه ويقاتل الصديق ويحالف العدو.
لا أعتقد أنني سآتي بجديد لو عدت للتاريخ البعيد لأدلل على عمق العلاقة
الاستراتيجية التي تجمع آل سعود وآل نهيان وآل الهاشمي، وكل "الآلات"، بآل
صهيون وتبعيتهم لزارعيهم وولاة أمورهم، من مخابرات أوروبا ومن ورث التركة بعدها.
ولكني وجدت أنه من واجبي أن أذكر نفسي أولا، حتى لا تعصف بي رياح الشتات
الداخلي، ولا أسقط في فخ إحياء اللات والعزى من أصنام بني هاشم التي حطمها الرسول الكريم،
ويحييها اليوم أحفاده اللاهين في ملاهي الغرب الفكرية والجسدية.
عدت لكل ذلك، وقد عششت النكسة الكبرى في أذهاننا بعد أن أصبحت واقعا يحيط
بنا من كل جانب، وأنا أتابع حوارات المغيبين عن كل الأمور. فمنذ أصبحت كامب ديفيد واقعا
مقبولا، أصبح التنازل عن الحقوق أمرا محمودا.
لقد فقدنا الكثير، وأول ما فقدناه هي المبادئ والقيم والأخلاق.. ولا أتحدث
هنا عن مكارم الأخلاق، بل الحد الأدنى من الأخلاق الذي يتيح لنا معرفة الصواب من الخطأ.
لقد فرح من فرح لقتل أناس أبرياء، وأصبحنا نشاهد عبر شاشات التلفزيون طفلا يتلوى من
الآلام تحت أنقاض منزل دمرته طائرات وصواريخ نمولها بمالنا وصمتنا، ولا تتحرك قلوبنا؛
فقد ماتت.
وأصبحنا نخلط الهزل بالجد، ولا جد لدينا غير التسبيح والاستغفار؛ ولا
أظنه من القلب.. حتى فقد مصر للنيل شريان الحياة؛ بدلا من أن يبحث المصريون عن الحل
ويراجعوا موقفهم من الأسباب العالقة خلف ذلك الهوان، انقضوا يصبون لعنة الفراعنة على
مغنية لأنها تقوّلت على النيل.
وقد عاث تجار الرقيق من اللات البترولية خلال ديار العرب؛ يستبيحون كل
الدماء.. من دماء المصريين والسوريين واليمنيين والليبيين، وغيرهم الكثير، وبدّدوا
أموال شعوبهم في ما لذ وطاب لنفوسهم المريضة، ثم اختطفوا أبناء فصيلتهم، ولا أبكيهم.
وبعد أن أصبحت سوريا حطاما، ويقتلون الأطفال يوميا على أرض اليمن السعيد، انقضوا على
لبنان، منتهى قلوبهم المريضة، يقيلون الحكومات ويقتلون ويخطفون، فما كان من أشاوس العرب
إلا أن انقضوا يلعنون حماس وحزب الله وينعتوهما بالإرهاب!
وفاجأ بني صهيون العرب بأن أظهروا على السطح علاقتهم باللات من بني سعود
والآخرين، والتي لم تخف إلا على من توشح بالسذاجة، وردّد سحرة فرعون سؤالا خبيثا في
عباءة تتسم بالبراءة: عندما يهاجم الكيان الصهيوني
حزب الله مع من تقف؟ وإذا أصطف الكيان
مع اللات في حربها مع إيران "الشيعية" مع من تقف؟ وكأننا نشاهد مباراة لكرة
القدم، وعليك أن تختار فريقا لتشجعه، وكلنا خاسر ولا شك.
وجاء الحزن مع كل صوت أو قلم؛ ممن كان ردهم على تلك الأسئلة الوضيعة محفوفا
بالتردد والتسيس واللولوه (لو).
نعم، إيران تحمل برنامجا طائفيا وتسعى للسيطرة، ونعم إيران وحزب الله
أجرما في حق الثورة السورية، ولكن ألا يحمل اللات الخليجي ذات الأهداف؟ وألم يتنافسوا
على إسقاط الثورة السورية؟ وألم يسقطوا "سنة" مصر واليمن في براثن الفتن؟
وألم ينكلوا بثوار البحرين وليبيا، ويتنافسوا على إفشال الربيع العربي؟!
لقد فُقد الوعي العربي الجامع منذ زمن بعيد، ولن أستجيب لمن فقدوه ولن
أجيب على سؤال إجابته لدي بديهية، فأنا ضد إيران وحزب الله، صاحبي البرنامج الطائفي
وهما من يحمي نظام مجرم سوريا ويقتل أبناءها.. وأنا ضد اللات الخليجية أصحاب البرنامج
الطائفي وكل ما دون ذلك، ولا شك لدي أن الكيان الصهيوني هو العدو الاستراتيجي.
فبلا تردد، لن أقف متفرجا ولن أفقد وعيي، وسأقف دائما مع الحق أيا كان
صاحبه، وسأقف وبكل وضوح مع من لا يستمد العون من عدوي الاستراتيجي، فالثورة العربية
ليست إرهابا، والمقاومة ليست إرهابا.