يثير تصاعد الدور
المصري في
سوريا بشكل كبير في الفترة الأخيرة تساؤلات عديدة حول الأسباب التي دفعت قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى الانخراط في الأزمة السورية، بعد سنوات من الإحجام عن هذه الخطوة.
وأعلنت روسيا يوم الخميس الماضي التوصل إلى اتفاق في القاهرة، حول إنشاء منطقة ثالثة لتخفيف التوتر في سوريا شمال مدينة
حمص.
وكانت القاهرة قد استضافت محادثات في 31 تموز/ يوليو الماضي بين ممثلي لوزارة الدفاع الروسية وفصائل من المعارضة السورية، منها جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، علاوة على وفد رسمي يمثل النظام السوري، وتم التوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد شمال حمص، بضمانة مصر وروسيا. وقبل ذلك بأقل من أسبوعين تم التوصل لاتفاق مماثل لهدنة في
الغوطة الشرقية.
البحث عن دور
وخلال السنوات الأربع الماضية لم يعرف لمصر دور مؤثر في الأزمة السورية، حتى أن القاهرة غابت عن الاجتماعات الدورية التي تعقدها القوى الدولية والإقليمية حول هذا القضية.
من جانبه، قال الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، محمد شوقي، إن تنامي الدور المصري في سوريا يرجع في الأساس إلى "حرص النظام على تقديم نفسه للعالم باعتباره المحارب الأول للاٍرهاب في المنطقة، ومحاولة لعب دور في المنطقة خاصة في مواجهة تنظيم داعش في وقت تتنافس فيه الإمارات والسعودية على قيادة المنطقة".
وأضاف شوقي، لـ"عربي21" أن السيسي يستغل الحرب على الإرهاب للتدخل في الشأن السوري ودعم نظام بشار الأسد "الذي يحارب داعش"، مشيرا إلى أن هناك دوافع عسكرية أيضا للتعاون بين النظامين المصري والسوري، "حيث يرى السيسي أن الجيش السوري والجيش العراقي وقوات حفتر في ليبيا هي القوات العسكرية المنظمة في المنطقة التي يمكن بسهولة التعاون معها".
ولم يكن النظام المصري راغبا في القيام بأي دور حقيقي في الأزمة السورية على مدار السنوات الماضية، حيث اكتفى بمراقبة الأوضاع فقط، لكن انعكاس الأزمة السورية على الأمن القومي لمصر وخاصة الأوضاع في سيناء، بحسب خبراء عسكريين وأمنيين، دفع النظام إلى الانخراط أكثر فيما يجري في سوريا.
وأوضح شوقي أن مصر تتحرك في سوريا بموجب تفاهم وتعاون وتنسيق مع كل من السعودية والإمارات، ما يعني أنها تتحرك ضمن التحالف الرباعي الصاعد وليست بطريقة منفردة كما يتصور البعض، خاصة مع بحث روسيا والولايات المتحدة عن لاعب إقليمي يصلح لدور الوسيط.
دعما للأسد
ويرى مراقبون أن النظام السوري "يرتاح" للدور المصري بسبب مساندة السيسي له، والتي وصلت إلى حد دعمه بالسلاح والخبراء، بحسب تقارير صحفية.
وأعلن السيسي في أكثر من مناسبة أن مصر تدعم الحفاظ على الأراضي السورية موحدة، وترى أن إسقاط النظام السوري بالقوة سيؤدي إلى تقسيم سوريا وسقوط جيشها، وانتشار الجماعات الإرهابية بالمنطقة.
من جهته، قال الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع إن مصر أصبحت تهتم بالتدخل في الأزمة السورية لأن النظام الحالي يميل أكثر لتأييد بشار الأسد ومن ورائه روسيا، مشيرا إلى أن النظام يعتبر أن سوريا هي حائط الصد الأمامي للأمن القومي المصري.
وأضاف ربيع لـ"عربي21"، أن المخابرات المصرية تلعب أدوار عديدة في سوريا لخلق توازن في المنطقة، لافتا إلى أن خلفية السيسي العسكرية تجعله يدرك أهمية سوريا بالنسبة لمصر، ومن أجل ذلك يقدم الدعم السياسي لنظام الأسد ويعقد اتفاقات بين أطراف النزاع.
تهميش تركيا
ويرى مراقبون أن نجاح الوساطة المصرية في التوصل لوقف إطلاق النار في عدد من المناطق السورية؛ يعد مؤشرا جديدا على تقلص الدور التركي في سوريا لصالح تزايد الدور المصري هناك.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية جمال يوسف، لقناة "صدى البلد" الأحد، إن روسيا هي التي اقترحت بأن تكون مصر راعيا لاتفاق وقف إطلاق النار بديلا عن تركيا، مطالبا مصر بأن تتمسك بهذه الفرصة وأن تسعى لتصبح طرفا رئيسا في اجتماعات "أستانا" التي ترعاها روسيا لحل الأزمة السورية.
ورحب معارضون سوريون بالدور المصري الجديد، حيث أعلن ممثل "منصة القاهرة" للمعارضة السورية في مفاوضات جنيف، فراس الخالدي، أن رعاية مصر لاتفاق الغوطة الشرقية وحمص؛ "كان أمرا طبيعيا لعدم وجود خصومة بين مصر وأي من أطراف الأزمة، بالإضافة إلى علاقة الثقة المتبادلة بين مصر وبين روسيا"، وفق قوله.
كما أعلن رئيس تيار الغد السوري، أحمد الجربا، في مؤتمر صحفي بالقاهرة السبت، أن الفترة الراهنة ستشهد مزيدا من اتفاقات وقف إطلاق النار برعاية مصرية وضمانات روسية، متحدثا عن ترحيب الفصائل بوجود قوات مصرية على خطوط التماس إذا قررت مصر ذلك.
وحول وجود تنافس بين الدور المصري ونظيره التركي، قال الجربا إن مصر لها دور وتركيا لها دور آخر، مشددا على أن الوساطة المصرية ليست ضد أي طرف إقليمي أو دولي، رغم حديث عن "فشل" اجتماعات أستانة التي تشارك فيها تركيا.