أكد السفير
القطري في العاصمة التركية أنقرة، سالم بن مبارك آل شافي، أن ما يجري لبلاده هو حصار حقيقي وليست مقاطعة كما تروج لها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، مشددا على أن مستقبل شبكة
الجزيرة هو أمر غير مطروح للنقاش.
وأوضح فيما يخص نقطة الحوار أن "قطر تتصل برّيا بالعالم الخارجي من خلال ممر واحد فقط لا غير يربطها بالمملكة العربية السعودية. عندما تقوم المملكة بإغلاق هذا الممر، فهذا يعني أنها قطعت تواصلنا عبره مع العالم الخارجي وفرضت علينا حصارا، وتعريف الحصار بهذا المعنى واضح لغة واصطلاحا وقانونا في البر والبحر والجو".
وتابع: "كل وسائل إعلامهم، بما في ذلك صحف مثل "الشرق الأوسط" و"عكاظ" و"الاقتصادية"، وصفت الإجراءات المتخذة ضد قطر بأنّها "حصار"، وهي موثّقة لدينا بالتاريخ والعدد. الدول الغربية تتحدّث عن حصار وليس قضية مقاطعة".
وأشار إلى أنه "بغض النظر عن الجدل الناجم عن التسمية، فإنّ ما اتخذوه من إجراءات غير قانوني وغير أخلاقي، وبعيد كل البعد عن القيم الإنسانية والعربية والإسلامية. آلاف العائلات تضررت بسبب هذه القرارات".
وتابع: "لقد قمنا بتوثيق انتهاكاتهم التي ارتكبوها، وتتم ملاحقتهم الآن بشأنها في المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، سواء في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أو عبر منظمة العفو الدولية، التي وصفت قرارات طرد مواطنينا من بلدانهم بأنها "ازدراء مطلق للكرامة الإنسانية"، أو عبر هيومان رايتس ووتش وغيرها من المؤسسات الدولية ذات الصلة. قمنا أيضا بتكليف مكاتب قانونية متخصصة في سويسرا؛ لمطالبتهم بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بكل من تضرّر من إجراءاتهم".
وأكد أن هذه الإجراءات ستبقى وصمة عار إلى الأبد.
وأشار إلى أن "جميع الدول الهامة والمؤثرة في المجتمع الدولي، مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، اليابان.. إلخ أو في العالم الإسلامي (
تركيا، باكستان، المغرب، الجزائر ...إلخ)، ترفض إجراءات دول الحصار؛ ولذلك يحاول المسؤولون في الدول التي تحاصرنا أن ينكروا هذه الأمور أمام وسائل الإعلام، لكن الشعوب تعلم تماما أن لا مصداقية لديهم. حتى الدول الغربية بدأت تعي هذا الأمر، لا سيما بعد عدم تمكّنهم من تقديم أدلّة على الاتهامات الباطلة الموجهة إلى قطر، وتهرّبهم من الجلوس مباشرة إلى طاولة المفاوضات".
وحول الاتهام بدعم الإرهاب، قال السفير القطري: "هناك تكرار لادعاءات لا أساس لها من الصحة بشأن صلة قطر بتمويل أو دعم الإرهاب. وبالرغم من أننا نطالب بشكل رسمي إلى جانب كثير من بلدان العالم -كالولايات المتّحدة الأمريكية- بتقديم أدّلة وبراهين على هذه الادعاءات الخطيرة ضد قطر، لم تقم دول الحصار بتقديم أي أدلّة أو براهين على هذه المزاعم، الأمر الذي دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التعبير عن إحباطهم واستهجانهم لهذا الأمر، حتى وصل الأمر بالخارجية الأمريكية إلى أن تشكك علنا في السبب الحقيقي للأزمة".
وشدد على أنّ دول الحصار تريد أن تستخدم موضوع الإرهاب لتضليل المجتمع الدولي والدول الكبرى بشأن طبيعة نواياها وإجراءاتها غير القانونية وغير الإنسانية ضد قطر. فموضوع الإرهاب موضوع حساس حول العالم، وهناك من يعتقد أنّه بمجرّد استخدامه، لن يسأل أحد بعدها دول الحصار عن الأدلة على اتهاماتهم ضد قطر أو عن مسوّغات الإجراءات المتخذة ضدها.
وتابع: "نحن تاريخنا معروف وسياستنا شفافة، لا يوجد لدينا قطريون من بين منفذي هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتّحدة، لكن يوجد من دول الحصار. لا يوجد قياديون قطريون لمنظمات إرهابية حول العالم، لكن يوجد من دول الحصار. لم يتم استخدام قطر لتمويل عمليات إرهابية حول العالم، لكن تمّ استخدام مدن في دول الحصار لتبييض الأموال ولتمويل منظمات إرهابية قامت بتنفيذ عمليات في الغرب".
وقال إنه من المعروف أنّ دول الحصار تستخدم الإرهاب ومكافحة الإرهاب كأداة سياسية، وهو أمر قد تعوّدت فعله لسنوات طويلة؛ لتبرير الكثير من الأهداف أو السياسات غير المشروعة، كالبقاء في الحكم، أو تأمين دعم خارجي لسلطاتها غير الشرعية، أو للتغطية على ملفات الفساد والهدر، أو للتقرّب من بعض الدول على المستويين الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن هذه الدول تقوم باتهام حماس بالإرهاب، وذلك خدمة لأجندات خارجية لا توافق عليها حتى شعوبها. وتقوم كذلك بتجريم جماعات سياسية سلمية كالإخوان المسلمين؛ بحجّة الإرهاب؛ لأنّ هذه الجماعات تشكّل منافسا حقيقيا لهم في السلطة وبديلا منهم في الحكم.
وأكد أن تصنيف جماعات سياسية بكاملها كتنظيم إرهابي أمر غير مقبول عند معظم دول العالم وغير ممكن أصلا".
وقال: "يكفي أن أشير إلى تعليق وزير الخارجية الأمريكي، الذي قال في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مؤخرا إن الجماعة تضم ملايين الأعضاء، ما يجعل وضعها برمتها على قائمة الإرهاب أمرا معقدا، مضيفا أنّها أصبحت جزءا من الحكم في بعض الدول".
وشدد على أن قطر عضو فاعل جدا في مكافحة الإرهاب الحقيقي، ومشاركة في كل المنصات الدولية المعنية بهذا الأمر ماليا وسياسيا وحتى عسكريا، بالرغم من تواضع قدراتنا العسكرية مقارنة بغيرنا، ولهذا الأمر أسبابه أيضا. نحن فضّلنا أن نزيد من الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات العامة والتنمية بدلا من الإنفاق على السلاح.
وحول إغلاق الجزيرة، قال السفير إنه "كما قال وزير خارجيتنا، مستقبل شبكة الجزيرة أمر غير قابل للنقاش، والمطالبة بإغلاقها أو حجبها أو منعها هي تدخّل مرفوض في شأننا الداخلي. هل يمكن لأحدهم أن يتصور إغلاق (بي بي سي) أو (سي إن إن) أو (تي آر تي) لأنّ دولة أخرى طلبت ذلك؟ بالطبع لا. لا توجد دولة مستقلة ذات سيادة تسمح لأي كان أي يملي عليها ماذا تفعل وماذا لا تفعل وماذا تفتح وماذا تغلق داخل أراضيها.
وتابع: "نحن نعتقد أنّ مطالبة بعض دول الحصار -التي تنظر إلى نفسها كقوى إقليمية كبرى- بإغلاق قناة هنا ومحطّة هناك أو موقع إلكتروني هنا وموقع إخباري هناك، هي مؤشر خطير على مدى ضعفها وهشاشة أوضاعها الداخلية. لم يعد خافيا على أحد أنّ هؤلاء يريدون إغلاق كل المنافذ التي يستطيع المواطن العربي التعبير من خلالها عن ذاته وعن مطالبه وعن حاجاته".
وتابع: "لقد اعترف سفير الإمارات لدى موسكو، في مقابلة له مع صحيفة الغارديان مؤخرا، أنّهم لا يملكون حرية صحافة عندما قال: "نحن لا نمتلك حرية صحافة أو إعلام ولا نروّج لها"؛ لذلك من الطبيعي أن يعتبروا أنّ مطلب إغلاق قناة الجزيرة هو أمر منطقي بالنسبة إليهم".
وقال فيما يتعلق بموضوع القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، إن "الجميع يعلم أنّ هذه القاعدة تمّ تأسيسها استنادا إلى اتفاقية دفاعية مشتركة بين قطر وتركيا عام 2014. والاتفاقية ليست سرّية، وهدفها كما تم إعلانه في حينه هو المساهمة في تعزيز أمن واستقرار الخليج والمنطقة بشكل عام، كما هو الحال بالنسبة إلى القواعد الأخرى الموجودة عندنا وعند دول الحصار".
وأشار إلى أنه "لم يكن لأحد اعتراض عليها أو على دورها آنذاك، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بل إنّ الجانب التركي كما أفصح فخامة رئيس الجمهورية التركية كان عرض على المملكة حينها إنشاء قاعدة هناك إن هي أرادت ذلك، في إشارة إلى أنّ القاعدة العسكرية في الدوحة ليست موجّهة ضد أي دولة أخرى في مجلس التعاون".
وبين أن الاتفاقيات من هذا النوع تدخل في إطار العلاقات الثنائية بين بلدين مستقلين ويتمتعان بالسيادة على أراضيهما، وهي لا تخضع للموافقة المسبقة من قبل أي دولة ثالثة. وعليه، فإنّ المطالبة بإغلاق هذه القاعدة وقطع العلاقات الدفاعية بيننا وبين تركيا هو تدخل سافر في شأننا الداخلي، وتعدّ على حقوقنا السيادية، ومحاولة لفرض وصاية علينا. هذا يتناقض مع كل القوانين والأعراف الدولية، ويثبت مرّة أخرى أنّ الموضوع لا يتعلق بالإرهاب كما زعموا، وإنما هو مجرّد ذريعة من أجل افتعال الأزمة وإخضاع قطر.
وبين أن من المثير للسخرية والاستغراب معا أنّ هناك عدّة دول من محور الحصار تضم على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وبريطانية، ولم يطلب أحد إغلاقها. لا يوجد مبرر منطقي للمطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية وقطع العلاقات الدفاعية بين قطر وتركيا، إلا إذا كانت لدى دول محور الحصار نوايا عدوانية مبيتة أو مخطط لتدخل عسكري يعتقدون أنّ القاعدة العسكرية التركية قد تحول دونه.