هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف المجلس الأعلى للحسابات عن المذكرة التقديمية للتقرير الذي رفعه إلى الملك والذي رصد عددا من الاختلالات في تنفيذ برنامج الحسيمة جوهرة المتوسط والتي قرر بموجبها ملك المغرب إعفاء أربعة وزراء حاليين وحرمان خمسة سابقين من التعيين في أي مسؤولية وعددا من المسؤولين العموميين.
برنامج بلا رؤية
قالت المذكرة التقديمية لتقرير المجلس الأعلى للحسابات: "تبين من دراسة مكونات هذا البرنامج أنه لم ينبثق عن رؤية استراتيجية مندمجة تتقاسمها جميع الأطراف، إذ تبين أن إعداد المشاريع المكونة لهذا البرنامج لم يتم بالدقة المطلوبة".
وسجلت المذكرة أن "الجدول الزمني التوقعي لإنجازها اكتفى بتحديد المساهمات السنوية للأطراف المشاركة، إذ أنه في غياب المبالغ المرصودة لكل مشروع على حدة، تبقى هذه المساهمات ذات طابع تقديري".
وأضافت أن "الاتفاقية-الإطار التي تم توقيعها أمام الملك، كان على كل من وزارة الداخلية وولاية الجهة أن تتأكد أنها مدعمة بمستندات أساسية كقائمة المشاريع المدرجة في البرنامج والتقديرات المحينة للتكاليف المرتقبة ومصادر التمويل، عوض اقتصارها على مقتضيات ذات طابع عام".
ولاحظت "أن اللجنة المحلية للتتبع والتنسيق لم تتمكن من تعبئة جميع المتدخلين بشكل يضمن المساهمة الفعلية والدينامية اللازمة لانطلاق البرنامج على أسس متينة".
وزادت: "أما بالنسبة للجنة المركزية، فلم تتطرق إلى نقاط أساسية كالجدول الزمني لإنجاز المشاريع المبرمجة أو الميزانيات المتعلقة بها، إلا خلال اجتماعها الأول المنعقد في فبراير 2017، أي بعد 16 شهرا من توقيع الاتفاقية-الإطار".
وذهبت المذكرة: "كان من الأنسب أن تكون مهام القيادة على مستوى الحكومة واللجنة الوزارية للتتبع، وليس على مستوى عامل الإقليم، خصوصا خلال مرحلة انطلاق البرنامج، وذلك لمعالجة الإكراهات المتعلقة أساسا بمحتوى المشاريع، وتعبئة العقار، والتمويل، والقيام بالتحكيم كلما دعت الضرورة إلى ذلك".
وسجلت المذكرة أن "عدة أطراف عللت أسباب تعثر إطلاق المشاريع بتوصلها المتأخر بوثيقة الاتفاقية-الإطار وعدم برمجة الاعتمادات المالية، بالإضافة إلى صعوبات واجهتها في تعبئة العقار".
تعثر التنفيذ
وسجلت المذكرة التقديمية أن "انطلاقة البرنامج اتسمت ببطء، حيث أنه منذ التوقيع على الاتفاقية الإطار في أكتوبر 2015 وإلى غاية شهر فبراير 2017".
وأوضحت المذكرة: "لاحظ المجلس ضعف، بل غياب أية مبادرة فعلية للشروع في إنجاز المشاريع من قبل أغلبية المتدخلين على المستويين المركزي والمحلي".
وزادت أنه "من بين 644 مشروعا مبرمجا لم تسجل حصيلة سنة 2016 سوى إنجاز 5 مشاريع بقيمة 146.8 مليون درهم (14 مليون دولار) والبدء في إنجاز 45 مشروعا آخرا بقيمة 565 مليون درهم (56 مليون دولار)".
ومن جهة أخرى، كان من المفروض إيلاء عناية خاصة لتعبئة العقار نظرا للإكراهات المتعلقة به على صعيد الجهة والمرتبطة أساسا بندرة الوعاء العقاري وتكلفته المرتفعة وتعدد أنظمته القانونية من ملك خاص، وأوقاف، وأملاك مخزنية، وأراضي المياه والغابات.
إشادة بالحكومة الجديدة
وقالت المذكرة: "بعد تنصيب الحكومة الجديدة، وخاصة بعد المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 25 يونيو 2017، لاحظ المجلس دينامية جديدة أدت إلى تسجيل تحسن ملموس في تنفيذ البرنامج. وبناء على الوثائق المدلى بها حول وضعية تقدم إنجاز المشاريع، فإنه وإلى غاية متم سبتمبر 2017، ارتفع عدد المشاريع في طور الإنجاز أو في مرحلة الانطلاق إلى 512 مشروعا، بمبلغ إجمالي قدره 3.9 مليارات درهم (300 مليون دولار)".
وزادت: "تم التوقيع خلال الفترة ما بين يناير ويوليو 2017 على 12 اتفاقية خاصة بين وكالة تنمية أقاليم الشمال ومجموعة من الأطراف، أسندت بموجبها للوكالة مهمة (صاحب المشروع) قصد إنجاز عدد مهم من المشاريع".
وكالة تنمية الشمال.. خطر على المشاريع
واعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن قرار تكليف الوكالة بإنجاز عدد كبير من المشاريع بمبلغ إجمالي يفوق 3 مليارات درهم، أي 46 بالمائة من مجموع ميزانية البرنامج، يعرض تنفيذ المشاريع إلى مجموعة من المخاطر من حيث التتبع والتكلفة والآجال، بحيث يتساءل المجلس حول قدرة الوكالة على تنفيذ برنامج من هذا الحجم ينضاف إلى برامجها الاعتيادية التي تنجزها في أقاليم الشمال الأخرى، وذلك بالنظر إلى إمكانياتها البشرية المحدودة".
و"يرى المجلس أن اللجوء المتسرع إلى خدمات الوكالة من طرف عدة قطاعات وزارية، كالتربية الوطنية والصحة والشبيبة والرياضة والثقافة والبيئة، يبقى غير مبرر ويعكس ميلا نحو التملص من التزاماتها على حساب هذه الوكالة، وذلك بالرغم من توفر هذه الوزارات على القدرات اللازمة والخبرة الكافية لإنجاز مشاريع مماثلة يتم تنفيذها بصفة اعتيادية على الصعيد الوطني".
وأوصى "المجلس الأعلى للحسابات هذه القطاعات الوزارية بتسريع القيام بالدراسات الأولية الضرورية، واقتناء وتصفية العقار، والحرص على صرف مساهماتها المالية إلى الوكالة بشكل منتظم، والعمل على تدعيم المصالح التابعة لها على المستوى المحلي لضمان تتبع ملائم لإنجاز مشاريعها".
تباطؤ واختلالات
وسجلت المذكرة التقديمية لتقرير المجلس الأعلى للحسابات ملاحظات على عدد من الوزارات والمؤسسات العمومية، وقدمت توصيات للخروج بها مما تعانيه المشاريع.
و"لاحظ المجلس بالنسبة لوزارة السكنى وسياسة المدينة، أن الاتفاقية التي أبرمتها الوزارة مع وكالة تنمية الشمال لم يتم التأشير عليها إلا في أغسطس 2016، وأنه من أصل 220 مليون درهم (22 مليون دولار) المرصودة لسنتي 2016 و2017، لم تحول منها لفائدة الوكالة إلا 50 مليون درهم (5 ملايين دولار)".
وأوصى "المجلس بالتسريع في إنجاز الدراسات المتعلقة بتدعيم وتقوية التربة في حي بوجيبار. كما يوصي الوزارة بدعم وكالة الشمال عن طريق التتبع عن قرب للمشاريع التي تدخل ضمن اختصاصاتها".
وسجل المجلس "التأخر في إطلاق برنامج إنعاش السياحة بالإقليم، ودعا إلى تدعيم وتنويع أنشطة الترويج التي تم القيام بها خلال صيف 2017 وذلك اعتبارا لأهمية السياحة في اقتصاد المنطقة".
وأوصى المجلس "المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بتأمين تزويد المنطقة بالماء الصالح للشرب الذي يشكل مصدر قلق للسلطات المحلية واستدراك التأخر المسجل في إنجاز محطة تحلية مياه البحر وكذا مشروع ربط شبكة الماء بسد بوهودة".
ودعا التكوين المهني وإنعاش الشغل، إلى "الحرص على إنجاز مركزي التكوين المهني ببني بوعياش وإساكن لضمان افتتاحهما في الدخول المدرسي المقبل، وتدارك التأخر الحاصل في الإعلان عن طلبات العروض وإسناد الصفقات التي لم تتم إلا في شهر أكتوبر الجاري".
مؤسسات سرعت وتيرة العمل
وسجلت المذكرة أن "المجلس لاحظ تسريعا في وتيرة الإنجاز من قبل قطاعات وزارية أخرى كالتجهيز والماء والفلاحة والمياه والغابات، بالرغم من أن مشاريعها انطلقت بشكل بطيء. حيث أن بعض الوزارات دعمت بشكل ملحوظ برامجها مما يجعلها في وضعية تمكنها من تحقيق أهدافها في الآجال المحددة".
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات "الوزارة المكلفة بالتجهيز، بتسريع إنجاز مشاريع فك العزلة عن الإقليم بصفة عامة، ولا سيما المقاطع الطرقية المندرجة في برنامج منارة المتوسط والتي ارتفعت ميزانيتها من 464 إلى 714 مليون درهم (71 مليون دولار)، بالإضافة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بإتمام أشغال الطريق السريع تازة- الحسيمة في أقرب الآجال، وذلك نظرا لأهميته بالنسبة للمنطقة".
وواصلت المذكرة "نظرا لحساسية إشكالية الماء في المنطقة، يتوجب على الوزارة إيلاء اهتمام خاص لمختلف مشاريع التزود بالماء التي تشرف عليها كل من كتابة الدولة في الماء ووكالة الحوض المائي والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب".
وتابعت: "بخصوص وزارة الفلاحة وإلى غاية آخر سبتمبر 2017، قامت الوزارة بتعبئة مبلغ 233 مليون درهم، مما يغطي 182 بالمائة من البرنامج الأصلي للمسالك الطرقية القروية و102 في المائة من برنامج غرس الأشجار المثمرة. وقد عرف هذا البرنامج تسريعا في وتيرة إنجازه بعد انطلاقة صعبة تعزى إلى الطابع الفصلي لعملية غرس الأشجار المثمرة وكذا إلى ضرورة تجميع الفلاحين في منظمات مهنية".
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بتسريع إنجاز الدراسات بالنسبة للمتحف البحري وبعد أن تم تحديد وعائه العقاري، لضمان إطلاق هذا الورش في أقرب الآجال.
وأوصى "المجلس الأعلى للحسابات المندوبية السامية للمياه والغابات بتسريع إنجاز الدراسات المرتبطة في إنجاز متحف إيكولوجي بالحسيمة ومرصد علمي بحري في إمزورن بشراكة مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، بهذين المشروعين والتي تتطلب خبرة خاصة".
أموال غير مبررة
وزادت المذكرة: "تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الإطار خصصت مبلغ 1.2 مليار درهم (120 مليون دولار) كمساهمة من وزارة الداخلية لفائدة المجلس الإقليمي ومبلغ 600 مليون درهم (60 مليون دولار) من وزارة المالية لفائدة مجلس الجهة، دون تحديد المشاريع المزمع تمويلها بواسطة هذه المساهمات.
وتابعت: "وحتى بعد التوقيع على الاتفاقية الإطار، فإن وزارتي الداخلية والمالية لم تقوما بإعداد برامج استعمال هذه المساهمات بالتشاور مع المجلسين المعنيين".
وسجلت: "تبعا لذلك، قامت وزارة الداخلية بتحويل مساهمتها نحو وكالة الشمال عوضا عن المجلس الإقليمي. أما بالنسبة للجهة فقد توصلت بمبلغ 250 مليون درهم (25 مليون دولار) من وزارة المالية، ظل مجمدا لمدة سنة كاملة في غياب برنامج للاستعمال، ليتقرر بعد ذلك تحويله إلى وكالة تنمية الشمال من أجل تمويل برنامج طرقي إضافي لوزارة التجهيز".
توصيات وحلول
أوصى المجلس الأعلى للحسابات بـ"ضرورة إسناد رئاسة اللجنة المركزية للتتبع لوزير الداخلية. كما يجب أن تجتمع هذه اللجنة في أقرب الآجال من أجل البت في المشاكل التي لا زالت تعيق تنفيذ البرنامج والمرتبطة أساسا بتعبئة التمويل اللازم وتصفية العقار وإتمام الدراسات".
وألزم المجلس "اللجنة المركزية بالسهر على انسجام البرنامج سواء فيما يتعلق بمكوناته أو فيما يخص علاقته بباقي البرامج الاقتصادية والاجتماعية المنفذة على مستوى الجهة كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، وصندوق التنمية الفلاحية".
وأفاد: "يجب على اللجنة المركزية أن تجتمع بصفةدورية، كل 3 أشهر على الأقل، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك. ويتعين على كل الأطراف الالتزام بتعيين مسؤول سام، من مستوى كاتب عام أو مدير، يكلف بتتبع إنجاز المشاريع المتعلقة بإدارته".
ودعا إلى "تحديد وتيرة شهرية لاجتماعات اللجنة المحلية من أجل تتبع إنجاز المشاريع عن قرب وإرساء آليات للتنسيق ورفع التقارير باعتماد مؤشرات مناسبة".
وأوصى بـ"إيلاء انتباه خاص للمخاطر التي تهدد وكالة الشمال بالنظر إلى الحجم الكبير للمشاريع التي أصبحت مكلفة بها، والسهر على أن يقوم كل طرف متعاقد معها بتحمل مسؤولياته فيما يخص تنفيذ وتتبع المشاريع المسندة للوكالة".
واقترح "المجلس الأعلى للحسابات الاستناد على منجزات برنامج منارة المتوسط من أجل بلورة برنامج مندمج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة".
ورغم أن التقرير ترتبت عليه جزاءات وإعفاءات فإن المراقبين سجلوا أن التقرير لم يجب عن سؤال من وضع برنامج الحسيمة منارة المتوسط؟ في ظل إعلان رئيس الحكومة السابق أنه تابع على شاشة التلفزة التوقيع على اتفاقيات البرنامج وهو جالس في بيته، واعتراف التقرير بأنه لم تحكمه رؤية أو استراتيجية مندمجة.