يخوض سياسيون ونواب في
مصر؛ معركة قانونية بهدف تعديل قانون العقوبات، لإلغاء عقوبة ازدراء الأديان؛ باعتبارها "سيفا مسلطا على رقاب المبدعين والمفكرين"، على حد قولهم.
وكان نواب علمانيون قد تقدموا عدة مرات بذات المشروع خلال دوري الانعقاد الأول والثاني للبرلمان، لكن تم رفض المقترح، بعد جدل وخلافات حادة بين مؤيدي ومعارضي التعديل.
ففي الانعقاد الأول للبرلمان، تقدم النائب محمد زكريا محي الدين بمقترح مماثل، لكن الحكومة رفضت مشروع التعديل خلال مناقشته أمام اللجنة التشريعية لمجلس النواب، وحذرت من خطورة تمريره.
وفي بداية دور الانعقاد الثاني، تقدم ثلاثة من النواب، من بينهم آمنة نصير الأستاذة بجامعة الأزهر، باقتراح التعديل مجددا، لكن اللجنة التشريعية رفضته.
وفي تصريحات لصحيفة "اليوم السابع" الاثنين الماضي، أكد النائب محي الدين عزمه على إعادة تقديم المقترح مرة أخرى خلال دور الانعقاد الحالي (الثالث) الذي بدأ الشهر الجاري، ومن المنتظر أن يناقش البرلمان هذا المقترح لاحقا.
وقالت آمنة نصير إن تقديمها مقترح إلغاء عقوبة ازدراء الأديان جاء بسبب "إساءة استخدامه لتحقيق أهواء شخصية، وتحميل الإسلام ما لا يحتمل"، مضيفة، في مداخلة هاتفية مع قناة "دريم" الأحد الماضي، أن مادة ازدراء الأديان "تحمل الكثير من العوار وتتناقض مع الدستور الذي ضمن حرية الإبداع"، وفق قولها.
كما اعتبرت نصير أن "القانون الحالي الذي يعبر عن ديكتاتورية فكرية، يجعل من السلطات حماة للدين، رغم تأكيد أن الإسلام على حرية
الفكر والاعتقاد"، بحسب تعبيرها.
تأجيج للفتنة
ويقول مفكرون وسياسيون علمانيون إن عقوبة ازدراء الأديان تعد أحد أنواع "الإرهاب الفكري"، لكن سياسيين وقانونيين حذروا من أن مشروعات القوانين المقدمة للبرلمان بشأن إلغاء عقوبة ازدراء الأديان ستؤدي إلى "تأجيج الفتنة الطائفية" بين أبناء الشعب، وأن الباحثين سيستغلونها عن الشهرة للتطاول على الأديان السماوية، ما ينذر بكارثة مجتمعية، وفق تحذيرات معارضي إلغاء العقوبة.
وفي مؤتمر هيئات الإفتاء بالعالم الذي اختتم أعماله في القاهرة الخميس، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب؛ إن الهجوم على الأزهر يتزامن مع "مطالب بإباحة الشذوذ ومساواة المرأة والرجل في الميراث وزواج المسلمة بغير المسلم.
وأوضح الطيب أنه "أصبح من المعتاد الهجوم على الأزهر وإدانة مناهجه لمحاولة تشويه صورته في عيون المسلمين"، مشيرا إلى أن توقيت هذا الهجوم يكون دائما بعد "وقوع حوادث إرهابية، أو عندما يحرز الأزهر نجاحا في تحقيق رسالته في الداخل أو الخارج"، كما قال.
حملة ممنهجة
وتعليقا على المقترح، قال العالم الأزهري عبد المنعم صبحي؛ إن نوابا وسياسيين محسوبين على التيار الليبرالي والعلماني "يحاولون بشتى الطرق اللعب على عقول المصريين، وينتقدون الدين وثوابته ويزيفون التراث الإسلامي"، بحسب تعبيره.
واعتبر صبحي، في حديث لـ"
عربي21"، أن هؤلاء "يقومون بهذه المحاولات المستميتة بهدف إقامة دولة علمانية في مصر، مستغلين الأوضاع السياسية الحالية في البلاد ويتذرعون بمكافحة الإرهاب".
وحول الانتقادات المستمرة على الأزهر وشيخه، أشار صبحي إلى أن الدستور أكد أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن الأزهر هو المرجعية الأساسية للمسلمين، "لكن هناك جهات في الدولة لا تريد أن يكون للأزهر أي دور سياسي، وهذا ما لا يسمح به شيخ الأزهر على الإطلاق"، وفق تقديره.
وأضاف: "يسعون بكل جهدهم لإلغاء قانون ازدراء الأديان حتى يواصلوا حملتهم الممنهجة ضد الأزهر الشريف"، محذرا من مغبة إلغاء عقوبة ازدراء الأديان "لأنها ستكون ذريعة للملحدين والعلمانيين في نشر أفكارهم المتطرفة"، على حد قوله.
سيتراجعون في النهاية
من جانبه، استبعد المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع أن يوافق البرلمان على إلغاء العقوبة، مشيرا إلى أن مجلس النواب يضم بين أعضائه مجموعة من خريجي الأزهر ونوابا تربطهم صلات قوية بالمؤسسات الدينية في البلاد، مؤكدا أن الدستور وقانون العقوبات يجرمان ازدراء الأديان.
وأضاف ربيع لـ"
عربي21" أن "مناقشة البرلمان لهذا الأمر ستفتح عليه بابا كبيرا من الانتقادات القانونية والدينية، وستدخله في معارك لا نهاية لها مع أكثر من جهة"، مرجحا أن ينتهي الأمر في النهاية إلى الإبقاء على عقوبة ازدراء الأديان دون تغيير.
وتعليقا على الهجوم على الأزهر، قال ربيع: "الشهور الماضية أثبتت أن الأزهر ما زال كيانا قويا له ثقل في البلاد، ولم تستطع أي جهة ترويضه حتى الآن، وتبين أن محاولات تشويهه غير مجدية على الإطلاق، والجميع رأى ما حدث للباحث إسلام البحيري عندما تطاول على الدين الإسلامي ومؤسسة الأزهر".