نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف، يتحدث فيه عن التقارب بين
السعودية والعراق، ومستقبل العلاقة بين البلدين، في ضوء ازدياد النفوذ
الإيراني في المنطقة.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن
العراق والسعودية يبحثان تشكيل تحالف جديد، يعطي السعودية دورا رئيسيا في إعادة إعمار المدن والبلدات التي دمرت في أثناء الحرب ضد
تنظيم الدولة، فيما يقدم لبغداد المصداقية في المنطقة.
ويذكر الكاتب أن المباحثات الجارية منذ ستة أشهر، ركزت على محاولة إبعاد العراق عن جارته القوية ومنافسة السعودية القديمة إيران، التي زاد تأثيرها على الشؤون العراقية بشكل كبير منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003.
وتفيد الصحيفة بأن النظرة للعراق والسعودية ظلت على أنهما في صفين مختلفين، إلا أن زيارة الزعيم الشيعي
مقتدى الصدر للسعودية، ورحلته التي تبعتها إلى الإمارات العربية المتحدة، أسهمت في ذوبان الجليد في العلاقات التي تحسنت بسبب الزيارات، التي قامت بها وفود على مستويات عالية من البلدين.
ويلفت التقرير إلى أن مقتدى الصدر أدى دورا في الحرب الطائفية التي ضربت العراق في الفترة ما بين 2004- 2008، وله علاقات طويلة مع إيران، مستدركا بأن وصوله إلى الرياض يعبر عن مستوى جديد من التواصل الذي قد يؤدي إلى أداء الرياض دورا في إعادة الإعمار، خاصة المدن السنية التي دمرت في أثناء الحرب مع تنظيم الدولة، وهي الموصل والفلوجة والرمادي وتكريت.
وينقل شولوف عن الوزير السعودي السابق سعد الجبري، قوله: "هذه خطوة مهمة لإعادة العراق إلى الصف العربي، ودعمه للحصول على أصدقاء شركاء لتحقيق هذا الأمر"، ويضيف الجبري: "هذا يقتضي الحد من محاولات طهران المستمرة للسيطرة على العراق ونشر الطائفية، فتواصل واسع بين الرياض وبغداد سيؤدي إلى تعزيز الدعم الإقليمي للعراق، خاصة من دول الخليج، وهذا مهم، خاصة بعد السيطرة على الموصل من تنظيم الدولة، وبحث العراق عن طرق لإعادة الإعمار الوطني".
وتنوه الصحيفة إلى أن المدن السنية في العراق عانت من أسوأ الأوضاع بسبب الحرب التي مضى عليها ثلاثة أعوام، وأدت إلى طرد تنظيم الدولة منها، لافتة إلى أنه لم يعد للتنظيم ذلك التأثير الكبير، وأصبح وجوده منحصرا في بعض البلدات المنتشرة في شمال غرب البلاد، وبعض القرى في محافظة الأنبار.
ويبين التقرير أن إعمار العراق والمدن السنية الأربع يحتاج إلى حوالي 100 مليارات دولار، مشيرا إلى أنه مع تحضير العراق للانتخابات الوطنية في بداية العام المقبل، فإن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومقتدى الصدر أكدا أن معالجة مظلومية السنة، يجب أن تكون جزءا مركزيا في خطط إعادة الإعمار.
ويعلق الجبري قائلا: "من الجيد الملاحظة أن زيارة الصدر لها جانب عملي قاد إلى آثار مباشرة، من إعادة فتح المعابر الحدودية، ودعم النازحين في بلادهم لإمكانية تعيين سفير جديد، وفتح قنصلية في النجف"، ويضيف: "هناك ملامح واضحة عن وجود رغبة قوية لخلق علاقة استراتيجية بين البلدين، تعود بالنفع عليهما".
ويقول شولوف إن النبرة المعادية ضد الرياض، التي اتسم بها الخطاب في أثناء الحرب على تنظيم الدولة، واتهامها بدعم الجهاديين انخفضت وتيرتها في الأونة الأخيرة.
وتورد الصحيفة نقلا عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي عبدالباري الزيباري، قوله: "العلاقات في تحسن مستمر، أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك بسبب مساعدة الإدارة الأمريكية الجديدة السعودية والخليج على إعادة علاقتها مع المنطقة"، وأضاف الزيباري: "نرحب بالدعم الأجنبي والإقليمي، وسيكون خطوة ذكية نيابة عن الدول العربية والأجنبية".
ويشير التقرير إلى أن العلاقات السعودية العراقية ظلت مقطوعة لمدة 25 عاما، حتى العودة غير الموفقة للسفير السعودي عام 2015، التي أدت إلى سلسلة من الحملات القاسية، التي اتهمت السعودية بدعم التمرد في العراق وإثارة الفوضى في المنطقة.
ويستدرك الكاتب بأن العام الماضي شهد تحسنا في العلاقات، وزيارة للعبادي والرئيس فؤاد معصوم للرياض، حيث يقول مدير مركز الفكر السياسي في بغداد إحسان الشمري: "هذه بداية جديدة، وصفحة جديدة من العلاقات العراقية السعودية"، ويضيف الشمري: "كانت العلاقات متوترة في الماضي، خاصة خلال فترة المالكي، إلا أن السعوديين وجدوا في العبادي شخصية سياسية غير طائفية، وهم مستعدون للعمل معا، ولم يعودوا يركزون على الخلاف الشيعي السني، ويريد العراق العودة إلى الصف العربي، ونافذة العالم العربي هي السعودية".
ويتابع الشمري قائلا: "إن تمويل إعادة إعمار البلد هو إشارة إلى النوايا الطيبة، ولإظهار تضامنهم مع العراقيين، وهم يعرفون أننا نمر في مرحلة اقتصادية صعبة".
وبحسب الصحيفة، فإن مسؤولين سعوديين بارزين يرون أن الرياض التي تقوم بتنفيذ خطة إصلاح اقتصادية وثقافية طموحة، تتعامل مع عملية إعادة إعمار المناطق السنية على أنها طريق لخطط أوسع، تهدف للحد من تأثير إيران، وتأكيد موقع المملكة بصفتها قوة في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، حيث يقول الجبري: "في المجال الأمني والاقتصادي والسياسي، فإن العراق مهم للمنطقة كلها"، ويضيف: "من الطبيعي أن تبحث القيادة السعودية عن مسارات في السياسة الخارجية تقود إلى هذا الاتجاه، ويعد مقتدى الصدر شخصية محترمة، وله تأثير واضح، وهو يفهم أن مستقبل العراق في العالم العربي، وعادة ما عبر عن قلقه، وبشكل مستمر، من زيادة التأثير الإيراني في العراق".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول الجبري: "بالتأكيد يحتاج العراق إلى دعم إقليمي ودولي في عملية إعادة إعمار مدن، مثل الموصل والفلوجة والرمادي، وبناء على إعادة تفعيل السياسة الخارجية السعودية، وأهمية العلاقات التاريخية السعودية العراقية، فلن أستغرب استثمار السعودية في عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى القيادة الإقليمية والدولية في الموضوع".