الآن، وبعد أن وصلت القضية إلى هذا الحد، وبعد أن انحصرت القضية الفلسطينية في ثنائية ضيقة هي ثنائية فتح وحماس، وبعد هذا الانكشاف السياسي، وحصر إدارة الأزمة في تطويع إرادة الطرف الفلسطيني لصالح إرادة الطرف الإسرائيلي، وتواصل الحوار بلا حوار حقيقي بين فتح وحماس في المحاصصة الفصائلية والمليشياوية، واستمرار الحصار، وغياب السياسة الأخلاقية، والجرأة النقدية، والديمقراطية التي تفرض على صناع القرار السياسي الفلسطيني أن يعترفوا بفشلهم، وغياب المعارضة البرلمانية الحقيقية، والمعارضة الفصائلية والحزبية التي اكتفت باللعب في الملعب الذي حددته لها السلطة لتمارس معارضتها فيه.
فهل هناك من سبيل في ظل كل ذلك، وفي ظل غياب الفعل القومي العربي الاستراتيجي الفاعل، والانحياز الأمريكي، وعجز المجتمع الدولي والأمم المتحدة. غير الثورة البرتقالية لتقول كلمة الشعب.
لا لسلطة بلا حكومة، لا لحكومة بلا سلطة، لا للنواب ذوى الثلاثين لسان، لا للفصائل، لا للنظام العربي. لا للإمبريالية الأمريكية، لا للأمم المتحدة، لا عرضها كعرض السموات والأرض لإسرائيل.
نعم للثورة البرتقالية، ولتسكت كل الأصوات إلا صوت الشعب، الشعب الذي ابتلع كل شيء كالرمل ولكنه الآن ألآن وليس غدا سوف يقذف كل ما ابتلعه في وجوه كل جلاديه، نعم للنفس الفلسطينية الإنسانية المتحركة، نعم للقوة الفلسطينية الفاعلة، نعم للثورة البرتقالية الحضارية السلمية الديمقراطية.
نعم ما زال هناك متسع للحلم والعمل المنظم الذي سوف يفسر للعالم طبيعة هذه الثورة البرتقالية الحضارية السلمية الإنسانية التي تعرف الهدف وتعرف الطريق إلى الهدف، وهو المظاهرات السلمية، ورفع الأعلام الوطنية والبرتقالية، وكتابة الشعارات البرتقالية، وإقامة المخيمات البرتقالية، وترديد أغاني الحب والسلام، وتنظيم منتديات الحوار مع رجال السياسة والنواب والإعلام، وعرض الأفلام الوثائقية، وكتابة المقالات الصحافية، والإضراب عن الطعام والعصيان المدني، ودعوة المتظاهرين إلى إحضار طعامهم معهم ليطعموا الوافدين من المخيمات والقرى والمدن الأخرى، وأن يعرضوا عليهم النوم في بيوتهم، ودعوة أصحاب المطاعم إلى تقديم الطعام للوافدين مجانا، ودعوة الأطباء والصيادلة أن يقدوا الخدمات الطبية والصيدلانية مجانا، ودعوة السائقين وأصحاب السيارات أن ينقلوا المتظاهرين البرتقاليين مجانا.
لكن، وفي المقابل، عليك آخى المتظاهر الفلسطيني البرتقالي أن تعرف أن صغارك سوف يحصدون ما تزرع؛ ولذلك يجب عليك أن تكون أنت وليس غيرك، نعم كن كما أنت، تؤمن بنفسك، وتؤمن بحقك، وتفعل ما بوسعك، لكن إياك أن تخدش حجرا في جدار على أرض الوطن فأنت الوطن، وإياك أن تقطع غصن في شجرة على أرض الوطن فأنت الوطن، وإياك أن تحرق إطار في ساحة أو شارع على أرض الوطن، فأنت الوطن، وإياك أن تقذف حجرا على مبنى أو مؤسسة على أرض الوطن فأنت الوطن، وإياك أن تطلق رصاصة على مؤسسة أو مواطن على أرض الوطن فأنت الوطن، وإياك أن ترفع شعار يخون مواطن على أرض الوطن، فأنت الوطن.