نشرت مجلة "وايرد" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن استيلاء
الروبوتات بصفة متزايدة على العديد من
الوظائف وخاصة تلك التي ارتبطت تقليديا بهيمنة الرجال عليها، من قبيل الوظائف في المصانع وأعمال البناء. ومن هذا المنطلق، تتجاوز المكننة أو "الأتمتة" مجرد كونها مشكلة اقتصادية لتصبح مرتبطة بالثقافة والهوية والجنس على وجه التحديد.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الملايين من الرجال حول العالم يترقبون بفزع إمكانية زوال وظائفهم. وفي الأثناء، لا يخشى هؤلاء الرجال فقدان ما يمثل لهم مصدر الأمان فحسب، بل أيضا ما يعتبرونه مصدر كرامتهم في عالم لم يفتأ يصور لهم ضرورة القيام بعمل رجولي مقابل المال، خاصة إذا لم يكونوا فاحشي الثراء. في المقابل، يظل الأمل للبشرية قائما، حيث تعتمد الطريقة التي نستجيب من خلالها للأتمتة بشكل كبير على ما يعنيه لنا أن يكون أحدنا رجلا أو امرأة خلال هذه الفترة الحرجة من القرن الواحد والعشرين.
وأشارت المجلة إلى أن بعض الخطب السياسية تلقي باللوم على "التعهيد" أو
الهجرة فيما يتعلق بتراجع "وظائف الرجال"، إلا أن الأتمتة تشكل تهديدا أكبر لهذه الأنواع من الوظائف، خاصة وأن التقدم التكنولوجي لم يعد يعترف بوجود حدود لأي شيء. وفي هذا الصدد، توقعت دراسة تم إجراؤها مؤخرا في جامعة أكسفورد، أن 70 بالمائة من وظائف البناء في الولايات المتحدة ستختفي خلال العقود المقبلة، علما وأن 97 بالمائة من تلك الوظائف يشغلها رجال.
وأضافت المجلة، وفقا لما ورد في الدراسة، أن الرجال يشغلون 95 بالمائة من أصل ثلاثة ملايين ونصف منصب في مجال النقل، الذي تتطلع الروبوتات إلى الاستحواذ عليه في الوقت الحالي. وتثير هذه التوقعات غضب وقلق الرجال الذين ما فتؤوا يعبرون عن مدى استيائهم من هذا الأمر في المنزل وفي الشارع وضمن استطلاعات الرأي أيضا.
ومن المثير للاهتمام أن العالم يشهد ظاهرة مضادة تتمثل في تمتع وظائف "الياقة الوردية"، التي تضطلع بها النساء تقليديا، والأعمال غير مدفوعة الأجر أيضا، بالأمان نسبيا حتى أن بعضها في طور الازدهار من قبيل رعاية الأطفال والخدمات والتمريض. عموما، يتوقع مكتب إحصاءات العمل الأمريكي ارتفاع نسبة الحاجة للعاملين في هذه المجالات بأكثر من مليون شخص خلال العقد المقبل.
وأوضحت المجلة أنه، وفقا لمنطق "السوق الحر"، ينتقل الأشخاص إلى مجالات جديدة من الإنتاجية، وذلك حين يؤول مصير مجال اقتصادي ما إلى الزوال، ما يجعلهم يكتسبون مهارات جديدة في غمار هذا التحول. ومن هذا المنطلق، يصعب تخيل انتقال عمال المصانع إلى العمل في وظيفة "مربي للأطفال" ذلك أننا بصدد الحديث عن "عمل خاص بالمرأة" فضلا عن أنه منخفض الأجر وذو مكانة متدنية فيما يُشترط على الرجال توقع ظروف أفضل.
وتطرقت المجلة إلى فجوة الأجور بين الجنسين، علاوة على القضية الأهم من ذلك والمتمثلة في فجوة الوظائف بين الرجال والنساء اللاتي يتلقين أجرا أقل، أو لا يتلقين أجرا على الإطلاق، مقابل القيام بعمل أكثر، وذلك في جميع أنحاء العالم.
خلافا لذلك، قد يزيد التقدم التكنولوجي هذا الخلل سوءا أو على العكس تماما قد يساعدنا على حل الأزمتين المتلازمتين على مستوى العمل والرعاية في آن واحد. بيد أن المشكلة ليست متعلقة بالتكنولوجيا بقدر ارتباطها الوثيق بالمواقف الاجتماعية التي لا يمكن تحديثها بكبسة زر.
وبينت المجلة أن معظم الرجال تم تدريبهم على مدى أجيال على ربط قيمتهم الذاتية بأداء مهام "روبوتية" وقابلة للتنبؤ، فضلا عن أنها تتم وفقا لنسق متكرر وخال من العواطف. في المقابل، تكمن المشكلة في أن الآلات تفوق على البشر في هذه الوظائف.
ولكن البشر يتميزون في مجالات أصعدة أخرى، حيث نتمتع بالقدرة على التأقلم بشكل أفضل، كما نتسم بالرحمة والحدس ونتفوق في مجالات الفن والموسيقى. باختصار، نحن نتمتع بالقدرة على إبقاء بعضنا البعض على قيد الحياة، وهي سمات لطالما تم ربطها بالمرأة فقط.
وبينت المجلة أن بعض الرجال قد أبدوا بالفعل استعدادهم لإيلاء المسائل الآنف ذكرها الاهتمام اللازم. ففي وادي السيليكون، على سبيل المثال، يتصدر الدخل الأساسي العالمي قائمة المواضيع الساخنة التي يتم تداولها هناك.
أما بالنسبة للمدافعين عن المرأة، فعلى امتداد عقود من الزمن شددوا على ضرورة توفير دخل أساسي كتعويض عن العمل المنزلي غير مدفوع الأجر. وفي الوقت الراهن، ونظرا إلى أن الرجال قد يجدون أنفسهم متفرغين للقيام بالمهام المنزلية، فقد يشرعون في نهاية المطاف بالاستماع لهذا المطلب.
وذكرت المجلة أن الأمر محبط بقدر ما هو رائع، ذلك أنه يمثل خطوة أولى على طريق المساواة بين الرجل والمرأة، خاصة وأن العمل يظل عملا بغض النظر عن الجنس. وعلى قدر ما يعي الرجال هذه المسألة ويبادرون بالانضمام إلى حملة المطالبة بأجور أعلى، قد يعمد المجتمع آنذاك إلى إعطاء وظائف "الياقة الوردية" والأعمال غير مدفوعة الأجر قيمة أكبر وتعويضا أكثر عدلا.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أن الأتمتة لن تتسبب في وضع الرجال على الرف في حال أبدوا استعدادهم للتغيير من طريقة تفكيرهم. وفي حال امتلك هؤلاء الرجال الشجاعة الكافية لتخيل حياة مختلفة فيما يتعلق بمفهوم الكرامة وعلى مستوى الخدمات، مما سيدفعهم تبعا إلى المطالبة بأن تكون هذه الحياة عادلة على مستوى عدد الساعات والأجور، سيصبح بإمكان الأتمتة آنذاك أن تساعدنا جميعا على الرقي بإنسانيتنا.