فارق كبير بين من عاش في الظلام وتكيف معه.. وبين من رأى النور واستأنس به فأصيب عمداً بفقدان البصر... يسألني صديقي كلما التقينا السؤال المعتاد.. كيف حالك عامل إيه؟ ويكون ردي في كل مرة: لا أدري (معرفش) فيبتسم صديقي أو يضحك مندهشاً ويقول لي يا أخي قل "الحمد لله". ثم يتكرر السؤال في كل مقابلة وتتكرر الإجابة نفسها ويتكرر معها تعليق صديقي.
منذ أيام التقيت صديقي هذا، وقبل أن يسألني السؤال المعتاد؛ قال لي إنني فكرت في إجابتك الدائمة بكلمة "معرفش" ولقيتها إجابة منطقية.. عندما سألت نفسي هذا السؤال وجدت أنني فعلا لا أدري كيف حالي.. لكن الحمد لله على أية حال.
فابتسمت لصديقي وأمسكت بكتفه مؤيدا ما يقول.. ثم استرسلت في الحديث قائلا.. يا صديقي العزيز هناك فارق كبير بين حمد الرضا والشكر وحمد السخط والتحايل.
الحمد لله على ما رزقنا من مال وصحه.. والحمد لله على ما وهبنا من أهل وولد.. والحمد لله على ما ابتلانا من مرض وموت وضيق في الرزق.. لكن هل لنا أن نحمد الله على ما ارتكبناه من أخطاء وخطايا؟ فهل نحمد الله على الإهمال والجبن والتجاهل والإنكار والخيانه والنفاق.. أظنه احتيالا على الله مرفوض وغير مشروع وتلاعب في جوهر معني الحمد.. ولا أظن أننا نعلم كيف هو حالنا؟ هل نحن سعداء أم تعساء؟.. هل نحن أحياء أم أموات؟ هل ما يدور حولنا حقيقة أم هو الكابوس الأعظم الذي لا نستطيع أن نفيق منه؟
يا صديقي العزيز نحن ولدنا ورأينا النور يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2011 يوم التجرد الأعظم يوم تلاشت فيه الطبقية والإيدولوجيا والطائفية.. فوقف الوزير بجانب الغفير والغني بجانب الفقير والمسلم بجوار المسيحي في مشهد متجرد مهيب وتحت مظله شعارات مشروعه وموحده (لا للظلم.. لا للطغيان.. لا للاستبداد.. لا للفساد.. لا للتوريث).. مطالبين بالحريه والمساواة والعدل والعيش الكريم والمحاكمات العادله والمواطنة.
واستطعنا بفضل من الله إسقاط رمز للنظام لم يكن ليسقط لولا هذه الحاله الفريدة التي كان عليها المصريون والتي لم تستمر طويلا، وبمزيد من الأخطاء ومزيد من المطامع ومزيد من الكراهية وتربص الأعداء في الداخل والخارج؛ وصلنا إلى اليوم المشؤوم المسمى ثلاثين يونيه من عام 2013.. يوم الهزيمة والانكسار يوم اختلط فيه نافخ الكير بحامل المسك تحت راية الانقلاب معلنين عن عودة دولة القهر والخوف.. وعاد المصريون إلى سيرتهم الأولى من انكماش إلى تراجع إلى انحسار.. حتى تلاشى الحلم إلا في صدور وعقول من آمن بالحريه والعدل والمساواة.
يا صديقي الهزيمة بتلك السرعة وبهذه الكيفية لم تكن متوقعة والحلم، تحول إلى كابوس، والحياة أصبحت بلا معنى أو هدف، ولم تعد للأشياء قيمة، وأصبح هناك شذوذ في الفكر والعاطفة واهتزاز كبير في الثقة بالنفس، وبالآخر حتى أن البعض اهتزت ثقته بالله رب العالمين بكل أسف.. وحدثت حالة من الخلل غير المسبوق في البنية الأساسية للمجتمع المصري، فأصبح لا تواد ولا تراحم، مع حالة من الانقسام والكراهية والشماتة والانعزال.. ناهيك عن حالة الحزن والألم على ما يسقط من دماء بريئة وحالة من الارتباك نتيجة غلاء المعيشة.. هذا هو حال عموم المصريين.
يا صديقي إذا سألتني: وهل لنا من مخرج من حالة اللا حياة واللا موت ستكون إجابتي الحاسمة "ما اعرفش".
وإذا سألتني كيف حالك مرات ومرات؟ سأقول كما قلت في السابق "ما اعرفش".
يا صديقي فارق كبير بين من عاش في الظلام وتكيف معه.. وبين من رأى النور واستأنس به فأصيب عمداً بفقدان البصر.
وعموماً الحمد لله على أية حال حتى لا يتهمني صديقي المتشدد بالعصيان أو الكفر.