تعكس الأحداث الجارية على الساحة
الفلسطينية، تغيرا واضحا في الموقف
المصري تجاه قطاع
غزة وحركة "
حماس"، وسط تساؤلات كثيره عن أهدافه ودوافعه.
وقال محللون سياسيون لـ
"عربي21"، إن زيارة رئيس المخابرات المصرية، خالد فوزي إلى قطاع غزة، بصحبة وفد إعلامي، وتغير الخطاب الرسمي مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، يكشف مدى جدية الجهد المصري لتحقيق
المصالحة الفلسطينية.
وأضافوا أن مصر تسعى لتعزيز دورها العربي والإقليمي من خلال دعمها الكبير لإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي.
دور مرتقب
وتستضيف المخابرات المصرية في هذه الأيام، لقاءات مكثفة تجمع فيها بين حركتي "حماس" و"فتح"، لضمان إتمام نجاح المصالحة الفلسطينية.
وزار رئيس المخابرات المصرية، رام الله وغزة الاثنين الماضي لمتابعة تسلم حكومة الوفاق الفلسطينية مهام عملها في قطاع غزة.
وقال فوزي مخاطبا قادة "حماس" خلال تواجده بغزة: "سيذكر التاريخ أنكم وحدتم الشعب الفلسطيني، وأنكم قادرون على تحقيق الوحدة حتى النهاية".
وبين وصف مصر لـ"حماس" بأنها حركة "إرهابية"، واستضافة مكتبها السياسي على أرضها مؤخرا، والتوسط لتحقيق المصالحة، أكد القيادي في "حماس" والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، يحيى موسى، أن "كل المحاولات التي بذلت بالطرق الخشنة لاحتواء حماس ودفعها للخروج من المشهد السياسي، لم تفلح".
وأضاف في حديثه لـ
"عربي21"، أنه "نتيجة لذلك حصل نوع من الاستدارة من كافة الأطراف، بأن تخرج من المشهد الإداري بالطرق الناعمة؛ من خلال المصالحة".
وعبر النائب موسى، عن خشيته أن "تقوم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عبر مدخل المصالحة، بعمليات ابتزاز للكل الفلسطيني؛ سواء طرف السلطة أو المقاومة"، مشددا على أهمية أن يكون "المجموع الفلسطيني طرفا وضامنا في هذه المصالحة، مع الانتباه بشأن حقوقنا الوطنية".
تخصص المخابرات
وحول الهدف من التغير الحاصل في الموقف المصري، ذكر القيادي في "حماس"، أن "القضية الفلسطينية، هي مجال حيوي لمصر وعلاقاتها الخارجية، ولذلك فهي كدولة محورية يجب أن تكون قضيتنا في قلب نشاطها وعملها الدبلوماسي".
ولفت إلى أن "مصر تعاني من مشاكل عدة، وتعتبر أن فلسطين وخاصة قطاع غزة جزء من مجالها الأمني الحيوي، وبالتالي هي معنية بتأمين حدودها، والسبيل الصحيح لتحقيق ذلك، هو قيام علاقات شراكة مع غزة، بدلا من أن تكون تلك العلاقات متوترة".
وبشأن دور مصر في ضمان تحقيق المصالحة، أوضح النائب، أن هناك "تصميما وجدية غير مسبوقة في الدور المصري بشان نجاح المصالحة، ومواكبة لكل خطوات العمل على الأرض وتذليل العقبات، وليس أدل على ذلك من وجود وزير المخابرات المصري، وطواقم عمله على أرض غزة خلال تسلم حكومة الوفاق لمهماتها".
وأشار موسى، إلى أن "وزير المخابرات في النظام المصري، هو شخصية سياسية في المقام الأول، وتمثل الرئاسة المصرية مباشرة، ولذلك لا يمكن التعامل مع غزة باعتبار البعد الأمني فقط، لأن الملف الفلسطيني مثله مثل ملفات أخرى، هي ملفات من اختصاص المخابرات العامة المصرية".
وقال: "وهذا يظهر أن الاهتمام على أعلى مستوى في القيادية المصرية، وأن الرئاسة المصرية تشرف مباشرة على هذه العملية".
من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية ووزير الثقافة الفلسطيني السابق إبراهيم أبراش، أن "التحرك المصري الأخير انطلق من بعدين، الأول، المصلحة القومية المصرية وفي أساسها الأمن القومي المصري، بأن لا يشكل قطاع غزة عبئا أمنيا عليها أو حتى عبئا معنويا؛ بأن يحمل البعض مصر مسؤولية حصار قطاع غزة".
تجميد مؤقت
وأشار في حديثه لـ
"عربي21"، إلى أن البعد الثاني؛ أن "مصر أصبحت على ما يبدو مكلفة بترتيب الأوضاع الفلسطينية لتصبح مؤهلة لما تريده الإدارة الأمريكية والمتعلق بالصفقة الكبرى، ومصر ترغب بهذا الدور؛ سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي، لشعورها أن هذا الدور قد يعيد لها حضورها في المنطقة".
وبشأن الدور المرتقب لمصر حال فشل جهود المصالحة، قال: "التخوف موجود لدى الرئيس عباس، لأن كل العملية تمت بسرعة، ولم تتم التهيئة لها بشكل جيد".
وأضاف: "كأن مصر تريد أن تقول للطرفين وخاصة أبو مازن، إما أن تسير كما نريد، وإلا فالبديل بالنسبة لنا وللعالم في إطار الصفقة الكبرى، وفي حال فشل المصالحة، هو التعامل مع سلطة الواقع في قطاع غزة أو الرجوع لتفاهمات حماس-دحلان، وذلك على اعتبار أن القطاع هو الدولة الفلسطينية، وهذا هو الخطير في الأمر".
ورأى أبراش، أن "هذه هي الفرصة الأخيرة، وفي حال فشل المصالحة، فلن تحاول مصر مرة أخرى أن تتبنى حوارات مصالحة ولن تحاول أي دولة أخرى".
ومن جانبه أكد الكاتب والمحلل الفلسطيني، عزام التميمي، أن الضبابية ما زالت تكتنف مشهد المصالحة الفلسطينية، وطبيعة التنازلات التي قدمتها "حماس" من أجل تخفيف الآلام غير المحتملة لسكان قطاع غزة.
وتساءل التميمي في مقال له بـ "
عربي21" جاء تحت عنوان "بين يدي المصالحة بين فتح وحماس: ما الذي تغير حتى تنجح؟": "إذا كانت حماس ستسلم إدارة القطاع إلى سلطة رام الله، وستسلم إدارة المعابر، وستتنازل عن مختلف الإدارات الأخرى، فماذا سيبقى لها من تمكن؟ وعلى ماذا ستستند في ثباتها في خندق المواجهة مع الاحتلال؟ هل تستطيع بعد ذلك كله أن تظل محافظة على سلاحها؟".
وأضاف: "ورغم أن النظام العسكري في مصر لا يثق بحركة حماس بل ويعتبرها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين التي هو في حرب معها، إلا أنه مضطر للتفاهم معها ضمن معادلة جديدة تضمن له تحييدها، وتمهد لعودة الأوضاع في قطاع غزة بالتدريج إلى ما كانت عليه قبل أحداث يونيو (حزيران) 2007".
وتابع: "يبدو أن الأجهزة الأمنية في مصر وصلت إلى القناعة بوجوب حل مشاكل قطاع غزة، أو على الأقل التخفيف من حدتها، أملاً في أن يساهم ذلك في تهدئة الأوضاع الأمنية المستعصية في سيناء".
وأكد التميمي أن الأطراف العربية التي تشكل تحالف الثورة المضادة باتت حريصة على إنجاز المصالحة الفلسطينية، لافتا إلى أن المصالحة ضمن التصور المتداول من شأنها أن تحجم حركة حماس، وخاصة أنها تكاد تنحصر في إعادة ترتيب الأوضاع داخل قطاع غزة دونما تطرق للأوضاع في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن السلطة هناك تستمر في التعاون مع سلطات الاحتلال والتنسيق معها أمنياً، مستهدفة عناصر "حماس" ومن يتعاطف معها بالملاحقة والتنكيل.
واستطرد: "في نفس الوقت، تساعد المصالحة من وجهة النظر العربية الرسمية على تخطي عقبة كأداء في طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل علني ورسمي، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية معه".