تعرض أمناء الشرطة في مصر لسلسلة من الإجراءات وُصفت بـ"الانتقامية" و"العقابية" خلال الفترة الماضية، وكانت بمثابة انتكاسة لكل المكاسب التي حققوها بعد ثورة يناير 2011، من خلال التجمع والتظاهر وغلق أقسام الشرطة، والإضراب عن العمل.
كان أبرز تلك المكاسب إلغاء المحاكمات العسكرية، والسماح للأمناء بالتدرج الوظيفي إلى رتبة ضابط الشرف، وتحسين الرواتب والبدلات، وإنشاء نواد وائتلافات خاصة بهم.
ويسعى وزير داخلية الانقلاب، اللواء مجدي عبد الغفار، إلى إخراج جيل أمناء الشرطة الذين تخرجوا من "معهد أمناء الشرطة" (ألغي عام 2005) وقضوا 20 عاما في الخدمة، وما زالوا في منتصف الأربعينيات من عمرهم، باستحداث "معهد معاوني الأمن" الذي يقبل خريجي الشهادات الإعدادية.
اقرأ أيضا: فصل ونقل آلاف أمناء الشرطة بمصر.. ترويض أم إجراء روتيني؟
فصل وتسريح وحبس
وفي تموز/ يوليو الماضي، نقل عبد الغفار جميع أفراد وأمناء الشرطة ممن تخطوا 20 عاما في عملهم، وأحال نحو ألفي أمين شرطة إلى المعاش، وفقا لتعديلات قانون الشرطة الجديدة، ممن عُرف عنهم قيادة مظاهرات واحتجاجات الأمناء، على رأسهم المنسق العام لائتلاف أمناء الشرطة، أحمد مصطفى، وحبس آخرين، كالقيادي في الائتلاف منصور أبو جبل، وآخرين.
وفي واحد من أكثر القرارات صدمة للأمناء، جاء تشكيل لجنة تقييم أفراد الشرطة لمد الخدمة أو إنهائها، في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث يخضع خريجو دفعات ما قبل عام 1995 لتقييم أمني سنوي يتيح للوزير الحق في إحالتهم إلى التقاعد والمعاش، أو التمديد لهم عاما بعام.
"قرارات انتقامية"
ووصف أمين الشرطة "م. س" بمديرية أمن الشرقية، وأحد زملاء أبو جبل، القرارات الأخيرة بـ"الانتقامية"، و"غير عادلة، وتهدف إلى القضاء على جيل كامل من أمناء الشرطة بسيئهم وجيدهم، في مخالفة واضحة لأبسط قواعد العمل الشرطي".
وقال لـ"عربي21": "لجنة التقييم هي سيف مسلط على رؤوس أمناء الشرطة، خاصة القدامى منهم، تجعل مستقبلهم مرهونا بجرة قلم من مديرهم أو مسؤولهم المباشر، وليس لزيادة الانضباط واحترام القانون كما يدعون".
وأعرب الأمين عن شعوره بالسخط من سلسلة الإجرات الأخيرة بحقهم، قائلا: "ما يحدث هو أسوأ من عصر العادلي ومبارك"، في إشارة إلى حبيب العادلي، وزير داخلية الرئيس المخلوع حسني مبارك"، معتبرا أن "ما يحدث هو حملة استبدال جماعية، ولأول مرة لا نستيطع الاعتراض".
سياسة كسر الأعناق
وقال الخبير الأمني، العميد محمود قطري، لـ"عربي21"، إن "أمناء الشرطة لم تقلم أظافرهم بل كسرت أعناقهم"، مضيفا: "أوضاعهم كانت مزرية في عهد حبيب العادلي، وعقب ثورة يناير ثاروا واحتجوا على تلك الأوضاع، وحصلوا على حقوق ومزايا كثيرة، ولكن طلباتهم زادت عن الحد، واستمرأوا الأمر، وحاولوا التأسد على ضباط وقيادات الشرطة".
وأكد أن "عهد دولة أمناء الشرطة، البالغ عددهم نحو 400 ألف، أي 10 أضعاف ضباط الشرطة، واستمدوا قوتهم من عددهم الكبير وائتلافهم القوي الذي كونوه وكانوا يديروه بالهاتف، ولى بلا رجعة؛ بسبب تصرفاتهم وسلوكياتهم الخاطئة"، وذلك "بعد استقرار الأمور شيئا ما"، مستدركا بالقول: "لكن من وجهة نظري أن الأمور لم تستقر؛ لأن الأمن المصري يعمل بطريقة خاطئة، وغير علمية، ولا يوجد أمن وقائي يمنع الجريمة قبل وقوعها؛ وهو فشل أمني ذريع"، كما قال.
تبييض صورة النظام
وعلق المحلل السياسي، سيد أمين، بالقول إن "إلغاء أمناء الشرطة والتخلص منهم هو مجرد محاولة لتحسين صورة الشرطة، خاصة أن صورة الأمناء الذهنية سيئة للغاية لدى مخيلة الشعب، بقيام بعضهم بنهب الشعب لصالحهم الشخصي ولا يفيدون النظام الحاكم بشيء".
وأضاف لـ"عربي21": "ولأن السيسي يريد نهب الشعب، ولكن لصالح مجموعات أخرى تمثله من الطغمة الحاكمة، كالمستثمرين ورجال الأعمال ورجال الجيش وكبار قيادات الشرطة والقضاء، قرر إعادة توجيه أموال الفساد بدلا من أن تذهب كرشاوى لأمناء الشرطة تذهب كرسوم خدمات ومصالح"، بحسب تعبيره.
وأكد أن "نظام السيسي يريد تقويض نفوذ الشرطة ليحل محلها جهاز المخابرات وشركات الأمن المأجورة، كشركات "جي فور إس" البريطانية، وفالكون المصرية المخابراتية، وذلك في إطار ما يمكن تسميته بخصخصة الشرطة، خاصة أن اللعب على نغمة الأمن القومي سيكون كبيرا في المرحلة المقبلة"، وفق تقديره.