شهدت المساعي الدبلوماسية الأمريكية لحل الأزمة
الخليجية تسارعا كبيرا، خلال الأسبوعين الماضيين؛ كان أبرزها دخول الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، على خط الأزمة مباشرة بلقائه أميري الكويت وقطر كلا على حدة.
دخول ترامب وسيطا على خط الأزمة يمثل "تطورا لافتا للانتباه؛ فمنذ قطع
السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع
قطر، في 5 حزيران/ يونيو الماضي، أخذ البيت الأبيض موقفا منحازا إلى الدول الأربع، مقابل موقف أكثر توازنا اتخذته وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان"، وفق "تقدير موقف" أصدره، أمس الاثنين، "المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات"، ومقره الدوحة.
هذا التغير من جانب ترامب، أرجعه المركز البحثي، الذي تأسس عام 2010، إلى خمسة أسباب، وهي: احتمال اندلاع أزمة مع
إيران بسبب اتفاق البرنامج النووي، والتصعيد الأمريكي الراهن مع كوريا الشمالية، واحتمال تفكك أكبر تكتل إقليمي حليف لواشنطن (مجلس التعاون)، والتأثير السلبي المحتمل على الحرب الأمريكية على الإرهاب، وأخيرا أهمية القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر.
وتتهم الدول الأربع قطر بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، وتقول إنها تواجه "افتراءات" و"أكاذيب" تستهدف فرض "الوصاية" على قرارها الوطني، عبر مطالب "غير واقعية" و"غير قابلة للتنفيذ"، وتفرض هذه الدول إجراءات على قطر، تعتبرها الأخيرة "حصارا ينتهك القوانين الدولية"، بينما تراها تلك الدول "مقاطعة تندرج ضمن ممارسة السيادة".
تغيّر في نبرة ترامب
مركز البحث تحدث عن "تغيّر في نبرة ترامب نحو قطر"، حيث بدأ لقاءه مع أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في نيويورك، يوم 19 أيلول/ سبتمبر الجاري، بـ"الإشادة بالأمير، واصفا العلاقة بينهما بالصداقة الطويلة".
ومباشرة تطرق ترامب إلى الأزمة الخليجية، قائلا: "أعتقد أننا سنحلها، ولديّ شعور قوي بأنها ستجد طريقها إلى الحل سريعا جدا".
واعتبر المركز أيضا أن "ترامب بدأ يعطي مؤشرات على تغيّر موقفه من الأزمة" خلال لقائه بأمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد (الذي يتوسط لحل الأزمة)، في واشنطن؛ يوم 7 أيلول/ سبتمبر الجاري، إذ شدد الرئيس الأمريكي، خلال المؤتمر الصحفي المشترك عقب القمة، على أن "قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر شركاء أساسيون في محاربة الإرهاب".
وإلى أبعد من ذلك مضى ترامب بـ"إعلان استعداده للوساطة بين قطر ودول الحصار، معربا عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق سريع"، بحسب "تقدير الموقف".
لا عقيدة أمريكية واضحة
من القضايا محل الإجماع لدى المراقبين لسياسات إدارة ترامب، وفق المركز البحثي، أنّ "هذه الإدارة ما زالت لم تطور عقيدة واضحة في السياسة الخارجية، ولا يتضح هذا في الأزمة الخليجية فقط، بل يصحّ في شأن أكثر القضايا والملفات الدولية (تعقيدا)، مثل الأزمة مع كوريا الشمالية، والملف النووي الإيراني، والأزمة السورية، وغيرها".
واعتبر أن السبب الرئيسي في غياب العقيدة الواضحة هو "ترامب نفسه"، واستشهد بأنه "بعد يوم من لقاء ترامب وأمير قطر، أشار تقرير لجريدة واشنطن بوست إلى تصاعد حدة الخلاف بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية حول كيفية التعامل مع الأزمة الخليجية".
ووفق الجريدة فإنّ "البيت الأبيض، وترامب شخصيا، غاضبان من تعطيل وزير الخارجية (ريكس) تيلرسون بيع أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات لدول خليجية، بينها أكثر من 110 مليارات للسعودية، كان أعلن عنها خلال زيارة ترامب للمملكة، في أيار/ مايو الماضي".
وقال مسؤولون أمريكيون لـ"واشنطن بوست" إن "حسابات تيلرسون ووزارة الخارجية من وراء تعطيل مبيعات الأسلحة، أنّ ذلك يعطي الولايات المتحدة ميزة أفضل لتكون في وضع يؤهلها للضغط على أطراف الأزمة لحلّها، في حين يرى البيت الأبيض أنّ تعطيل المبيعات ليس فعّالا في الضغط على السعودية".
ويؤيد بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي (إحدى غرفتي الكونغرس)، موقف تيلرسون، وكان قد عطل إرسال مزيد من شحنات الأسلحة للحلفاء الأمريكيين في الخليج، أواخر يونيو/ حزيران الماضي، إلى أن يجدوا طريقًا دبلوماسية لحل الخلافات بينهم، وفق التقرير.
ونقلت الجريدة عن مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية أن "تيلرسون اتصل بوزراء خارجية دول خليجية زارها صهر الرئيس (ترامب) ومستشاره، جاريد كوشنر، في آب/ أغسطس الماضي، ليتأكد أنّه لم يوصل إليهم رسائل متضاربة عن الموقف الأمريكي من الأزمة".
ما الذي تغير؟
وفق المركز البحثي، مستندا إلى مصادر إعلامية مختلفة، فإنّ "مواءمات بدأت تطرأ على مقاربة ترامب للأزمة الخليجية، المنحازة إلى دول الحصار، بعد تحذيرات من وزير خارجيته ووزير دفاعه، جيمس ماتيس، ومستشاره للأمن القومي، أتش. أر. ماكماستر، من أن إطالة أمد النزاع تفيد إيران، وتشتت جهد الضغط عليها، كما أنها زادت الأزمة مع كوريا الشمالية من الضغوط على ترامب، الذي بدا في غنى عن فتح أزمة جديدة في الخليج".
وأضاف أن "وزارتي الخارجية والدفاع ساهمتا في تزويد ترامب بمعلومات وتقديم صورة للوضع في الخليج أكثر شمولا مما سمعه من قادة
الإمارات والسعودية (..) قد تكون الأزمة مع كوريا الشمالية، واحتمال اندلاع أزمة مع إيران بسبب موقف ترامب الرافض لاتفاق البرنامج النووي (المبرم عام 2015)، من العوامل المهمة التي عززت ميله الراهن إلى الضغط على دول الحصار الخليجية لحل الأزمة مع قطر عبر الحوار".
وأكمل: "من هنا جاءت مساعي ترامب لترتيب اتصال هاتفي، يوم الجمعة 8 سبتمبر (الجاري)، بين أمير قطر وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، اتفقا خلاله على العمل على حل الخلافات بينهما على طاولة الحوار، إلا أنّ السعودية تراجعت، في اليوم نفسه، عن تعهداتها تلك ملقيةً باللوم على قطر، ومطالبةً إياها بالامتثال للشروط الثلاثة عشر التي وضعتها دول الحصار".
"تقدير الموقف" اعتبر أنه "من الصعب جدا توقّع تطورات موقف الرئيس الأمريكي من الأزمة الخليجية مع استمرار تقلّبه تجاهها"، لكن "يمكن القول إنّ الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية مجتمعة بدأ يتوافق أكثر في ضرورة إنهاء الأزمة الخليجية ووضع حد لحصار قطر".
وأرجع ذلك إلى أن "استمرار الأزمة يفيد إيران ويشتت المواقف الإقليمية منها، وهذا ما لا تريده إدارة ترامب، خصوصا أنّها في وارد التصعيد مع إيران بحسب ما ظهر من خطاب ترامب الذي ألقاه أخيرًا في الأمم المتحدة"..
كما أنّ استمرار الأزمة الخليجية، وفق المركز البحثي، "يهدد بتفكيك واحد من أهم التكتلات الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، والذي لا يزال متماسكًا إلى اليوم، أي مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
وتأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، ويوجد مقره في الرياض، ويتألف من ست دول، هي: السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان.
الأزمة الراهنة تهدد كذلك "الحرب الأمريكية على الإرهاب، وهو ما يحذّر منه المسؤولون الأمريكيون، كما يبدو البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) قلقا من احتمال تأثر عملياته العسكرية في الشرق الأوسط بالأزمة الخليجية، خاصة أنّ قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية (العديد) في الشرق الأوسط".
وشدد المركز البحثي على أن "المسؤولين الأمريكيين، خصوصًا في وزارة الدفاع، يخشون من أنّ الامتيازات التي تحصل عليها الولايات المتحدة في قطر ربما تكون مهددة في حال استمرت حملة التصعيد الدبلوماسي معها، وفي حال استمرار تصريحات ترامب غير المنضبطة تجاهها".
وختم المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات "تقدير الموقف" بأنه "يبدو أن مؤسسة الحكم (في واشنطن) لا تريد أن تبقى رهينة طريقة الرئيس الأمريكي الحالي في اتخاذ المواقف وإدارة السياسة الخارجية، فنجدها تتدخل في كل مرة لضبط الأمور. لكن هذا التدخل ورغم أهميته، غالبا ما يحدث بعد وقوع الضرر، لذلك من المهم أن يحصل التغيير على مستوى تفكير الرئيس ترامب وسلوكه السياسي والدبلوماسي".