المواطن المصري لا يجد من يحنو عليه، فمنذ الانقلاب العسكري على أول رئيس مصري مدني منتخب لم يجد إلا سلسة متصلة من زيادة الأسعار وسوء الخدمات والمزيد من الأعباء التي لا تنتهي والتي جعلت من الحماية الاجتماعية نسيا منسيا.
وفي إطار هذه السلسة الجهنمية تتجه الحكومة في الشهرالقادم يوليو/ تموز نحو زيادة أسعار الكهرباء ما بين 20 و30 في المئة، وكان وزير الكهرباء محمد شاكر قد صرح الشهر الماضي بأن هذه الزيادة ستكون حتمية. كما تتجه الحكومة أيضا في يوليو/ تموز القادم إلى زيادة أسعار الوقود بنسبة قد تتراوح ما بين 30 و40 في المئة.
كما تتجه الحكومة كذلك إلى زيادة الرسوم التي تحصل عليها من جيوب المواطنين والتي تفوق في حقيقتها قيمة الخدمة المقدمة ولا تعكس السعر الحقيقي لها، فها هو ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب يقول في تصريحات لوكالة رويترز بأنه من المتوقع تحصيل سبعة مليارات جنيه من زيادة أسعار بعض الخدمات خلال السنة المالية 2017-2018، موضحا أن اللجنة وافقت على تعديل أسعار 27 خدمة حكومية منها تراخيص السيارات وجوازات السفر وتراخيص السلاح وخدمات المحمول وإقامة الأجانب. وقال إن اللجنة ألغت وخفضت عددا من الرسوم التي كانت مقترحة من الحكومة وخفضت الحصيلة من 8 إلى 7 مليارات جنيه، مشيرا إلى أنه سيتم فرض رسم 50 جنيها عند شراء خط محمول جديد وعشرة جنيهات على فواتير المحمول الشهرية.
كما وافق مجلس النواب على مشروع قانون الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005، حيث تم زيادة حد الإعفاء الضريبي من 6500 جنيه إلى مبلغ هزيل هو 7200 جنيه، وهو ما يعني خضوع من يزيد راتبه الشهري عن 600 جنيه إلى ضريبة بنسبة 10 في المئة رغم أن هذا الراتب لا يتناسب والحد الأدنى للأجور في الأساس، ويتم هذا في نفس الوقت الذي أجل فيه تطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة.
إن هذه الإجراءات تكشف بوضوح كيف باع كل من الحكومة والبرلمان -الذين في حقيقتهم يمثلون سكرتارية للرئاسة الانقلابية- المواطن المصري ولم يتركوه في رحى الفقر فقط بل أدمنوا نهب اللقيمات القليلة التي لا يقمن حتى صلبه.
إن هذا الظلم الاجتماعي المتواصل يأتي والسيسي ما زال يمثل دوره المرسوم له ولا يستنكف عن مقابلة ما سماهم مواطنين من عامة الشعب في إفطار رمضاني في مكان يعلم الله أين يكون؟! وتحيط به التكييفات في الهواء الطلق من كل جانب بفاتورة كهرباء من جيوب المواطنين، وفي الوقت نفسه ما زال يستنكر على الشعب حق الاستضاءة بالكهرباء والكلام في المحمول والراتب القليل فكبله بمزيد من ارتفاع الأسعار والضرائب ووفي بعهده لحملة المحمول حينما أعلن أنه سيجعل من يتصل ويستقبل يدفع، ولكنه نفذ ذلك بصورة أشنع!
إن هذا النظام الذي فرط في تيران وصنافير من أجل رز خليجي ومصالح صهيونية، وخلق القلاقل في المنطقة بأكملها بالمال الخليجي، هو صاحب مشروع واضح المعالم، فقبل أن يفرط في الأرض والثروة حرص على التفريط في الإنسان الذي هو أساس التنمية وأهل الاستخلاف، لذا فليس مستغربا تصرفاته وهو ينبطح انبطاحا كاملا لتعليمات صندوق النقد الدولي في تلك القرارات التي لا مردود لها سوى مزيد من الارتفاع في الأسعار، وسرقة ما تبقي في جيوب الناس، والاحتقان الاجتماعي الذي طريقه إلى الانفجار.
إن الحكومة ما زالت تلهث وراء صندوق النقد الدولي وتنفذ شروطه بصورة مقيتة وتسارع الزمن للحصول على الشريحة الثانية (المتأخرة) من قرض الصندوق وقيمتها 1.25 مليار دولار، ذلك القرض الذي تبلغ قيمته الإجمالية 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، والذي وقعت عليه مصر مع الصندوق في أغسطس/ آب الماضي. ومن أجله أقدمت على تعويم العملة وفرض ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الطاقة والفائدة على الإيداع والاقتراض.
ولم يتوقف الأمر على ذلك فها هو كريس جارفيس رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لمصر يبدي ترحيبه بقرار البنك المركزي إلغاء الحد الأقصى للتحويل للخارج البالغ 100 ألف دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية للعميل الواحد مرة واحدة خلال العام. ويعلن صراحة أن البنك المركزي سيلغي الحد الأقصى للإيداع الدولاري النقدي خلال الأشهر المقبلة، حيث ما زال البنك المركزي يبقي على الحدود القصوى للأشخاص الاعتبارية التي تعمل في استيراد المنتجات والسلع غير الأساسية عند 10 آلاف دولار يوميا وبحد أقصى 50 ألف دولار شهريا للإيداع و30 ألف دولار للسحب.
إن خضوع النظام الإنقلابي لبيت طاعة صندوق النقد الدولي لن يزيد الاقتصاد إلا اشتعالا والمواطن إلا افتقارا، فلاشيء في مصر الآن يعلو فوق المزيد من ارتفاع الأسعار وتنامي الدين العام والدخول في نفق الركود التضخمي والانتقال من التفريط في تيران وصنافير إلى التفريط في سيادة واستقرار البلاد وقتل الناس بالرصاص تارة وبالفقر والقهر تارات.