هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأ محمد بن سلمان حملته للقفز على كرسي العرش، متجاوزا العديد ممن يستحقونه من أعمامه وأبناء أعمامه، بغزو اليمن، بحجة مواجهة التوغل الإيراني هناك، وتحت شعار إعادة الشرعية. والحقيقة التي أثبتتها الأيام أن شرعية اليمن داستها أقدام الغزاة، وبات اليمن مقبرة تضم رفات الغزاة، جنبا إلى جنب مع رفات الألوف من المدنيين العزل الذين قضوا نتيجة القتل العشوائي تارة، والقصف المتعمد تارة أخرى.
ثم أدرك السعوديون والأسرة الحاكمة أن قصة ترقي محمد بن سلمان لن تمر بسهولة، بسبب تهور هذا الشاب، وأنه حتما سيقضي على الأخضر واليابس في المملكة قبل أن يستقر له الأمر.
كان لا بد لابن سلمان أن يتحرك لإقناع الغرب، الراعي الرسمي للحكام والحكومات العربية، فإذا به يخرج على العالم بقرارات اعتقال الشيوخ وعلماء الدين، بحجة أن هؤلاء خطر على الكيان الصهيوني؛ لأنهم دعاة إصلاح. وبالفعل، نجحت خطته، وغض الغرب المريض الطرف عن الاعتقالات.
ثم يمم ابن سلمان وجهه شطر الكيان الصهيوني؛ بمؤتمر فنكوش يشبه إلى حد كبير فنكوش أو فناكيش السيسي في شرم الشيخ. في هذا المؤتمر أعلن عن مشروعه "نيوم"، والذي بدا أنه عربون صداقة مع الصهاينة والأمريكيين؛ قبل أن يكون مشروعا اقتصاديا حقيقيا يفيد الشعب السعودي.
انتهى المؤتمر وشعر الجميع بخيبة الأمل، خصوصا أنه جاء بعد اعتقال الإسلاميين والإصلاحيين في المملكة، وتزايد الضغط الداخلي على ابن سلمان ووالده لكي يعدلوا من خطتهم. فلم تنجح كل تحركات واستراتيجيات تسويق ابن سلمان للداخل، لا على مستوى الشعب السعودي الذي رآه شابا متهورا طامحا للسلطة والثروة ولو بأي ثمن، كما لم يقتنع كثيرون من أبناء الأسرة بجدارة واستحقاق ابن سلمان لقيادة المملكة، فليس لديه ما يؤهله لهذا الأمر؛ اللهم إلا وجود والده على قيد الحياة، ودعم ترامب وصهره له عبر بوابات الإمارات الخلفية، وفي مقدمتها بوابة يوسف العتيبة الذي قدم ابن سلمان للمجتمع السياسي الأمريكي على أنه ليبرالي وحداثي؛ يريد فك ارتباط المملكة بالدين وإعادة تدوير رجال الدين ليكونوا في خلفية المشهد، دون تدخل في الشأن العام كما كانوا على مر عقود خلت.
يبدو من سير الأحداث أن الحرب العائلية، والتي بدأت بعزل ولي العهد محمد بن نايف، وزير الداخلية ورجل أمريكا القوي، لم تنته بعد
كشفت أحداث ليلة الأحد الماضي، والدامي أيضا، عن جزء من خطة ابن سلمان للإجهاز على ما تصوره خطة للانقلاب عليه
وفي واقعة مثيرة ومضحكة وفاشلة لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بأن ابن سلمان ليس فقط بطلا عسكريا خاض الحرب الكلامية ضد إيران وفشل في الحرب الفعلية في اليمن؛ بمقدوره خوض حرب جديدة على ما يسمى الفساد، وفي غمضة، عين أعلن الملك سلمان عن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، ونصّب ابنه عليها، كما نصبه على عدة مؤسسات مالية واقتصادية واجتماعية وترفيهية.
والعجيب أن الهيئة الوليدة، والتي لم يمر على إشهارها دقائق أو ساعات، قامت فورا بإلقاء القبض على 11 أميرا وعدد من الوزراء والمسؤولين؛ بتهمة الفساد. فكيف لها ذلك دون تحقيقات أو متابعات، وفي ظرف زمني قياسي؟ هذا يعني أن قرار إنشاء الهيئة كان غطاء حركيا لقمع أبناء الأسرة واعتقال المعارضين لتولي ابن سلمان السلطة.
أعلن الملك سلمان عن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد. ولم يمر على إشهارها دقائق أو ساعات حتى قامت بإلقاء القبض على 11 أميرا وعدد من الوزراء والمسؤولين
كيف يمكن اعتقال كل هؤلاء في ساعة محددة بتهمة الفساد، ثم يخرج محلل سعودي على شاشة سكاي نيوز عربية ليبشر العالم بأنه لا توجد قائمة ولم تنشر أسماء بعد؛ لكي نعرف من هم المتهمون وبأي تهمة يحاكمون، ثم زاد قائلا: المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟
ما يجري في المملكة الآن هو محاولة انقلاب على الانقلاب الذي جرى في رمضان الماضي، وبالتالي فقد دخلت السعودية والأسرة الحاكمة في دوامة الانقلابات، وهو أمر لم يكن مستبعدا بعد أن دعمت المملكة انقلاب مصر بقيادة السيسي، ووقف الملك عبد الله متحديا مشاعر الملايين من المصريين في أعقاب مذبحة رابعة؛ معلنا أنه يقف مع القتلة والمجرمين ضد ذوي القتلى والمصابين، وضد مؤيدي الشرعية وهم بالملايين.
لقد تغيرت الصورة والمشهد بالكلية بعد زيارة ترامب للرياض واطلاعه على خطة ابن زايد-ابن سلمان للتطبيع وعلمنة المنطقة، وسماحه لهما بمحاصرة قطر، وربما غزوها، وهو الأمر الذي لم يحدث؛ لأسباب ذكرناها في مقالات سابقة. ولكن الجديد هو أن ترامب يرى في ابن سلمان البديل المستحق لنظام حكم يراه عتيقا وغير مناسب للعصر، ولا مناسب للحرب التي يقودها أو يريد أن يقودها ترامب ومستشاروه ضد الإسلام.
لقد وقعت الأسرة المالكة في السعودية في فخ خطة ترامب، وبدأت مرحلة الحرب العائلية