قال
خبير الأمن الإسرائيلي،
يوسي ميلمان، إن الرئيس الأمريكي،
دونالد ترامب، تصرف لأول مرة كرئيس قوة عظمى منذ دخوله البيت الأبيض، لافتا إلى أن
خطابه حول
الاتفاق النووي مع
إيران هو خطوة "حكيمة" من شأنها أن تدفع بالمسؤولين الإيرانيين إلى مراجعة أوراقهم.
وأوضح ميلمان، في مقال نشره، الأحد، بصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الرئيس الأمريكي لم يحطم القواعد، باعتبار أنه "لم يعلن انسحاب الولايات المتحدة من توقيعها على الاتفاق النووي للقوى العظمى الستة مع إيران. ولم يطلب إلغاءه بل تعديله وتحسينه فقط".
وأوضح ميلمان أن ترامب "نقل لفترة مرحلية عبء الحسم منه إلى الكونغرس، إلى إيران وإلى باقي الدول الخمسة الموقعة عليه"، مشيرا أنه "من ناحية تكتيكية هذه خطوة حكيمة. فهي من شأنها أن تدخل زعماء إيران في حالة ضغط وتدفعهم لأن يفكروا إذا كان ينبغي لهم الآن أن يعيدوا النظر في المسار الذي اتخذوه في السنتين وربع السنة منذ التوقيع على الاتفاق"، على حد تعبيره.
وقسم خبير الأمن الإسرائيلي خطاب الرئيس الأمريكي إلى ثلاثة أجزاء: الخطابية، والحقائق، والخطوات العملية.
وقال ميلمان في مجال الخطابية، استخدم ترامب اصطلاح "الشر" لتعريف إيران. وهكذا فإنه يسير في أعقاب الرئيس رونالد ريغان الذي وضع اصطلاح "إمبراطورية الشر" في 1983 تجاه الاتحاد السوفيتي، وجورج بوش الابن الذي وصف كوريا الشمالية، والعراق، وإيران كـ "محور الشر".
ولفت ميلمان إلى أن إيران عادت لتلعب دور النجم على رأس دول الشر (إلى جانب كوريا الشمالية) بعد مهلة من ثماني سنوات لحكم الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما. وقال إن ترامب عدد كل "جرائم" إيران من قبيل: "دعم منظمات الإرهاب، حزب الله، حماس وكذا القاعدة، مساعدة النظام الإجرامي للأسد في سوريا، الذي استخدم السلاح الكيميائي ضد مواطنيه، التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، السعي إلى الهيمنة الإقليمية وانتهاك حقوق الإنسان في الداخل".
وقال إن ترامب سعى إلى التلميح بالأخطاء التي ارتكبها سلفه في المنصب أوباما. حيث يسعى في كل مناسبة في السياسة الداخلية (الصحة، الامتيازات الضريبية) والخارجية، لإلغاء "إرث أوباما".
وفيما يخص "ناحية الحقائق"، قال ميلمان إن الرئيس ترامب سار على "حبل دقيق"، يرتبط ويتأرجح بين عمودين. الأول هو للحقيقة والثاني هو لحقيقة أقل.
وسجل الخبير الأمني أن ترامب "كان محقا حين ادعى بأنه كان يمكن الوصول إلى اتفاق نووي أفضل، لأن إيران كانت على شفا انهيار اقتصادي. كما أنه كان دقيقا حين وصف بأن إيران تخرق روح "الاتفاق" في أنها تمنع المراقبين الدوليين من زيارة منشآت عسكرية مشبوهة بتطوير سلاح نووي وتطور صواريخ بعيدة المدى يمكنها أن تحمل رؤوسا متفجرة نووية. ولكنه لم يكن دقيقا ولم يقدم أدلة متماسكة عن أن إيران تخرق بنود الاتفاق".
وأوضح ميلمان إلى أن الرئيس الأمريكي "لم يفعل ذلك، لأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية، الإسرائيلية والغربية لم تجد هذه الأدلة".
وأكد أن "إيران بالفعل تنفذ بنود الاتفاق نصا ولكنها تستغل كل ثغرة، كل غموض وكل صياغة مزدوجة اللسان كي تمس بروح الاتفاق".
وقال إنه "من هذه الناحية، كان الخطاب هو صوت ترامب أما اليدان فيدا نتنياهو. فقبل نحو شهر دعا رئيس الوزراء من على منصة الأمم المتحدة العالم إلى "تعديل أو إلغاء" الاتفاق النووي. وأمل نتنياهو أن يلغيه ترامب، أما الرئيس الأمريكي فيفضل، حاليا على الأقل، المطالبة بتعديله".
وتساءل الخبير الإسرائيلي حول مصير الاتفاق، وقال إن ترامب خلق في خطابه وضعا من عدم اليقين. "فهو ومستشاروه يأملون بأن تبدأ إيران بالتصبب عرقا من جديد. أن تبدأ مرة أخرى بالتخوف من ثقل ذراع الولايات المتحدة، فيما يكون في الخلفية التهديد لاستئناف العقوبات الاقتصادية عليها. وكتلميح عما سيأتي، وبالتوازي مع الخطاب، أعلنت وزارة المالية الأمريكية عن نيتها فرض المزيد من العقوبات على الحرس الثوري. ولكنها تفرض بقوة دور الحرس الثوري في مساعدة منظمات الإرهاب وبحكم دوره في تطوير الصواريخ، وليس بسبب الخروقات للاتفاق النووي".
وشكك في أن تقع إيران في الفخ، ويحتمل أن "تقرأ الخدعة" لترامب وتعرض تهديداته كأداة فارغة، على حد تعبير ميلمان.
وأشار ميلمان إلى نشوء وضع من "دهاء التاريخ"، وقال إنه بضغط الكونغرس، حيث توجد أغلبية جمهورية، اضطرت إدارة أوباما على الموافقة على بند يقضي بأنه إذا لم "يصادق" الرئيس على الاتفاق النووي، سينتقل الحسم إلى الكونغرس. وقد فعل الكونغرس الجمهوري ذلك كي يمس بالرئيس الديمقراطي.
وأضاف: "أما الآن، حين يكون الرئيس من الجمهوريين، فسيضطر الكونغرس الذي تحت سيطرتهم إلى أن يتخذ حسما صعبا: هل سيلغي الاتفاق؟ وهل سيفرض على إيران عقوبات جديدة؟".
وتابع: "ليس مؤكدا أنه توجد اليوم أغلبية في الكونغرس لخطوات كهذه. بسبب علامات الاستفهام الكثيرة عن سلوك وشخصية ترامب، فقد ازداد عدد خصومه حتى في المعسكر الجمهوري. بمعنى أنه توجد إمكانية أن يمس الكونغرس الجمهوري بالرئيس الجمهوري بالذات".
وأوضح: "توجد بالطبع مشكلة أن هذا اتفاق متعدد الأطراف وبالتالي حتى لو فرض الكونغرس عقوبات جديدة، وينبغي لهذه أن تكون ناجعة، فينبغي أيضا أن يكون كل باقي الدول الخمسة الموقعة على الاتفاق، ستنضم إلى الخطوة. أما حاليا فقد أعلنت أنها تعارض".
وختم ميلمان قراءته لخطاب ترامب بالقول، إن "خطاب ترامب هو مثابة خطاب بصيغة "امسكوني". ليس مؤكدا أن يكون شركاؤه في الاتفاق (وكذا إيران) مستعدين لعمل ذلك".