لم يكن مستغربا من الرئيس الفلسطينى محمود عباس، أن يطلب خلال اتصال هاتفي مع مستشار الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، جاريد كوشنير، تدخل إدارة الرئيس دونالد ترامب بشكل عاجل، لإلزام إسرائيل بـ«التراجع عن خطواتها فى المسجد الأقصى المبارك، وإزالة البوابات الإلكترونية، لأن الأمور في غاية الخطورة، وقد تخرج عن السيطرة إذا لم تقم إسرائيل بالتراجع عن إجراءاتها المتخذة في القدس بشكل عام وفي المسجد الأقصى وعلى بوابته بشكل خاص»، على حد قوله.
غياب الدهشة من طلب عباس النجدة من الولايات المتحدة وليس من الدول العربية، يرجع في الأساس إلى أن الفلسطينيين بات لديهم قناعة راسخة، بأن العرب لم يعودوا منذ زمن طويل عنصرا مهما فى الصراع مع الكيان الصهيوني، وأن القضية الفلسطينية تراجعت في قائمة الاهتمامات العربية، خصوصا خلال مرحلة «الربيع العربي»، التي جعلت الكثير من الدول تنكفئ على نفسها وتنغمس في مشكلاتها وحروبها وأزماتها الداخلية، بل إن بعضهم بات ينظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها «حملا زائدا» ينبغى التخلص منه في أسرع وقت.
ليس هذا فقط، بل إن الفلسطينيين يشاهدون يوميا، تسابق العديد من الدول العربية ــ خصوصا البعيدة عن حدود التماس مع الكيان الصهيوني ــ على خطب ود إسرائيل والتطبيع معها سواء سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا، بل إن بعض تلك الدول لم تعد ترى في الدولة العبرية التي تتوغل يوميا في الدم العربي، كيانا مغتصبا للأرض والمقدسات العربية والإسلامية، بل حليفا قويا يمكن أن يعتمد عليه في التغلب على الأخطار والتهديدات والتحديات و«الأعداء المشتركين».
أقصى ما يمكن أن تفعله هذه الدول العربية ومعها بعض الهيئات الإسلامية، هو دعوة الهيئات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني والمقدسات بالقدس الشريف وكل الأراضي الفلسطينية، والتصدي لإصرار الاحتلال على انتهاك القوانين والأعراف الدولية، وهي دعوة هدفها الأول والأخير، ذر الرماد في العيون، وغسل يدها من الدفاع عن الأرض والمقدسات في فلسطين المحتلة، ومحاولات إسرائيل المستمرة لتغيير الوضع الطبيعي التاريخي القائم للمسجد الأقصى المبارك.
إذن، لا نستطيع التعويل على هذا الواقع العربي الهش والضعيف، في الدفاع عن مدينة القدس المحتلة إزاء ما تتعرض له حاليا من اعتداءات إسرائيلية، بهدف تجريدها من معالمها الإسلامية كافة، حتى يتم تهويدها وطرد سكانها الأصليين والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها.
فمنذ بداية هذا العام فقط ــ ووفقا لمصادر فلسطينية ــ شهدت مدينة القدس نحو مائة اعتداء لا تختلف كثيرا عن الهجمة الحالية، ولم تتحرك الدول العربية، وكان من أبرز تلك الاعتداءات منع رفع الأذان باستخدام مكبرات الصوت في المساجد، واقتحامات شبه يومية للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين اليهود من أجل إقامة شعائرهم الدينية، واعتقال حراس المسجد وملاحقة العاملين فيه، ومنع الفلسطينيين من الدخول إليه، فضلا عن مصادرة والاستيلاء على المزيد من الأراضي لصالح بناء المستوطنات اليهودية، التي باتت تطوق المدينة المقدسة.
ما يمكن أن نعتمد عليه حقا في الدفاع عن القدس المحتلة، هم هؤلاء المقدسيون الأبطال الذين يرابطون ليلا نهارا على أبواب المسجد الأقصى بصدورهم العارية، وإيمانهم الكبير وعزيمتهم التي لا تلين، من أجل صد الهجمات الصهيونية المتكررة.
ما يحدث الآن في القدس والمسجد الأقصى، ينبغى أن يكون جرس إنذار من الاستغراق في وهم إمكانية التوصل إلى تسوية دائمة مع هذا الكيان، أو إقامة «سلام دافئ» معه يغير من شكل المنطقة إلى الأفضل؛ فإسرائيل لا تعرف سوى لغة القوة، وإذا كان هذا العنصر غير متوفر الآن لدى العرب، فما عليهم إلا أن يتركوا مصير القضية للأجيال المقبلة، حتى تتغير موازين القوى، بدلا من الإصرار على عقد صفقات خاسرة ومجحفة لن تعيد الحقوق إلى أصحابها.