نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا أعده كل من أونور أنت وغيث شنيب، يقولان فيه إن رحلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشفت عن وجود ثلاثة تحالفات في المنطقة، مشيرا إلى أن ترامب تحدث في أثناء زيارته إلى الرياض عن معسكرين متضادين؛ الخير الذي يمثله هو ومن حضر، والشر الذي يمثله تنظيم الدولة وإيران.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بعد رحيل ترامب، فإن المواجهة بين دول الخليج كشفت عن وجود أكثر من معسكرين، فهناك تحالف تقوده
السعودية، ويحظى بدعم من ترامب، وهناك تحالف تقوده إيران، أما الكتلة الثالثة فهي واسعة، ومن الصعب تحديدها، وهي في قلب النزاع الحالي، وتشمل
قطر، التي تستقبل أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وتركيا عضو حلف الناتو، وجماعة دون دولة لكنها مصممة، وهي جماعة الإخوان المسلمين.
ويلفت الكاتبان إلى أن "جماعة الإخوان، البالغ عمرها 90 عاما، كانت في مرمى السعوديين وملكيات الخليج منذ الثورات العربية في بداية هذا العقد، حيث سيطرت على السلطة لفترة بسيطة في مصر، ومن المتوقع أن تكرر التجربة ذاتها في مكان آخر".
وينقل الموقع عن شادي حميد من معهد "بروكينغز"، قوله إن التحالف السعودي "يرى الإخوان المسلمين الحركة الأكثر تنظيما، والعابرة للحدود، التي تقدم النموذج الوحيد للنشاط السياسي والشرعية"، ويضيف حميد: "هم يتعاملون معها على أنها تهديد؛ ولهذا السبب تعد جماعة الإخوان مثيرة للانقسام؛ لأنها تكشف عن هذا الانقسام في العالم العربي بشأن الربيع العربي".
وينوه التقرير إلى أن القائمة التي قدمت لقطر أظهرت بشكل واضح مطالب الدول المحاصرة، وهي تخفيف علاقتها مع إيران، ووقف تمويلها للجماعات الإرهابية، مقابل رفع الحصار الكامل عنها، مشيرا إلى أنه كان على رأس قائمة المطالب طلب قطع علاقات قطر مع الإخوان المسلمين، وإغلاق قناة "الجزيرة"، التي ينظر إليها على أنها متحيزة للجماعة، بالإضافة إلى طرد الأتراك من قاعدتهم العسكرية في قطر.
ويقول الكاتبان إن "قطر، التي قدمت اليوم ردها على المطالب، ترى في هذه المطالب هجوما على سيادتها؛ ولهذا السبب قامت أنقرة بالمسارعة في تمرير قانون لنشر القوات التركية في قطر، وعقدت مناورات عسكرية مشتركة في الدوحة".
ويفيد الموقع بأن قطر، مثل بقية الدول التي تهاجمها، هي دولة أوتوقراطية، لا تسمح للإخوان بأن يكون لهم رأي في سياساتها، رغم دعمها لهم، مشيرا إلى أن الرئيس الإسلامي المنتخب رجب طيب
أردوغان يتعامل مع الجماعة بنوع من القرب، ويرى حزبه بأنه نتاج للقوى الديمغرافية التي جلبت الإخوان المسلمين للسلطة في مصر في ذروة الربيع العربي ذاتها.
ويبين التقرير أنه لهذا السبب يقيم عمرو دراج في إسطنبول، الذي كان وزيرا للتخطيط في حكومة الإخوان القصيرة العمر في مصر، بعدما أطاح الجيش في عام 2013 بحكومة الرئيس محمد مرسي، فسافر دراج إلى قطر أولا، ومن ثم إلى
تركيا، حيث يدير المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في منطقة يني بوسنا في إسطنبول، التي تشهد نشاطا تجاريا عربيا، ويقول دراج إنه لقي ترحيبا دافئا من تركيا التي عارضت الانقلاب، الذي رحبت السعودية به، لافتا إلى أنه عندما تعرضت قطر في عام 2014 لضغوط من الإمارات والسعودية، فإن تركيا قامت بدعمها، كما فعلت الآن.
ويورد الكاتبان نقلا عن دراج، قوله: "تقف تركيا مع قطر؛ لأن هناك اعتقادا بأنه لو استسلمت قطر أو سقطت، فإن تركيا ستصبح عرضة للخطر"، وأضاف دراج: "لو غير البلدان موقفهما فإن هذا سيكون نهاية للحركة الإسلامية المعتدلة في المنطقة ولوقت طويل"، مشيرين إلى أنه من الواضح من سيحل محلها، كما يقول النائب ياسين أقطاي، الذي يعد نقطة التواصل مع الإخوان، أنها "تمثل الديمقراطية الإسلامية"، ويضيف: "لو تم إخراج الجماعة من مجال الديمقراطية، فعليكم التعامل مع جماعات مثل تنظيم الدولة".
ويذكر الموقع أن السعودية ترى أن الإخوان هم جماعة تمثل الشر، بتعبير وزير داخليتها، فيما سجنت الإمارات أعدادا كبيرة من أفراد الجماعة، حيث يقول مؤسس "كورنرستون غلوبال أسوسيتد" غانم نسيبة: "ينظر للإخوان على أنهم جماعة تتدخل في شؤون الدول الأخرى"، من خلال الخلايا السرية والإرهاب.
وبحسب التقرير، فإن ترامب فكر بعد شهر من وصوله إلى البيت الأبيض بتصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية، كما فعلت السعودية، إلا أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون، قال إنها ليست كذلك، وتحدث أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس قائلا إن عناصر من الجماعة انضموا إلى الحكومات من خلال نبذ العنف.
وينقل الكاتبان عن خبراء، قولهم إن الحركة كشفت عن ملامح انقسام بعد الانقلاب، ويقول دراج: "لو حدث انقسام فإنه لم يكن حول مسألة العنف، لكن حول كيفية التعامل مع مسألة الحكم، وكيفية إدارته بطريقة أفضل، حيث كانت هناك فرصة للتخلص من حكومة الفساد، وبناء دولة مدنية ديمقراطية، وخرج الملايين للشوارع مطالبين بالتغيير، ولأن حركة الإخوان ليست منظمة ثورية، بل جماعة متوازنة وحركة إصلاحية، فإنها مضت مع أجندة الجيش"، ودفعت لهذا السبب الثمن الباهظ.
ويقول الموقع إن هذه التساؤلات يدركها حزب أردوغان، الذي تعرض لمحاولة انقلاب العام الماضي، حيث يتذكر مدحت الحداد، أحد قادة الإخوان في المنفى، ليلة الانقلاب، وكيف كانت الحكومة على المحك، واختفى أردوغان من المشهد لساعات، قائلا: "كنا نفكر، المجتمع المصري والعربي، إلى أين نتجه".
ويكشف التقرير عن أنه بعيدا عن الأسباب الأيديولوجية، فإن هناك عوامل أخرى للتعاطف التركي مع قطر، وهي أن الأخيرة تعد أكبر مستثمر في تركيا، واستثمرت في قطاع البنوك والإعلام، منوها إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتجارة، فإن السعودية والإمارات تظلان من أكبر المشترين، ففي العام الماضي بلغت مشترياتهما 8.6 مليارات دولار من البضائع التركية، أي أكثر بـ20 مرة من قطر.
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى أن أنطوني سكينر من شركة "فيرسك مابلكروفت" في بريطانيا، يرى أن هناك مخاطر من حدوث آثار سلبية على الاقتصاد التركي، "فالسيناريو الأسوأ هو فرض مقاطعة أو عقوبات اختيارية، تؤثر على قوة أردوغان الاقتصادية"، منوها إلى أنه لهذا السبب، فإن أردوغان لم يرفق دعمه لقطر بخطابات نارية ضد السعودية.