كان استفتاء أكراد
العراق على الاستقلال، برعاية زعيمهم مسعود برزاني، مقامرة ربما جعلت حلمه بإقامة دولة صعب المنال أكثر من أي وقت مضى.
وجاء التصويت في الاستفتاء الذي أجري يوم 25 سبتمبر/ أيلول لصالح الاستقلال بأغلبية ساحقة، لكنه أثار احتمال نشوب حرب أهلية جديدة في العراق قد تجر قوى إقليمية. وتقول بغداد إن التصويت غير مشروع.
وقبل بضعة أشهر فحسب، كان المقاتلون الأكراد، المعروفون باسم البشمركة، والقوات الشيعية المدعومة من
إيران، يعملون جنبا إلى جانب لهزيمة تنظيم الدولة في الموصل.
لكن هذا التعاون لم يدم طويلا؛ إذ انتزعت القوات العراقية يوم الاثنين السيطرة على
كركوك، وهي مدينة نفطية مهمة للبلد المصدر للنفط يعتبرها الأكراد أيضا قلب دولتهم.
وتعارض إيران وتركيا استقلال الأكراد، وتكتسب الفصائل الشيعية التي تمولها طهران نفوذا في جميع أنحاء العراق. في الوقت نفسه، تفاقمت الانقسامات بين الحزبين في الائتلاف الكردي الحاكم.
وقال جاسم البهادلي، وهو محلل مقيم في بغداد وخبير في شؤون الجماعات الشيعية المسلحة، إن الأكراد يديرون هذه المناطق منذ سقوط الرئيس الأسبق صدام حسين في 2003، وإن تغيير هذا الوضع في طرفة عين قد يجعل الوضع برمته بمثابة الغرق في رمال متحركة.
وذكر أن وجود الفصائل الشيعية في المناطق، التي كان يسيطر عليها الأكراد، سيساعد في خلق توترات قد تؤدي إلى صراع طويل الأمد.
وقال إن الحساسيات قد تتطور إلى عداوات قد تؤجج شرارة حرب أهلية.
*أزمة قيادة
دافع برزاني وحزبه الديمقراطي
الكردستاني عن الاستفتاء.
وقال المتحدث باسمه، فاهال علي: "كان التحرك الصحيح. لا أحد سيمنعنا من تحقيق الاستقلال".
لكن لم تحظ الفكرة بدعم من كل أكراد العراق الذين خاضوا حربا أهلية دموية فيما بينهم خلال
التسعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي أثار شكوكا بشأن إدارة أي دولة مستقلة.
وقال حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يعرض الأكراد للخطر؛ بسبب المعارضة الشديدة للاستفتاء من جانب أطراف دولية، بينها الولايات المتحدة، الحليف الوثيق للأكراد.
واتهمت القيادة العامة للبشمركة في أربيل معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني إيران، وهي حليف تاريخي للاتحاد الوطني الكردستاني، بمساعدة القوات العراقية في شن الهجوم في منطقة كركوك.
وقالت القيادة العامة في بيان: "للأسف، تعاون بعض مسؤولي الاتحاد في هذه المؤامرة ضد شعب كردستان، وارتكبوا خيانة تاريخية كبرى ضد كردستان... (عندما) أخلوا بعض المواقع الحساسة لقوات الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني دون مواجهة".
وأضاف البيان: "من غير الممكن كسر إرادة شعب كردستان والسماح بانتصار خصوم شعب كردستان من خلال تنفيذ هذه المؤامرة".
ونسبت وكالة تسنيم للأنباء إلى علي أكبر ولايتي، وهو مستشار كبير للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، قوله إن إيران لم تلعب دورا في عمليات كركوك.
ونفى دبلوماسي غربي كبير أيضا أن يكون لإيران دور في العمليات.
وقال: "هذه خرافة. سبق أن حمل برزاني آخرين مسؤولية أخطائه، بما في ذلك حزب الاتحاد الوطني
الكردستاني. لكن هذه خرافة تستهدف الحصول على دعم من الأمريكيين".
وتوفي زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني بعد أسبوع تقريبا من الاستفتاء، ما زاد من ضبابية المشهد أمام الأكراد.
وقال شوراس شيركو جدي، وهو مسؤول في حركة كوران، أكبر حركات المعارضة الكردية، إن الأكراد الذين بنوا تدريجيا إقليما يتمتع بالحكم الذاتي في الشمال، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، يواجهون الآن أزمة قيادة.
وأضاف: "قد تندلع حرب أهلية بسبب كركوك. آمل ألا يحدث ذلك. إذا حدث ذلك فسيشجع هذا إيران وتركيا على التدخل".
*مطامح طهران
لكن إيران مثل تركيا، يساورها القلق من أن التصويت سيشجع الأقلية الكردية التي تعيش على أراضيها على الضغط من أجل إقامة وطن خاص بهم، ولم تخف مطامحها المتنامية في العراق.
والشخصية الإيرانية الأبرز في العراق هو الميجر جنرال قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، الذي يقدم التدريب والسلاح للجماعات الشيعية التي تدعم الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
وقال فاهال علي إن سليماني ظهر في كركوك قبل ليلتين من هجوم قوات الأمن العراقية. وأكد مصدر إيراني في العراق هذه الراوية، وقال إن سليماني ظهر لمدة "ساعتين هناك لتقديم التوجيه العسكري".
وقال مسؤول مقرب من الرئيس الإيراني حسن روحاني: "لم تعد المساعدة العسكرية التي تقدمها إيران سرا. يمكنك العثور على صور للجنرال سليماني في العراق في كل مكان".
وأضاف: "الآن، وبجانب القضايا السياسية، فإن نفط كركوك عنصر مهم للغاية لإيران، وهي بلد عضو في منظمة أوبك. سيطرة أعداء إيران على حقول النفط هذه سيكون كارثيا بالنسبة لنا. لماذا ينبغي أن نسمح لهم بدخول سوق النفط؟"
ويسعى الأكراد لإقامة دولة مستقلة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، على الأقل، عندما قسمت القوى الاستعمارية الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، الأمر الذي أدى لتقسيم الأراضي التي يسكنها الأكراد بين تركيا وإيران والعراق وسوريا.
وكثيرا ما يتهم الأكراد الغرب بعدم مساعدتهم خلال فترات محنتهم. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة لن تنحاز لأي جانب في الصراع الحالي بين الأكراد والحكومة المركزية.
ويخشى البعض من أن الاستفتاء، الذي منح رئيس الوزراء حيدر العبادي فرصة لتعزيز سلطته، أبعد حلم الاستقلال عن متناول أيديهم.
وحظرت بغداد الرحلات الدولية للمطارات الكردية، وفرضت إجراءات مالية عقابية.
وقال جدي: "كنا نسيطر على مطاراتنا. كنا نسيطر على حدودنا. كنا ندير إقليمنا بشكل ذاتي. الآن ليس لدينا شيء. وبرزاني هو المسؤول عن ذلك".