هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في تحقيق صحفي مثير للصحفي "بيتر شوارتزشتاين" بشأن مستقبل نهر النيل، موله مركز بوليترز للبحث في شؤون الأزمات ونشره بعنوان "وفاة نهر النيل"، تبدو أزمة المياه في مصر مستقبلا أكبر من تهديدات "سد النهضة الإثيوبي"، الذي سيحتجز خلفه 74 مليار متر مكعب أي نحو حصتي مصر والسودان بعد الانتهاء من تشييده.
وفاة نهر النيل لم تعد مرتبطة ببناء سد النهضة فقط، بل تجاوزته لثلاثة أسباب رئيسية، أولها أن الأزمة تبدأ من عند المنبع، حيث أدى اختلاف المناخ إلى تغير أيام المطر، وتذبذب كميات الأمطار.
ثانيهما، ارتفاع عدد سكان دول حوض النيل من 53 مليون نسمة قبل عقود إلى 500 مليون في 2030.
ثالثهما والأخطر، حتى في وجود المياه التي قد تصبح عديمة الجدوى، امتلاء نهر النيل بالسموم والقاذورات والمواد المسرطنة، خاصة عند اختراقه الحدود المصرية بداية من أسوان ومرورا بالقاهرة وانتهاء بالدلتا حتى المصب.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تنهي 60% من سد النهضة.. ومصر تستجدي المفاوضات
ويقول شوارتزشتاين: "أدى ازدياد عدد البشر الذين يعيشون في واديه إلى تلوثه واستنفاد مياهه، بينما يهدد التغير المناخي بإزالته بالمرة".
وأضاف: "ويخشى كثيرون من أن التنافس حول مياه النيل المتضائلة، قد يؤدي إلى اندلاع نزاعات إقليمية بين الدول المشاطئة له".
مصر الأكثر تلوثا وتضررا
وفي هذا الصدد؛ قال خبير الموارد المائية وأستاذ السدود، محمد حافظ، لـ"عربي21": إن "مصر فقط هي التي تعتمد على مياه النيل بنسبة 97% في حين غالبية الدول التي يمر بها النهر بكامل فروعه الثانوية، ليست في حاجة له أصلا؛ وذلك لسقوط مئات المليارات من الأمتار المكعبة من الأمطار عليها، وأنها تحتاجه فقط لتوليد كهرباء".
وفيما يتعلق بالتغير المناخي، أكد أن "التغيير المناخي يؤثر كثيرا على حجم فيضان النيل كل عام. وهناك دراسات تؤكد انخفاض حجم الفيضان خلال عامي 2015 و 2016 ليصل لقرابة 50% من حجم الفيضان المعتاد. ولكن التغير المناخي يؤثر أيضا بالزيادة كما يؤثر بالنقص".
ولكنه حذر من أن أكثر نقطة يبدأ يتلوث فيها النيل "هي في مصر من بعد السد العالي، حيث تصب شركة كيما للصناعات الكيماوية بأسوان كميات كبيرة من النفايات، بالإضافة لمخلفات الصرف الصحي الصادرة عن آلاف القرى والنجوع الواقعة على نهر النيل، فالمصريون هم فقط الذين يلوثون نهر النيل".
واستبعد "حافظ" وقوع صراعات بين دول حوض النيل بسبب المياه لأن "جميع تلك الدول لديها فائض في المياه، وتعتمد على الأمطار باستثناء مصر، لذا هي الوحيدة المرجحة للدخول في صراع مع إثيوبيا في حال قامت بحجز مياه النيل الأزرق، التي تمثل مساهمته قرابة 60% من إجمالي حصة مصر، أي قرابة 30 مليار متر مكعب، ما يعني تبوير 5 ملايين فدان وتضرر 15 مليون نسمة".
نهر النيل والشيخوخة
فيما قال أستاذ الأراضي والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية، محمد نوفل، لـ"عربي21": إنه "لا يمكن اعتبار نهر النيل نهرا خالدا لا يتأثر بشيء، فهو الآن في أسوأ حالاته، ويرثى له خاصة في الجزء المصري منه".
وأكد أن تلوث نهر النيل أحد أهم أسباب أمراض المصريين، وأنه "لايوجد إرشاد زراعي أو مائي للمزارعين، وبالتالي يتلوث نهر النيل بالمخلفات السامة من خلال الترع والمصارف، وتعد عملية خطيرة؛ لأن معظم الأمراض تنتشر في الوسط المائي"، مضيفا "ناهيك عن أنه لا توجد لدينا معالجة حقيقية لمياه الصرف الصحي وبالتالي تعود مرة أخرى للنيل، وعدم وجود خطة لمواجهة نبات (ورد النيل) الذي يستهلك نحو 10 مليارات متر مكعب من المياه ".
ومع استمرار الزيادة السكانية، طالب نوفل "بإيجاد بدائل، فهناك 97 مليون نسمة وحصتهم نحو 55 مليار متر مكعب، وبقسمتها على عدد السكان يصبح متوسط حصة الفرد من المياه 500 م مكعب فقط، تشمل نصيبه من الزراعة والصناعة والري والشرب، وهو رقم ضئيل، إذا علمنا أن حد الفقر المائي ألف متر مكعب"
اقرأ أيضا : إيكونوميست: كيف يمكن أن يؤثر تغير المناخ على نهر النيل؟
ومن بين تلك البدائل ضرب مثلا "بالسعودية التي ليس لديها أنهار، ولكن لديها محطات عملاقة لتحلية مياه البحر، والأردن الذي بدأ اعتماد أسلوب المكثفات للسحاب، وإسقاط مطر صناعي"، متسائلا: "أين نحن من هذا الكلام؟ أين مصر؟ بلا شك لدينا قصور كبير، وعدم إدارة".
بدائل نهر النيل
أما خبير الاقتصاد الزراعي، ورئيس مجلس إدارة المجموعة المصرية الفرنسية للاستثمار، محمود عمارة، فرأى أنه لا مخاوف "من جفاف أو موت نهر النيل، سواء نتيجة التغير المناخي، أو زيادة عدد السكان".
ولكنه أوضح في تصريحات لـ"عربي21": "أن كل ما هنالك أن حصة الفرد من المياه، سوف تقل إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، خلال السنوات والعقود المقبلة بسبب تلك المتغيرات".
ودعا إلى تجنب تلك الأزمة من خلال إيجاد بدائل لنهر النيل "كالاعتماد على تحلية مياه البحرين (المتوسط والأحمر)؛ خاصة أن مصر تطل على ساحلين طويلين، وهناك دول تعتمد على تحلية مياه البحر في شربها وريها، وإذا نظرنا إلى إسرائيل سنجد أن تكلفة متر المياه المكعب نحو 8 سنتات فقط نزولا من 12 سنتا، فمع التقدم البشري سوف تصبح تحلية المياه، أرخص بكثير مستقبلا".
وأكد أن "ما تنفقه مصر على علاج المصريين جراء شرب المياه الملوثة، وري الأراضي الزراعية بمياه الصرف، قد يصبح أكثر من ثمن تحلية مياه البحر، وعلى المسؤولين إيجاد البديل اليوم قبل غد".