هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتساءل كثير من اليمنيين عن شكل المواجهة القادمة بين السعودية وجماعة "أنصار الله" (الحوثي)، في ظل خطاب الوعيد والتهديد التي تتسم به المرحلة الحالية، لا سيما بعد إطلاق الأخيرة صاروخا باليستيا، السبت الماضي، سقط في محيط مطار الملك خالد في الرياض.
يأتي ذلك وسط أزمة عميقة بين دولة الإمارات العاملة ضمن التحالف العربي بقيادة الرياض، والرئيس عبدربه منصور هادي، قادت خلال الفترة الماضية من عمر عمليات التحالف إلى "معارك جانبية" في المحافظات المحررة (جنوب وشرق البلاد) كانت مدينة عدن المسرح الأكبر لها.
طور جديد
ويرى رئيس تحرير "الموقع بوست" (موقع إخباري محلي)، عامر الدميني، أن المواجهة ستدخل طورا أكثر جدية، حيث ستحاول السعودية السعي لتفكيك الجبهة المؤيدة للحوثي، خاصة تحالفها مع حزب المؤتمر الشعبي (يتزعمه المخلوع علي عبدالله صالح) لعزله وتضييق الخناق عليه؛ حتى يسهل تطويق الجماعة، والقضاء على التهديدات التي يمثلها بالنسبة للمملكة.
وتوقع الدميني، في حديثه لـ"عربي21"، أن تتجه الرياض لدعم جبهات القتال وتوحيدها؛ تمهيدا لشن حملة عسكرية ضد الحوثيين، لكن ذلك مرهون بـ"بدعم الحكومة الشرعية، وإعادة تنشيط العلاقة مع القوى المؤيدة لها". حسب قوله.
وبحسب الصحفي اليمني، فإن شكل المواجهة القادمة مع الحوثي يستدعي تحركا سعوديا لتقديم نموذج حي في المناطق المحررة، ما يدفع المواطنين لكسر حاجز الخوف من الشرعية والتحالف الداعم لها.
وأشار إلى أن مدينة عدن (جنوبا)، بصفتها منطقة محررة، تعيش اضطرابات، ولّدت حالة من النفور لدى اليمنيين، ودفعهم للإحجام عن التفاعل مع الحكومة التي تتخذ منها مقرا لها، ومن خلفها التحالف.
وقال إن اللافت في الأمر هو توجيه المملكة الاتهامات لإيران، بعد الهجوم الصاروخي الأخير للحوثيين، ما يبعث على التساؤل إزاء جديتها في القضاء على التهديد الذي تمثله الجماعة. مؤكدا أن اتجاه بوصلة الاتهامات صوب طهران معناه أنها (أي إيران) إذا دخلت في حوار مع الرياض، فقد تتضاءل فرص الحرب العسكرية ضد الحوثيين لصالح الحلول السياسية.
وأبدى رئيس تحرير "الموقع بوست" تفاؤله بما وصفه بـ"التجييش الذي تقوده السعودية حاليا ضد الحوثي"، ذلك أن هذا التوجه لربما يعيد الحياة للحكومة الشرعية ومكوناتها، ويضعها في الصدارة مرة أخرى، لتمثل رأس الحربة في مواجهة الحركة الحوثية ومشروعها داخل اليمن. لافتا إلى أن السلطات السعودية ربما انتبهت لهذا الأمر، وجاء لقاء الرئيس هادي بولي العهد السعودي ترجمة لهذا التوجه.
لكن رغم حالة التفاؤل التي أبداها، أوضح أن كل المعطيات السابقة ستبقى فارغة وغير عملية إذا لم يغير النظام السعودي طريقة تعامله مع حلفائه المؤيدين للشرعية.
وفي هذه الحالة، وفقا للدميني، فإن السعودية مطالبة بتقديم تطمينات لشركائها اليمنيين، والتخلي عن المعارك الجانبية التي دبت مؤخرا، خاصة تلك التي تسببت بها دولة الإمارات، المتمثلة في "التضييق على الرئيس هادي، وعدم عودته إلى عدن، إلى جانب الحملات المستمرة التي تستهدف حزب الإصلاح، خاصة في المناطق الجنوبية، وهو الحزب الأكبر في البلاد، المرتبط بشكل وثيق مع السلطات السعودية تاريخيا.
المؤشرات غائبة
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، عبدالباقي شمسان، إنه لا توجد مؤشرات حتى الآن على ملامح الشكل القادم للمواجهة مع جماعة الحوثي التي ستحدده السعودية؛ نظرا لانشغالها بترتيب البيت الداخلي، تزامنا مع تطمينات حوثية لدول التحالف بأنها لا تشكل خطرا، ولكن، نحن أمام جماعة لا عهود لها.
وأضاف، في حديث خاص لـ"عربي21"، أن الهجوم الصاروخي للحوثيين على الرياض لن يحدث أي تأثير أو يفضي إلى شكل جديد من المواجهة، فخلال العامين والنصف من عمليات التحالف، أصبح هناك واقع عملت عليه الإمارات، يتجلى في "تهيئة المناطق الجنوبية، وتأسيس تشكيلات عسكرية، والاستيلاء على الموانئ والجزر، فضلا عن المشاريع الاستثمارية والجيوسياسية المرتبطة بموانئ دبي العالمية.
ولم يذهب شمسان بعيدا عن أطروحات "الدميني" حول أولويات المواجهة المقبلة لتقويض الحوثيين من قبل المملكة، التي قال إنها "تبدأ بإعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتعزيزها وتمكينها من ممارسة صلاحياتها، والتحرك في عمليات عسكرية على تخوم صنعاء"، وهي مؤشرات على انتقال المملكة إلى شكل جديد من الحرب ضد ما وصفه بـ"حزب الله اليمني".
ولفت إلى أن إبقاء العمليات متوقفة، واستمرار بقاء الرئيس خارج البلاد، وتدهور الأوضاع المعيشية، وبقاء الحكومة مشلولة وغير قادرة على ممارسة مهامه، كل ذلك يشير إلى أنه لن يحدث أي تغيير في أولوية الإمارات التي لديها مشروع استثماري وجيو سياسي في المنطقة لن تتنازل عنه بسهولة.
وحول الصراع الدائر بين "أبوظبي" وحكومة الرئيس هادي، أبدى شمسان خشيته من أن تكتشف المملكة أنها خسرت الكثير بإيكال مهمة صياغة الجغرافيا الوطنية إلى الإماراتيين، أو أنها وثقت بما تقوم به من إضعاف الشرعية، وفصل المناطق الجنوبية، وفصل الساحل الغربي، ووضع قواعد عسكرية في الجزر، وتأثيث مختلف لا يخدم ما تم الإعلان عنه أثناء انطلاق" عاصفة الحزم" في العام 2015.
واستبعد حدوث أي تغيير في استراتيجية المملكة ضد الحوثيين؛ لأن ذلك سيتصادم مع أجندة حكومة "أبوظبي"، التي قال إنها منفصلة عن أهداف التحالف.
يأتي ذلك أيضا، وفقا للأكاديمي اليمني، وسط حالة من التنسيق بين علي صالح والسلطات الإماراتية على "الحفاظ على سلطة الأمر الواقع في محافظات الشمال (يسيطر عليها الحوثيون)، في رؤية مختلفة تماما عما يرنو إليه اليمنيون.
وأردف قائلا: "إن الرؤية الإماراتية تبقي على المخلوع صالح حليفا مهما، للقيام بمهمة تقويض الحوثيين"، يتزامن ذلك مع "تهيئة المناطق الجنوبية للانفصال عن الشمال، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بذكرى رحيل آخر مستعمر بريطاني من جنوب البلاد".
واعتبر السياسي شمسان أن تأجيل العمليات العسكرية في مأرب والمناطق المحيطة لها "عمل مدروس ومقصود"، هدفها خفض القيمة الأخلاقية والوطنية للجيش الوطني، الذي أصبح عاجزا وغير قادر على حسم المعركة والدفاع عن المطالب الوطنية.
وكانت السلطات السعودية أعلنت، السبت الماضي، أن قوات الدفاع الجوي التابعة لها اعترضت صاروخا باليستيا قادما من اليمن باتجاه مطار في شمال شرق الرياض، فيما هددت جماعة الحوثي الثلاثاء مجددا باستهداف موانئ ومطارات السعودية والإمارات؛ ردا على إعلان التحالف العربي إغلاق الحدود البرية والبحرية لليمن.