هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهدت سنوات الحكم في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها عام 1932 سلاسة في انتقال الحكم من الملك إلى ولي عهده دون حدوث صراعات أو محاولات واضحة للقفز على الحكم عبر إقصاء أي طرف في العائلة الحاكمة رغم من وجود أجنحة داخلها.
ومنذ عهد عبد العزيز المؤسس للمملكة كان الحكم ينتقل بشكل فوري إلى ولي العهد الذي يجب أن يكون أحد أبناء المؤسس تبعا للمادة الخامسة من دستور نظام الحكم في السعودية "ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم" مع التأكيد أن ولي العهد "يتولى سلطات الملك عند الوفاة حتى تتم البيعة".
لكن في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز جرت محاولة لتغيير طريقة اختيار ولي العهد والتي كان ينص النظام على أن "الملك يختار ولي العهد ويعفيه بأمر ملكي" لتصبح تلك مهمة هيئة البيعة بعد إصدار نظامها عام 2006 ويلغى البند السابق ويصبح "تتم الدعوة لمبايعة الملك واختيار ولي العهد وفقا لنظام هيئة البيعة".
إقرأ أيضا: الاعتقالات بالسعودية.. مكافحة للفساد أم تصفية للخصوم؟
لكن الملك الراحل تجاوز كافة الخطوات الواردة في نظام هيئة البيعة وقام هو شخصيا باستحداث منصب ولي ولي العهد وأصبح الأمير مقرن أول من يشغل المنصب ونص البيان الملكي في حينه عام 2014 على أنه "لا يجوز بأي حال من الاحوال تعديل القرار أو تبديله بأي صورة كانت ومن أي شخص كائنا من كان أو لسبب أو لتأويل".
لكن مع وفاة الملك عبد الله وقدوم الملك سلمان بحسب تقلده ولاية العهد اختبر في بادئ الأمر الأمير محمد بن نايف وليا للعهد بدلا من مقرن ثم ما لبث أن قام بتعيين ولده محمد وليا لولي العهد لتبدأ مرحلة تنافس بين أحفاد الملك عبد العزيز على الوصول إلى عرش المملكة.
ووفق أمر ملكي صدر في حزيران/ يونيو 2017 لترتيب المسائل المتعلقة بمنصب الملك وولي العهد في المستقبل أعفى الملك سلمان ابن اخيه محمد بن نايف وعين ابنه بدلا منه وجرى تعديل المادة الخامسة من نظام الحكم لتصبح "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز.. وأبناء الأبناء ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
ويرى مراقبون أن التغييرات والقرارات الأخيرة التي اتخذت في المملكة بالإضافة لحملات الإطاحة بأمراء يمتلكون نفوذا في العائلة المالكة يشير إلى تغييرات في مستقبل وآليات انتقال الحكم في المملكة من السلاسة النسبية إلى استخدام الشدة للتخلص من كل المنافسين.
إقرأ أيضا: هكذا تناول مغردون خليجيون "اعتقالات القصور" بالسعودية
استاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس الدكتور رامي الخليفة العلي قال إن المملكة تمر بعملية انتقال صعبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ترافق مع انتقال الحكم من أبناء الملك عبد العزيز إلى أحفاده.
وأوضح العلي لـ"عربي21" أن لحظة تغيير آلية الحكم التي درجت عليها المملكة منذ تأسيسها قد حانت بعد أن كانت تقتصر على أبناء عبد العزيز لكن الحاجة برزت الآن مع وصول الأبناء إلى مراحل عمرية كبيرة للانتقال إلى الأحفاد مما خلق حالة تنافس تقتضي السيطرة وهذا ما يفعله ابن سلمان اليوم.
ولفت إلى أن رغبة المملكة في إيجاد توازنات إقليمية ودولية جديدة تدفع ابن سلمان لمثل هذه التحركات الداخلية علاوة على أخذ زمام القرار داخل العائلة المالكة ولذلك نجح في إسكات العديد من الأصوات المعارضة له واستمالة آخرين.
سياقات ثلاث
ويرى العلي أن الاعتقالات واستخدام القسوة في المملكة تأتي ضمن سياقات ثلاثة: "أولها السعي لتثبيت أركان الحكم مع وصول ابن سلمان لولاية العهد وتحضيره للفترة المقبلة".
وقال ثانيا إن "آفاق التغيير الاقتصادي ورؤية 2030 والحاجة لتطبيقها تستلزم هكذا تحركات داخلة ومزيدا من الانفتاح على الخارج".
أما السبب الثالث فيرى العلي أنه متعلق بإرسال رسالة إلى الخارج بأن هناك سعيا جديا لمكافحة الفساد بسبب حاجة المشاريع الاقتصادية الجديدة على خليج العقبة إلى جلب استثمارات كبيرة.
وعلى صعيد رد الفعل الأمريكي والأوروبي على ما يجري في الداخل السعودي قال العلي إن الغرب عموما والولايات المتحدة تريان أن نسق الحكم في السعودية يعتمد على ما يجري داخل العائلة المالكة وبالتالي ستلجأ للحوار مع من يتم اختياره.
ولفت إلى أن هناك تفهما غربيا لسياسة محمد بن سلمان وليس هناك أي ضيق من وصوله للحكم بالإضافة إلى أن هناك طموحا غربيا للتغير الداخلي في المملكة على المستويات الاجتماعية كمسألة الاختلاط وقيادة المرأة وتقليم أظافر الهيئة الدينية.