مع كل حالة قتل تحت التعذيب أو تصفية جسدية في مصر كانت وزارة
الداخلية تعلن أن الضحايا هم عناصر تابعة لجماعات مسلحة وأنهم لقوا مصرعهم في اشتباك مسلح أثناء القبض عليهم، وهو ما كان يكذبه نشطاء وحقوقيون وأهالي الضحايا ويؤكدون قتلهم بدم بارد بعد اعتقالهم والتحقيق معهم.
لكن الظاهرة الغريبة التي برزت هذا الأسبوع هي أن الداخلية لم تعد تهتم، على ما يبدو، بمحاولة إقناع الرأي العام بأن الضحايا لقوا مصرعهم في اشتباك مع الشرطة كما تدعي دائما، بل تصرفت بلا مبالاة واضحة في حادثين منفصلين راح ضحيتها شابين في يومين متتاليين، وكأن النظام لم يعد يعنيه ما يقال عنه.
الحادث الأول وهو العثور على جثة الطالب "ثروت سامح" يوم الاثنين الماضي ملقاة في طريق صحراوي قرب القاهرة وعليها آثار تعذيب بشع، بعد يومين من القبض عليه من مدينة 6 أكتوبر، بحسب بيان لمركز "الشهاب" الذي حمّل الداخلية مسؤولية قتله وطالب النيابة بالتحقيق في تلك الواقعة والوقائع المماثلة وإحالة المتورطين فيها للمحاسبة.
أما الحادث الثاني فهو إعلان الداخلية تصفية الشاب "عمر عبد الباقي" ضمن مجموعة من المسلحين الذين قتلتهم الشرطة في مداهمة لمكان اختبائهم يوم الاثنين الماضي، كما تدعي، على الرغم من أن صحفا ومواقع إخبارية موالية للنظام، ومن بينها صحيفة "البوابة" التي يرأس تحريرها "عبد الرحيم علي" المقرب من الأجهزة الأمنية، كانت قد نشرت قبل أربعة أيام من مقتل "عبد الباقي" إلقاء القبض عليه تنفيذا لحكم عليه بالسجن 10 سنوات بتهمة التظاهر والتحريض على العنف، ونشرت صورته وبياناته كاملة، قبل أن يعلن قتله في تلك المداهمة المزعومة!.
رفض حقوقي
وجاءت هذه الوقائع متزامنة مع تصاعد غير مسبوق في حالات
التصفية الجسدية للمعارضين والتي بلغت 59 حالة خلال شهر واحد تقريبا، ونحو 222 حالة منذ كانون الثاني/ يناير الماضي وحتى الآن.
وأعرب نشطاء وحقوقيون عن رفضهم لممارسات النظام في تصفية خصومه السياسيين خارج إطار القانون، مؤكدين أنها جريمة جديدة تضاف لسجل جرائم النظام منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013
وفي هذا السياق حذر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق من تبعات التصفية الجسدية وتعذيب المعارضين، مؤكدا، في تصريحات صحفية، أن هذا السلوك سيدفع آلاف الشباب إلى انتهاج العنف وهو ما سيدخل البلاد في دوامة لا تنتهي من الفوضى.
واستنكر رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح هذه الحوادث، وكتب عبر "تويتر" يقول إن "استمرار التصفية الجسدية للشباب المختفين قسريا أو أثناء القبض عليهم بحجة حدوث اشتباكات دون تقديمهم للعدالة يخدم الإرهاب ويعرض الوطن لمزيد من الخسائر".
لا قيمة للنفس البشرية
المحامي الحقوقي إسلام مصطفى قال إن حالات التصفية الجسدية والاختفاء القسري المتتالية هي إحدى الممارسات التي يطبقها النظام في إطار القبضة الأمنية الحديدية ضد الشباب والمعارضين بدعوى محاربة الإرهاب، معتمدا على الآلة الإعلامية التابعة له والتي تقوم بشيطنة كل معارضيه.
وأكد مصطفى، في تصريحات لـ "
عربي21" أن النظام لم يعد يهتم بصورته أمام الرأي العام، سواء مؤيدين أم معارضين، حيث قرر مواصلة السير في طريق القمع الممنهج ودهس حقوق الإنسان في مصر سعيا وراء تثبيت أركان حكمه.
وحول الرسالة التي يريد النظام إيصالها من هذه الحوادث الفجة، أشار أكد إسلام مصطفى أن النظام لا يعرف قيمة النفس البشرية ولا يكترث بها حيث قام من قبل بتعذيب الطالب الإيطالي جوليو ريجيني حتى الموت، رغم علمه بأنه مواطن أجنبي، ومع ذلك لم تفكر وزارة الداخلية في تبعات هذا الحادث أو المشكلات السياسية والدبلوماسية التي يمكن أن تحدث فيما بعد.
رسالة مزدوجة
من جانبه أكد أستاذ العلوم السياسية عبد الخبير عطية أن الوضع السياسي والأمني في مصر أصبح مأساويا وأن الأخطاء الفردية تطورت إلى جرائم منظمة تتم في إطار خطة محددة لإقصاء كل المعارضين وإيصال رسالة للشعب بأن الوضع الأمني مستتب بدليل القبض على خلايا إرهابية، وإيصال رسالة أخرى للمعارضين في ذات الوقت بأن النظام لن يرحم من يخالفه الرأي.
وشدد عطية، لـ"
عربي21" أن وزارة الداخلية مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذه الحوادث حتى لو نفت علمها بقتل هذا الشاب الذي وجدوا جثته على طريق الفيوم، فهي مسؤولة عن تأمين المواطنين، مؤكدا أن النظام يستخدم الإرهاب ومحاربته كشماعة لتبرير كثير من الأفعال والقرارات المخالفة لمبادئ حقوق الإنسان مثل التعذيب في السجون والاعتقال.
وطالب بإجراء تحقيق قضائي عاجل مع قيادات وزارة الداخلية حول هذه
الانتهاكات الأمنية الكثيرة، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إخفاء أشخاص لعدة أيام ثم تظهر جثثهم بعد ذلك وعليها آثار تعذيب بشع.