فرحة مزدوجة، واحتفالات خاصة، تلك التي شهدتها مدينة
الموصل العراقية، مركز محافظة
نينوى (شمالا)، بعيد الأضحى المبارك هذا العام.
تلك الفرحة كانت بمثابة فرحتين، الأولى بعيد الأضحى، والثانية بمناسبة الإعلان رسميا الخميس، عن تحرير كامل مناطق محافظة نينوى من تنظيم "داعش" المسلح، بعد دحره في قضاء تلعفر، آخر معقل له بالمحافظة، والذي يقع غرب الموصل.
فمنذ مساء الخميس، عشية يوم الأضحى، بدأت الاحتفالات تعم الموصل ذات الغالبية السنية، تلك المدينة التي تحررت من "داعش" قبل أقل من شهرين أيضا، والتي تشهد أول عيد لها منذ عام 2014، بدون "داعش".
احتفالات ما زالت مستمرة حتى مساء السبت، رغم حلول
العيد الجمعة (لدى سنة العراق، بينما كان لدى الشيعة السبت)، حيث يكاد يتحول سواد سماء الموصل إلى ألوان زاهية، عندما يطلق الكثير من الشبان بإطلاق الألعاب النارية في الهواء فرحا بتحرير الأرض من جهة وبالعيد من جهة أخرى.
ولا تخلو الساحات الرئيسية في الموصل من المحتفلين الذين يلوحون بالأعلام العراقية، وهم يستقلون سياراتهم في طريقهم إلى أماكن الترفيه للاحتفال، على أنغام الأغاني الوطنية، التي اختفت خلال سنوات "داعش" بالمدينة.
وتركزت مناطق الاحتفال الجماعية في أحياء الزهور والمجموعة الثقافية والغابات والمنصة بالجانب الشرقي للمدينة.
هديل الصابونجي التي اصطحبت أفراد عائلتها إلى منطقة الغابات السياحية، تقول إن "فرحة الحرية لا يمكن لكلمات عابرة أن تصف شعور صاحبها".
وتشير إلى أن "الجميع سعيد بهذا العيد ويبتسم ويحاول أن ينسى جميع المشاكل والهموم الناتجة عن نقص الخدمات وتردي الواقع الاقتصادي والصحي والتعليمي وأن يعيش هذه المناسبة بشكل مختلف لأن محافظة نينوى من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها عادات عراقية".
وتضيف أن "الأمل ما زال موجودا بعودة الموصل أفضل من قبل بسواعد أبنائها، وأن الانتكاسات السابقة يمكن تجاوزها بسهولة من خلال اتحاد الجميع ونبذ الخلافات السابقة التي لم يجنِ المواطن الموصلي منها سوى الدمار والخراب وفقدان أشياء كثيرة".
أحمد زيدان، الشاب العشريني الذي كان يشارك بالاحتفالات في منطقة المنصة شمال الموصل، يقول إن "هذا العيد مختلف تماما عن جميع الأعياد الأخرى، فعلى الرغم من تحرير أجزاء واسعة من محافظة نينوى خلال الأعياد السابقة، إلا أنه كان هناك شيء يمنع الاحتفال بهذه الطريقة وهو الألم على السكان الذين كانوا لا يزالون تحت سيطرة تنظيم داعش".
ويضيف في حديثه: "أما اليوم فيمكن التعبير عن فرحة العيد بمختلف الوسائل لأن نينوى وسكانها تخلصوا من شيء اسمه "داعش" وإلى الأبد".
ويتابع بأن "هناك تعاونا ما بين المواطن ورجل الأمن والجميع حريص على منع وقوع أي خرق أمني يفسد الفرحة بالانتصار والعيد".
ويشير إلى أن "الاحتفالات سوف تستمر طيلة أيام عيد الأضحى (يستمر الاحتفال به حتى الاثنين)، وعلى أبناء المحافظة التكاتف واستثمار هذه الفرصة لتعزيز اللحمة الوطنية والانطلاق من جديد نحو بناء مستقبل أفضل يسوده الأمن والاستقرار والبناء والتطور".
وترى نور إسماعيل الطالبة الجامعية، أن "عيد الأضحى المبارك هذا العام أجمل الأعياد التي مرت علي، بسبب تحقق حلمي الذي انتظرته طويلا وهو أن أرى وأسمع خبر طرد آخر عنصر مسلح من نينوى، وهذا الشيء قد تحقق اليوم، بتضحيات جسيمة قد لا يكون لها مثيل".
نور وهي تلوح بعلم عراقي صغيرا بيدها اليسرى وتوجه نظرها نحو السماء لمشاهدة الألعاب النارية، تشير خلال لقاء بها في منطقة المجموعة الثقافية شمال الموصل، إلى أن شعورها بالتخلص من ممارسات التضييق التي كانت مفروضة عليها إبان سيطرة "داعش" لا توصف.
وتضيف أن تواجدها في هذا المكان بصحبة أهلها وهي تشعر أنه لا أحد يراقبها وينتظر التدخل دون سبب لإفساد فرحتها كما حدث لها خلال الأعوام السابقة، "أفضل ما يمكن للمرء أن يعيشه"، مؤكدة أن الابتسامة التي رسمت على وجوه الأطفال والنساء والرجال وكبار السن باتت مختلفة تماما اليوم عن الأمس، ويجب على الجميع الحفاظ عليها لاستمرارها في المستقبل.
وضيق تنظيم "داعش" الخناق على السكان وحظر عليهم الكثير من الأمور الحياتية المعتادة كتدخين السجائر واستعمال الهواتف النقالة والموسيقى وغيرها.
ويقول أصحاب المتاجر إن الأسواق بدأت تتعافى بعد سنوات من الركود، وهذا يؤكده مهدي الصفار وهو صاحب محل لبيع الموالح والحلويات في منطقة المجموعة الثقافية، إذ يقول إن مبيعاته هذا العيد فاقت توقعاته، وإن أغلب بضاعته نفدت بسبب الإقبال الكبير للسكان على شرائها.
الأمر ذاته يؤكده مصطفى الأمير، وهو صاحب متجر لبيع الملابس، وهو يوضح لوكالة الأناضول التي التقت به خلال عمله، أن مبيعاته هذا العيد قفزت إلى أعلى مستويات لها قياسا بالأعياد السابقة، وأن الإقبال الأبرز كان على شراء ملابس الأطفال والنساء.
ويضيف، أن هذا دليل على عودة الحياة إلى المدينة بعدما فقد سكانها الأمل بممارسة حياتهم الطبيعية من جديد، لافتا إلى أن الوضع العام في مدينة الموصل في تحسن مستمر، وأن الأمور بدأت تعود إلى نصابها الطبيعي من جديد بشكل تدريجي.
انتشار القوات الأمنية في شوارع الموصل خلال اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك كان واضحا للعيان، وهم يعملون على تسهيل حركة العجلات وانسيابية مرور الأعداد الكبيرة من السكان التي خرجت إلى الشوارع للاحتفال بهزيمة تنظيم "داعش".
الرائد عبد الله الخليلي مسؤول قطاع أمن ونجدة حي الزهور شرق الموصل، يقول إنه تم وضع خطة محكمة لمنع وقوع أي خرق أمني يتسبب بإفساد فرحتي العيد وهزيمة "داعش".
ويوضح ضابط الشرطة أنه "جرى تعزيز السيطرات الأمنية والوحدات الاستخباراتية قرب المرافق الحيوية التي تشهد إقبال مئات المواطنين عليها للتعبير عن فرحتهم وسعادتهم بعودة مدنهم إلى حضن الوطن والتخلص من الإرهاب والتطرف".
ويؤكد الضابط أن "العمل الأمني متواصل وأن التعاون بين رجل الأمن والمواطن قد أثبت فعاليته في تعزيز الأمن والاستقرار بالمدينة".
وبعد سيطرة "داعش" على الكثير من مناطق نينوى في صيف 2014، تمكنت القوات العراقية على فترات من تحرير المحافظة بالكامل من التنظيم عبر خوض عدة معارك كان أبرزها معركة تحرير الموصل، التي استمرت عدة أشهر، ومن بعدها معركة تحرير قضاء تلعفر التي انتهت قبل أيام.