أخيرا سربت دول الحصار اتفاق الرياض الذي وقعت عليه الدول الست عام 2013، قال الاتفاق إن قادة الدول الخليجية يستطيعون اتخاذ ما يرونه من إجراءات مناسبة بحق من يخل بالالتزام ببنوده، وذلك بناء على تقارير دورية يقدمها وزراء خارجية الدول الست على هامش اجتماعاتهم السنوية.
بمراجعة الاتفاق، يمكن القول إن ما اتخذته "دول الحصار" بحق قطر من إجراءات متصاعدة، بدأت بالمقاطعة وبدا أنها كانت ستتوج بتدخل عسكري تم الإعداد له لتغيير النظام، لولا التعاطف الدولي مع قطر، تمثل انتكاسة للدبلوماسية الخليجية، فلا وزراء الخارجية اجتمعوا على هامش قممهم السنوية لتحديد التجاوزات، ولا رفعوا التقارير الرقابية بإدانة قطر، ولا قادة مجلس التعاون الخليجي الستة اجتمعوا ليتخذوا القرار بالإجراءات العقابية.
وبالإضافة إلى ذلك، غياب كل من قادة ووزراء خارجية الكويت وعمان وقطر عن هذه العملية برمتها، واستبدالهم بالسيسي ووزير خارجيته يعد مخالفة جسيمة للاتفاق، ومن جهة أخرى يعد هذا السلوك دليلا على مخالفة بنود اتفاق الرياض من قبل الدول الخليجية الثلاث (السعودية، الإمارات، البحرين)، التي اعتبرت أن عملية مثل حصار قطر لن تنطلي على دولتي عمان والكويت، فاستعاضت عنهما بمصر السيسي.
قالت دول الحصار إن مخالفات دولة قطر التي بررت بها حصارها تم ترجمتها بالمطالب الـ13 المستفزة، وغير القابلة للتنفيذ حسب وصف قادة العالم لها، التي أصبحت ملغاة حسب بيان وزراء خارجية دول الحصار في القاهرة، في خطوة عبثية لا يفهم منها غير التخبط والاستخفاف.
هذه المطالب تم الاستعاضة عنها بوقف تمويل الجماعات المتطرفة من قبل الجميع، حسب تصريح وزير الخارجية الأمريكية والبريطاني، وغيرهما من الفاعلين الغربيين الذين أرادت دول الحصار مغازلتهم بحشر بنود مكافحة الإرهاب بكثافة في لائحة المطالب.
لكن ما هو التطرف كما تراه "دول الحصار"، وكما يراه القادة الغربيون، الذين وجدوا أنفسهم معنيين بحل هذه الأزمة التي تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج؟ بحسب بيانات ومواقف "دول الحصار" فإن التطرف ليس إلا جماعة "الإخوان المسلمين"، وقد تم استثناء الجماعات السلفية التي ذهبوا بعيدا في تمويلها ودعمها كبديل للإخوان، وهو تصنيف لا يقبل به العالم الذي يعتبر تمويل ودعم الجماعات السلفية بابا عظيما لصناعة التطرف والإرهاب.
وفقا للمولعين الغربيين -بالحق والباطل- بتصنيف الجماعات والتيارات الإسلامية في قوائم التطرف، فإن الجماعات السلفية التي اختارت دول الحصار أن تمدها بالدعم والتمويل والمساندة السياسية والمالية والعسكرية في أكثر من مكان تحتل رأس القائمة، وربما يتم وضع الإخوان المسلمين في أسفل القائمة، وأقول ربما؛ لأن هناك انقساما غربيا واضحا حول تصنيفهم ووصفهم بالتطرف أو الإرهاب.
ليس هناك أحد في العالم غير "دول الحصار" يصنف الإخوان جماعة متطرفة ويستثني الجماعات السلفية من هذا التصنيف، هل لأن الإخوان يسعون للسلطة يجب اعتبارهم متطرفين وإرهابيين، أما السلفيون الذين لا يقرون الخروج على ولي الأمر، فهم حمامات سلام ودعاة للتعايش؟ مثل هذا المنطق مضحك ومتهافت للغاية.
يقول العالم: السعي إلى السلطة سلوك مدني حضاري، والاجتماع والتنظيم لتحقيق هذا الهدف يعد من حقوق المواطنين الأساسية، وليس إرهابا ولا تطرفا. يضيف العالم: طاعة ولي الأمر ليست أكثر من عبودية واسترقاق إن كانت تعني تجريم المنافسة على السلطة وتحريم المطالبة بتداولها.
اتفاق الرياض تحدث عن حظر تمويل الجماعات والأحزاب التي تسعى لتقويض الاستقرار في اليمن، لكن من الذي مول الجماعات لتقويض استقرار اليمن؟
بالعودة إلى ما قبل الانقلاب بأشهر وحتى اقتحام صنعاء وفرار السلطة الانتقالية إلى عدن، وجهت أصابع الاتهام إلى الإمارات بشكل كثيف وإلى السعودية بدرجة أقل بتقديم الدعم المادي السخي وإعطاء الضوء الأخضر لمليشيا الحوثي والمخلوع علي صالح لتنفيذ عملية الاقتحام. فقد قدر الداعمون حينها أن هذا الإجراء سيؤدي إلى التخلص من حزب الإصلاح، ثم ستعود جحافل المقتحمين إلى بيوتهم لكنهم ذهبوا إلى عدن عوضا عن ذلك، فكانت عاصفة الحزم لتجاوزهم الخطوط الحمراء، هذه هي القصة التي تحكي تمويل ورعاية عملية انقلابية على مبادرة خليجية وعلى قرارات دولية حذرت من تقويض العملية الانتقالية، وتوعدت المقوضين ومن يدعمهم بعقوبات حاسمة. كان التمويل والدعم السخي المادي والسياسي للانقلابيين في اليمن، يمثل انتهاكا كبيرا لبنود اتفاق الرياض الذي نص على التزام الموقعين بعدم تمويل ودعم الجماعات والأحزاب التي تقوض الاستقرار في اليمن.
واضح أنهم أرادوا بهذا البند التعريض بقطر وتحذيرها من تمويل حزب الإصلاح الذي قدروا أن دعمه يمثل تقويضا لاستقرار اليمن يتجاوزها إلى دول الجوار، لاحقا كانت المفارقة؛ حزب الإصلاح أحد الشركاء الكبار مع التحالف، يقف جدارا أمام مسيرة المليشيا الانقلابية إلى ما وراء الحدود إلى مسافات بعيدة شمالا.
ومع ذلك، لايزالون يتعاملون مع الإصلاح بلؤم وانتهازية مفرطة، فمن جهة هو شريك مع التحالف يقدم التضحيات من دون حساب، ومن جهة يستمر التحالف ضده بحملات التشهير والتصنيف بالإرهاب، فضلا عن عمليات الإقصاء والتحريض الممنهجة في اليمن.
بعد الانقلاب كان هناك متطرفون كثر يتلقون الدعم والتمويل ماليا وعسكريا من التحالف، يقاتلون الحوثيين لكنهم يناصبون الشرعية التمرد ويجاهرون لها بعدم الولاء، والخلاصة لو كان التطرف في اليمن رجلا يمشي على الأرض، لكان هاني بن بريك وأبو العباس وجماعتيهما وهما مدعومان ماليا وعسكريا وسياسيا من قبل التحالف بسخاء خفي ومعلن.
اقرؤوا بنود اتفاق الرياض المسرب، بعملية جرد بسيطة ستخلصون إلى أن الإمارات أكثر من غيرها داست الاتفاق وارتكبت كل المحظورات قبل أن يجف مداده، من دعم حفتر ليبيا لتقويض حكومتها وسلطتها المنتخبة، إلى دعم الحوثي والمخلوع صالح حتى تسنى لهما تقويض العملية الانتقالية واقتحام صنعاء، إلى دعم وتمويل الجماعات السلفية والمجالس الانفصالية المتمردة على الشرعية، إلى تمويل ودعم ما لا حصر له من القنوات والمنابر الإعلامية للنيل من قطر، وتمويل الجهات والتنظيمات والمؤسسات الداخلية أو الخارجية التي تسيء لقطر، ودعم أو إيواء الأفراد الذين يقومون بأنشطة معادية لها.
صفوة القول: كل بنود اتفاق الرياض تم ذبحها من قبل شيوخ أبو ظبي بدم بارد وداسوا عليها بطيب خاطر؛ لذا فإن الحملة على قطر افتقرت للعدالة، هذا ما تقوله عواصم العالم، وتصريحات واشنطن الأخيرة التي اعتبرت الموقف القطري منذ بداية الأزمة منطقيا وواضحا، وهو دليل على أن العالم يتفهم صوابية موقف قطر، الأمر الذي يفرض على دول الحصار مراجعة مواقفها، حفاظا على منطقة الخليج ومقدرات أهلها.