هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد أشهر من الانتظار والترقب، نجحت الحكومة اليمنية الشرعية بمدينة عدن قبل أيام في إيصال دفعة جديدة من الأموال التي طبعتها في روسيا عبر الميناء، وذلك بعد محاولات مضنية لإيصالها جوا عبر إحدى الطائرات، لكن القوات التي تسيطر على مطار عدن وبتوجيهات من القوات الإماراتية، رفضت السماح للطائرة المحملة بالأموال بالهبوط في المطار؛ مما دفع الحكومة لإعادة شحن الأموال وإيصالها إلى مدينة عدن بحرا. ولم تنته المصاعب بوصول هذه الأموال إلى ميناء عدن، لكن الأمر استدعى وساطة سعودية لإقناع القوات الإماراتية بالسماح بإيصال هذه الأموال إلى مبنى البنك المركزي بمدينة عدن، وبحراسة من قوات الحماية الرئاسية الموالية للشرعية؛ خشية تعرضها للنهب والمصادرة من قبل كتائب مسلحة تمولها دولة الإمارات، وهي الدولة التي تقود الآن ـ في الواقع ــ قوات التحالف العربي في اليمن.
تفيد الأخبار بأن القوات الإماراتية بعدن أصدرت أوامر بعدم السماح لإخراج الأموال من الميناء؛ مما تسبب بحالة شد وجذب وتوتر الأوضاع حينها، وكاد ان يحدث ما لا يحمد عقباه لولا تدخل قائد القوات السعودية بعدن، وتمكنه من إقناع الإماراتيين بالسماح بدخول شحنة الأموال، وإيجاد حل للتوتر الذي كان مسيطرا على الجميع ساعتها.
هناك مفارقات في المشهد اليمني تستعصي على الفهم؛ ففي مدينة عدن التي تقيم فيها حكومة الدكتور أحمد بن دغر، التي سبق أن أعلنتها عاصمة مؤقتة لليمن، تعجز هذه الحكومة الشرعية عن إيصال الأموال التي طبعتها في روسيا عبر الجو، وتقوم القوات الإماراتية التي قدمت لدعم ومساندة الشرعية بتوجيه القوات التي تسيطر على المطار بعرقلة وصول الأموال إلى البنك المركزي التابع للشرعية!
في يوم السبت 12 أغسطس/ آب 2017م أصدر البنك المركزي بعدن بيانا رسميا، أكد فيه أن خلية تابعة للتحالف العربي –في إشارة واضحة إلى الإمارات التي تدير عدن أمنيا- مَنعت إنزال أموال جاءت جوا إلى المطار الدولي.
وأضاف بيان البنك المركزي الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية " سبأ "، أن البنك " يواجه صعوبات بالغة في ترتيبات النقل والتوريد بسبب إعاقة إنزال هذه الأموال جوا إلى مطار عدن الدولي، من قِبَل خلية التحالف لأسباب مجهولة منذ أبريل/ نيسان 2017م، ولعدد (13) رحلة تم إلغاء تصاريح نزولها إلى عدن وتوريدها إلى خزائن البنك المركزي دون مبرر أو تفسير واضح "!
هذه الأموال التي طبعت في روسيا هي رواتب للموظفين في القطاع العسكري والمدني ونفقات تشغيلية للمؤسسات الحكومية، وقد تأخرت لثمانية أشهر كاملة ومنع وصولها للبنك ومن ثم للموظفين، يعني حرمان مئات الآلاف من الأسر اليمنية في المناطق المحررة من دخلها الوحيد، وتجويعها لثمانية أشهر دون ذنب أو جريمة ارتكبتها، سوى رغبة القوات الإماراتية بعدن في إذلال هذه الأسر وتجويعها وعرقلة الشرعية عن مهامه، وإفشالها عن أداء دورها ومهامها، وخنق الإقتصاد اليمني ليواصل التدهور حتى يصل للانهيار التام.
لقد سبق أن طالب محافظ البنك المركزي بعدن منصر القعيطي مرارا بتحييد البنك المركزي ودعم استقلاليته، حتى يؤدي عمله بالشكل المطلوب وللأسف لم يستجب له أحد.
كما طالب خبراء اقتصاديون وأكاديميون بتحييد الجانب الاقتصادي في اليمن، وعدم إخضاعه للحسابات السياسية، وطرحوا مبادرات وحلولا وبآليات تطبيقية عملية، ولكن هذه المطالبات والدعوات لم تلق استجابة من أي طرف، لتظل رواتب الموظفين ولقمة عيش الملايين من اليمنيين رهينة للحسابات السياسية وتقلباتها.
ورغم هذه الممارسات من القوات الإماراتية بعدن التي تعمق من جوانب الفشل لدى الحكومة الشرعية، إلا أن هذه الحكومة لم تتخذ موقفا قويا وجادا ولم تنتصر للقمة عيش اليمنيين، وفضلت قياداتها أن تبدو عاجزة مغلوبة على أمرها.
ومثلما هذا هو الحال في العاصمة المؤقتة للشرعية عدن، يبدو الحال أسوأ في محافظة تعز شبه المحاصرة من قبل الحوثيين والمغضوب عليها من قبل الشرعية بتوجيهات إماراتية، رغم أن افتتاح فرع البنك المركزي بتعز يعطي بصيص أمل بانتظام وصول رواتب الموظفين بتعز، ولو بعد حين.
لكن الإنصاف يقتضي القول بأن الوضع في محافظتي مأرب وحضرموت أفضل بكثير، ففي هذه المناطق التي تخضع للشرعية تصرف الرواتب فيها بانتظام، وهذا بفضل جهود السلطة المحلية في هذه المناطق، خاصة ان محافظتي حضرموت ومأرب هي أكثر انتاجا وتصديرا للنفط والغاز في اليمن.
أما في المناطق التي تخضع لسيطرة سلطة الحوثيين والمؤتمر، فالحال أسوأ بكثير؛ إذ إن هناك حوالي مليون موظف لم يستلموا منذ عام سوى نصف راتب شهر كل 10 أشهر، وتعزو السلطة في صنعاء السبب إلى نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وتتهم الحكومة الشرعية بعدن بالنكث بوعودها التي قطعتها للأمم المتحدة بأن تصرف الرواتب لجميع المناطق والمحافظات، كما أن هذه السلطة ترى في الواقع أن صرف الأموال على جبهات الحرب هو الأولوية قبل صرف الرواتب للموظفين.
وللأسف اختلفت السلطة في عدن وصنعاء على كل شيء، ولكنهم اتفقوا مع التحالف ـ في الواقع ــ على أمر واحد وهو : تجويع اليمنيين.
ومثلما تستمر الحرب في جبهات عديدة باليمن دون نهاية قريبة تلوح في الأفق، يستمر مسلسل التجويع لملايين اليمنيين وبتوجيهات من قوات التحالف التي قدمت لدعم الشرعية ومساندتها كما كانت تقول!!ا
السبيل الأردنية