تفاقمت أزمة نقص
الأدوية الحيوية والمحاليل الطبية في السوق
المصري في الفترة الأخيرة، ما أدى إلى توقف العمليات داخل عدد من
المستشفيات العامة والخاصة، وتعطل أقسام الطوارئ الأمر الذي يهدد حياة ملايين المرضى.
ومن بين الأدوية الحيوية التي اختفت تقريبا من الأسواق؛ حقن البنسلين طويلة المفعول، بالإضافة إلى أدوية الأورام وضغط الدم والكبد والتخدير الكلي والسكتة الدماغية ومضادات الفيروسات، وغيرها.
وتسبب نقص الأدوية في انتعاش السوق السوداء، حيث ارتفعت أسعار بعض الأصناف إلى أكثر من 25 ضعف سعرها الأصلي.
نفي حكومي
وإزاء هذه الأزمة المتفاقمة، اكتفت وزارة الصحة بنفي وجود نقص في الأدوية أو المحاليل الطبية، وتحدثت عن وجود مخزونات تكفي احتياجات المواطنين، متهمة مواقع التواصل الاجتماعي بالوقوف وراء شائعات وجود نقص في الأدوية.
وفي الأيام الأخيرة، ظهر تناقض كبير بين الأرقام المعلنة من قبل وزارة الصحة وتقارير نقابة الصيادلة التي أكدت وجود نقص في نحو 1500 صنف من الدواء، في حين تصر الوزارة على أن النقص يقتصر على 15 صنفا فقط.
كما أعلن المركز المصري للحق في الدواء، في تقرير له قبل أسبوعين، أن ما يقرب من 1400 صنف من الأدوية والمستلزمات الطبية؛ غير متوفرة في الأسواق.
أزمة مصطنعة؟
من جانبه، قال مساعد وزير الصحة السابق لشؤون الطب العلاجي، هشام شيحة، إن المخازن المملوكة لأصحاب الشركات، وبعضهم أعضاء بالغرفة التجارية ونقابة الصيادلة، تمتلئ بالأدوية، كما أن العديد من
الصيدليات الخاصة تقوم بتخزين الأدوية الحيوية تحسبا لقرار رسمي بزيادة أسعارها خلال أيام.
وأكد شيحة، في حديث صحفي الأربعاء الماضي، أن أزمة نقص الأدوية ما زالت قائمة على الرغم من الزيادات الكبيرة في الأسعار لمرتين خلال العامين الأخيرين، والتي كان مبررها وقتئذ العمل على توفير الأدوية في الأسواق، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وأوضح أن الأزمة الحالية هي أزمة مصطنعة من جانب أصحاب المصانع وشركات التوزيع حتى تجبر الحكومة على زيادة ثالثة في الأسعار، خاصة وأن كثيرا من الأصناف الناقصة لا يمكن الاستغناء عنها وليس لها بديل آخر.
لوبي تجارة الدواء
وتعليقا على هذه الأزمة، قال الناشط الحقوقي بمركز الحق في الصحة، علي الغنام، إن نقص الأدوية هي أزمة مستمرة منذ ثلاث سنوات تقريبا، مشيرا إلى أن الأزمة مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية المتدهور والسياسات الفاشلة التي تطبقها الحكومة.
وأضاف الغنام، في حديث لـ"عربي21"، أن مصر تستورد كل احتياجاتها من الدواء تقريبا من الخارج، ومع ارتفاع سعر الدولار بعد تعويم الجنيه، أصبح هناك نقص شديد في أنواع كثيرة بسبب ارتفاع أسعارها.
وأوضح أن السبب الرئيس في هذه الأزمة هو "لوبي تجارة الدواء الذي يتحكم فيه أعضاء بنقابة الصيادلة، والذين يسمحون لصيدليات وتجار معروفين باحتكار الدواء وتخزين أصناف حيوية في مخازنهم، ثم بيعها بأضعاف ثمنها".
وأوضح أن هناك أدوية كثيرة مكدسة داخل "مخازن كبار التجار الذين يتعاملون مع الدواء باعتباره سلعة وليس علاجا يمكن أن ينقذ مريض من الموت"، معتبرا أن "تجارة الدواء في مصر أصبحت أسوأ من تجارة المخدرات، ويشارك فيها مسؤولون في وزارة الصحة، ولذلك لا تستطيع الوزارة أن تراقبهم أو تتدخل لحل المشكلة"، كما قال.
وتابع: "السبب الثاني للأزمة هو انعدام الرقابة على بيع وتداول الدواء"، وقال إن "وزارة الصحة ليس لها أي دور حقيقي، وتكتفي فقط بنفي وجود أزمة من الأساس".
سوق سوداء مزدهرة
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة؛ أن مشكلة الدواء في مصر بدأت مع سياسة الخصخصة، "حينما تمت خصخصة قطاع الدواء الحكومي الذي كان ينتج 95 في المئة من احتياجات مصر من الدواء، وبعد الخصخصة وبيع شركات الدواء التي كانت تنتج وتصدر الدواء للخارج، أصبحنا ننتج 3 في المئة فقط ونستورد الباقي"، مضيفا: "ومن هنا جاءت الكارثة؛ لأننا جعلنا المريض تحت مقصلة رجال الأعمال الذين لا يهمهم شيء سوى جمع الأموال"، وفق قوله.
وأضاف عطوة، لـ"عربي21" أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر أثرت على كل ما يتم استيراده من الخارج ومن بينها الأدوية، بعد انخفاض قيمة العملة المحلية نتيجة لقرار تعويم الجنيه، وأصبحت تكلفة استيراد الأدوية أكبر بكثير من ذي قبل، "بينما ترفض الحكومة رفع أسعار الدواء خوفا من الغضب الجماهيري، ومن هنا نشأت السوق السوداء".
وأكد عطوة أن التجار والمستوردون أصبحوا متحكمين في جزء كبير من احتياجات السوق المصري من الدواء، "وأصبحوا يمارسون نوعا من أنواع الاحتكار، بعد أن تحول بيع وتداول الدواء إلى تجارة بلا رقيب"، متوقعا أن تستمر أزمة نقص الدواء لفترة طويلة بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية.