مع انتهاء موسم اللقاءات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تكن القضية الفلسطينية حاضرة في هذه الاجتماعات باستثناء استحواذها على الجانب الأكبر من خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطبيعة الحال، والتعريج عليها في بعض الخطابات الأخرى واللقاءات الجانبية، فيما لم ترد مسألة عملية السلام بالشكل الكافي في كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يعني أنها ليست ضمن الاهتمامات الإسرائيلية رغم إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ما يصفه بـ(الصفقة النهائية)، التي لم يتضح منها شيء حتى الآن.
ففيما بدا أنه سرد للجهود السابقة بحثا عن السلام، قال الرئيس الفلسطيني في خطابه: “لقد ذهبنا في جهودنا ومسعانا من أجل تحقيق السلام مع جيراننا الإسرائيليين إلى حد بعيد، وتبنينا مع الدول العربية والإسلامية مبادرة ثمينة هي مبادرة السلام العربية لحل الصراع الفلسطيني العربي ـ الإسرائيلي، هذه المبادرة التي تربط انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة التي احتلتها عام 1967 باعتراف هذه الدول بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، فماذا كان رد إسرائيل؟
كما عمد عباس للتذكير بخطة خارطة الطريق في العام 2003 التي قدمتها اللجنة الرباعية الدولية، وتبناها مجلس الأمن ورفضتها الحكومة الإسرائيلية. وكذلك المبادرة الفرنسية التي ترتب عليها مؤتمر باريس للسلام، إضافة إلى مبادرة الرئيس الروسي ومبادرة الرئيس الصيني.
وجدد الرئيس عباس المطالب الفلسطينية المتمثلة في العمل الجاد من أجل إنهاء الاحتلال ووقف النشاطات الاستيطانية، وتوفير الحماية الدولية لأرض وشعب دولة فلسطين؛ توطئة لإنهاء الاحتلال والطلب من إسرائيل الإقرار بحدود عام 1967 كأساس لحل الدولتين، وترسيم هذه الحدود على أساس قرارات الشرعية الدولية.
كما طالب أيضا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي اعترفت بدولة إسرائيل، أن تعلن أن اعترافها تم على أساس حدود العام 1967 مع حث الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين على الاعتراف بها، مناشدا مجلس الأمن الدولي قبول دولة فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
وقال عباس إن دولة فلسطين ستقوم بصياغة هذه المطالب في مشاريع قرارات، حسب الأصول، وتقديمها للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي المقابل لم يتطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه إلى مسألة السلام، باستثناء القول بأن إسرائيل جاهزة لمفاوضات الوضع النهائي بعد القفز على مسالة جوهرية مثل المستوطنات، حيث قال إن “النزاع ليس حول المستوطنات، لم يكن كذلك أبدا. مسألة المستوطنات مسألة حقيقية، التي يجب ويمكن أن تنحل في مفاوضات الوضع النهائي”.
ومع هذا القفز أيضا جدد نتنياهو وضع العقبة الرئيسية أمام أي تفاوض عبر الحديث عن ما يسمى يهودية إسرائيل، إذ قال إنه “جاهز للتفاوض حول جميع مسائل الوضع النهائي”، ولكنه قال: “لن نتفاوض على حقنا في الدولة اليهودية الوحيدة أبدا”.
ورغم التباين الواضح في الأولويات الواردة في الخطابين الفلسطيني والإسرائيلي، يصر الرئيس الأمريكي على تفاؤله بوجود فرصة جيدة لتحقيق ما يراه (الصفقة النهائية) لتحقيق السلام، حيث أعرب عن ذلك مجددا بعد لقائه كلا من عباس ونتنياهو في اجتماعين منفصلين، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
هذه الصفقة النهائية لم يتسرب منها سوى بعض التقارير التي تشير إلى أن ترامب بصدد مبادرة سياسية ترتكز على إطلاق عملية سياسية تفاوضية لفترة زمنية محدودة، يريد ترامب تحقيق صفقات منفصلة في كل واحدة من قضايا الوضع النهائي، وصولا إلى الصفقة الكبرى المتمثّلة في اتفاق نهائي للسلام.
كذلك هناك تغريدة لترامب تعود ليوليو الماضي جاءت بعد اتصال هاتفي بين ترامب والعاهل السعودي، قال فيها ترامب: “تحدثت مع ملك السعودية حول السلام في الشرق الأوسط، هناك أمور مثيرة للاهتمام تحصل.”
أيا كان ما يتم ترتيبه، فإنه بلا شك يصطدم بعراقيل كبيرة أولها غرق الحكومة الإسرائيلية في التشدد اليميني والظروف السياسية والاقتصادية بالمنطقة، التي نزلت بالقضية الفلسطينية درجات من سلم الأولويات.