نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب كولام لينش، حول فشل
الأمم المتحدة في إنقاذ حياة
الروهينغا في
ميانمار، بالرغم من التحذيرات، مشيرا إلى أن فرار روهينغا ميانمار كان يجب ألا يشكل مفاجأة للأمم المتحدة.
ويقول لينش إنه "لأكثر من ثلاث سنوات، كان هناك عدد من الأصوات المحذرة من داخل الأمم المتحدة من الخطر الذي تواجهه الأقلية المسلمة في ميانمار، ودعت تلك الأصوات إلى الضغط على حكومة ميانمار لوقف انتهاكاتها".
وتنقل المجلة عن الممثل السابق للأمم المتحدة في ميانمار، وأحد أبرز الناقدين لها تشارلز بيتري، قوله: "كان السؤال دائما هو متى (يتم الاعتداء على الروهينغا) وليس إن (كان سيقع)".
ويعلق الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا إن "هؤلاء المنتقدين واجهوا مقاومة شرسة من أكبر المسؤولين في الأمم المتحدة، الذين خشوا من أن فضح حكام ميانمار سيعقد الجهود في توجيه البلاد خلال التحولات السياسية الحساسة من الحكم العسكري إلى الديمقراطية، ويعرض جهود الأمم المتحدة في التنمية والمساعدات الإنسانية في البلد للخطر".
ويشير لينش إلى أن "هناك اليوم حوالي نصف مليون من الروهينغا في بنغلاديش، في موجة من التطهير العرقي على يد قوات الأمن في ميانمار، التي تعد الروهينغا أجانب".
ويرى الكاتب أن "أزمة اللاجئين متجذرة في تاريخ طويل من التمييز ضد الروهينغا في ميانمار، لكن قصور الأمم المتحدة في التفاعل مع الأزمة هو من صنعها، فهو نتيجة الخلافات حول السياسة، وحيز النفوذ بين الأقسام المختلفة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى قرار السماح لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن يعين المسؤول الأول والمنسق المقيم في المحطات المختلفة في العالم".
ويقول لينش إنه "لكون عمل البرنامج يعتمد على تعاون الحكومات، فإنه ابتعد تاريخيا على التعامل مع القضايا السياسية الشائكة، أو التصدي لتلك الحكومات عندما ترتكب الاعتداءات، بحسب الناقدين، ما أدى إلى انتشار ثقافة الصمت في المحطات الإقليمية التابعة للبرنامج، الأمر الذي قاد إلى اتهام الأمم المتحدة بالتواطؤ من ميانمار إلى سريلانكا".
ويضيف الكاتب أن "الأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ضغط نحو إصلاحات تنهي صلاحية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعيين المسؤول الأول والمنسق المقيم وتحويل تلك الصلاحية لمكتبه، حيث يرى دعاة هذا التوجه أن هذا الإصلاح سيمنح الأمين العام إمكانية جمع دوائر المنظمة المختلفة خلفه في سياسة موحدة، وقد شرح غوتيريس في اجتماعه الأول مع كبار المستشارين الخطوط العريضة لخطته في وضع المسؤول الأول والمنسقين المقيمين في أكثر من 130 محطة في العالم تحت سلطة مجموعة الأمم المتحدة، التي ترأسها نائبته وزيرة البيئة النيجيرية السابقة أمينة محمد".
وتورد المجلة نقلا عن المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إريك سولهيم، قوله في مذكرة لموظفيه يصف الاجتماع: "هناك إجماع كبير على أن نظام المنسق المقيم يحتاج إلى تغيير.. ويحتاج أن يكون منفصلا عن البرنامج الإنمائي؛ ليسمح بتمثيل أصح لأقسام الأمم المتحدة كلها".
ويعلق لينش قائلا إنه "مع ذلك، فإن هذا الجهد يواجه بمقاومة من أقسام الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية؛ بحجة أن ذلك قد يضعف من مكانتها ميدانيا، بحسب مصدر دبلوماسي رفيع المستوى، كما أن بعض الدول النامية، بالإضافة إلى روسيا والصين تلقت هذه الأنباء بشيء من الخوف؛ لاعتقادها بأن الإصلاح سيضع سلطة كبيرة في يد الأمين العام، وقد يستخدم تلك الصلاحيات للتدخل في الشؤون الداخلية، أو يلقي عليهم محاضرات بخصوص احترام حقوق الإنسان".
ويقول بيتري، الذي طرد من ميانمار في تشرين الأول/ أكتوبر 2007؛ بسبب نقده للحكومة العسكرية: "أخشى إن لم يستطع الأمين العام تحقيق الإصلاحات أن يكون هناك المزيد من الميانمارات".
ويلفت الكاتب إلى أن "غوتيريس دخل بشكل كبير على فراغ سياسي بخصوص ميانمار، عندما تم انتخابه العام الماضي، وكانت الأمم المتحدة قد ألغت منصب الموفد الخاص لميانمار، وهو مؤشر إلى أن المجتمع الدولي ينظر إلى التحول الديمقراطي في ميانمار، الذي تقوده أونغ سان سو تشي، على أنه يسير بشكل جيد، وأنه تم تجاوز الحاجة للتدخل الأجنبي في البلاد".
ويفيد لينش بأن "حكومة ميانمار أوضحت للأمين العام للأمم المتحدة خلال الأشهر الأولى في منصبه، بأنها لن تقبل ممثلا خاصا جديدا، كما رفضت الحكومة، التي لطالما أنكرت وجود مشكلة حقوق إنسان في ميانمار، اقتراح غوتيريس استبدال المنسق المقيم ريناتا لوك-ديسالين بمسؤول أكبر للتعامل مع الوضع السياسي والحقوقي المتدهور. وبعد أن يئس من تحقيق شيء عن طريق الدبلوماسية الهادئة، خطا غوتيريس خطوة غير عادية بأن طلب مباشرة من مجلس الأمن ليضغط باتجاه الهدوء وضبط النفس، محذرا من أن ميانمار تواجه (كارثة إنسانية)".
ويستدرك الكاتب بأن "الأزمة تفاقمت، فبعد مقتل 9 من الشرطة على يد جيش إنقاذ روهينغا أراكان، فإن الجيش قام بالانتقام، بحرق قرى الروهينغا، ما اضطر 70 ألفا من الروهينغا إلى الهجرة إلى بنغلاديش".
وتنقل المجلة عن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة أندرو غيلمور، قوله لأعضاء مجلس الأمن يوم الجمعة: "قد يكون سبب الأزمة الحالية في ولاية راخين، التي قد تكون حاليا أخطر أزمة حقوق إنسان في العالم، هو الهجمات التي قام بها مسلحون
مسلمون.. لكنها نتيجة عقود من التمييز الممنهج ضد شعب الروهينغا".
وينوه لينش إلى أن مستشار أستأجره مكتب الأمم المتحدة في يانغون حذر في شهر نيسان/ أبريل في تقرير داخلي، بأنه مجرد وقت قبل وقوع موجة عنف، وكتب المستشار ريتشارد هورسي في التقرير السري: "المؤشرات كلها تشير إلى أن المتمردين الإسلاميين سيشنون هجوما ضد قوات الأمن الميانمارية خلال الستة أشهر القادمة، ما سيثير هجوما لا يميز للجيش ضد الروهينغا المسلمين الذين لطالما عانوا من العنصرية".
وتبين المجلة أن المستشار لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ليام ماهوني، كتب في 2015، نقدا لدور المنظمة في ميانمار، رسم صورة عميقة من الفشل، مشيرة إلى أنه كانت هناك خلافات بين المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، التي خبأت المعلومات عن بعضها، وقللت من شأن اعتداءات النظام.
ويشير الكاتب إلى أن ماهوني وجه نقده الأكبر لـ لوك- ديساليان، متهما إياها بفشلها في رفع صوتها في وجه السياسات التمييزية التي أخضعت الروهينغا إلى نظام أبارثايد، وجعلتهم يعيشون في مخيمات تنفق عليها الأمم المتحدة، وأضاف ماهوني أن ميانمار بحاجة إلى مصادقة الأمم المتحدة، للقول بأن البلد حقق التحول الديمقراطي بنجاح، لكن الأمم المتحدة أخفقت في أن تستخدم هذه الحاجة لفرض معاملة أفضل للروهينغا، واستمرت في اتباع سياسة حذرة، التزمت فيها الصمت، لدرجة تميل إلى دعم وتسهيل استراتيجيات الدولة التمييزية.
ويقول لينش إن مندوب الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زين رعد الحسين ونائب الأمين العام السابق جان إلياسون، اللذين كانا مكلفين يتطبيق مبادرة الأمين العام السابق بان كي مون، الداعية لجعل حقوق الإنسان مركز عمل الأمم المتحدة الميداني، تحديا هذه السياسة.
ويستدرك الكاتب بأن تلك الجهود ووجهت بمقاومة شديدة من المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك، والمبعوث الخاص السابق فيجي نامبيار، بحسب مسؤولين سابقين في الأمم المتحدة، ووثائق داخلية للمنظمة.
وتذكر المجلة أن جان إلياسون ضغط منذ أواخر عام 2015 باتجاه استبدال لوك-ديساليان بشخص أكثر خبرة في مناطق الأزمات، وأكثر استعدادا للضغط على الحكومة بشأن حقوق الإنسان، لكن كلارك وقفت في وجه هذه الجهود، بحسب مسؤولين كبيرين سابقين في الأمم المتحدة.
وقالت كلارك إنه كانت هناك نقاشات من وقت لآخر حول استبدال لوك- ديساليان، لكن في غياب أسباب قاهرة لسحبها من منصبها بقيت فيه، وأضافت أنها تعد مسألة حقوق الإنسان، التي يعاني منها الروهينغا، مسألة خطيرة، وأنها بحثتها مع أونغ سان سو تشي مباشرة.
وقالت في حديثها مع "فورين بوليسي" إن المسؤولين بحثوا دائما عن أفضل طريقة للتأثير على قضايا حقوق الإنسان في ميانمار، وإن تصويرها بأنها غير مبالية أو ضد القضية "ليس فقط خطأ، بل يشكل تشويه سمعة محسوبا، وهو ما آمل ألا ترتكبه (فورين بوليسي)".
ويختم لينش مقاله بالإشارة إلى أن نامبيار دافع عن موقفه، بالقول إنه كان يتحدث مع المسؤولين في حكومة ميانمار، وتحدث مع أونغ سان سو تشي، طالبا منها زيارة ولاية راخين، لكنه كان ضد توبيخ الحكومة علنا، حيث ستكون النتائج عكسية.