لقد ظل مسلمو الأويغور في
الصين يعانون من القمع الديني لسنوات عدة، فالزي الإسلامي محظور، والصيام في رمضان مقيد (إن لم يكن محظورا صراحة)، وحتى التسمية بالأسماء الإسلامية الصريحة ممنوعة قانونا.
وفي الوقت نفسه، نجد مسلمين في أجزاء أخرى من الصين، مثل مسلمي الهوي (Hui)، على سبيل المثال، أحرارا في ممارسة دينهم دون قيود، حتى أن الحكومة ترعى مدارس اللغة العربية، حيث يتم تحفيظ الطلاب
المسلمين القرآن. وبينما في مقاطعة شينجيانغ لا يسمح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب، نجد مسلمات صينيات في أجزاء أخرى من البلاد ينشرن صورهن الشخصية بالحجاب على انستجرام، حتى أننا نجد في الصين مساجد نسائية أكثر مما نجد في أي دولة أخرى في العالم.
فماذا يحدث؟ هل الحكومة الصينية مصابة بالفصام العميق، أم ماذا؟
لكن الإجابة هي: بالطبع لا!
الحكاية هي أنه خلافا لغيرها من الأقليات المسلمة في الصين، فإن الأويغور لا يعتبرون أنفسهم صينيين، فهم يشعرون أنهم مرتبطون ثقافيا ودينيا أكثر بالبلدان الإسلامية في آسيا الوسطى، وهم لا يطلقون على أراضيهم شينجيانغ، بل
تركستان الشرقية، ومشاعرهم الانفصالية متجذرة وعميقة. وهناك عامل رئيسي، إن لم يكن هو العامل الرئيسي الأساسي، في رغبتهم في الانفصال عن الصين، وهو شعورهم بالاختلاف الثقافي والديني، فهو يتهم الإسلامية بأنها القوة الدافعة وراء سعيهم للاستقلال، لذا فالإسلام بالنسبة لهم أصبح قضية سياسية؛ أي أنه أصبح أساسا للتمرد.
وبالطبع، فإن الحكومة المركزية في الصين لا تعتزم السماح لشينجيانغ بالانفصال عن البلاد؛ لأنها منطقة حيوية للاقتصاد الصيني. ولهذا فقد كانت الاستجابة المتوقعة للحركة الانفصالية هي القمع الشديد، وليس مستغربا أن يركز هذا القمع على محاولة القضاء على أي تعبير عن الهوية الدينية. فبالنسبة للحكومة، الإسلام في شينجيانغ يعتبر حركة ثورية، والهوية الإسلامية بنظرهم تسبب الانقسام وتهدد بالوحدة الإقليمية للبلاد وسلطة الحكومة.
وسواء كنا نؤيد أو نعارض استقلال شينجيانغ، فمن المهم أن ندرك أن القمع ذو طابع سياسي في جوهره، وأن دافعه اقتصادي محض، حتى وهو يتجلى في شكل اضطهاد ديني. فإن لم تكن هناك طموحات انفصالية في شينجيانغ، فما كان ليحدث قمع معاد للإسلام، وتلك هي الحقيقة المجردة. فالأويغور لا يتعرضون للاضطهاد دينيا لأنهم مسلمون، ولكن لأن كينونتهم كمسلمين، تعتبر بالنسبة لهم محورا لمواجهتهم السياسية مع الحكومة.
عشرات الملايين من المسلمين الصينيين يمارسون الإسلام بحرية، وبشكل علني، ويظهرون هويتهم الإسلامية، دون أن يواجهوا بأي رد فعل حكومي؛ لأن هويتهم الإسلامية لا تعادل عندهم المعارضة السياسية. فعندما يصبح الإسلام عاملا في المعارضة السياسية، توقع دائما أن تستجيب الدولة بالاضطهاد الديني.
وأنت إن كنت تعتقد أن ممارسة الإسلام تتطلب بالضرورة الإطاحة بأي سلطة غير مسلمة، فهذا شأنك، ولكن ليس عليك أن تدعي صراحة أن رد فعل الحكومة القمعية على ما تفعله سيكون دافعه دينيا، وليس سياسيا. فلا يمكن لأي حكومة أن تتسامح مع أي تمرد داخل حدودها، وإن كان الدين سمة بارزة في ذلك التمرد، فبالطبع، ستتعرض كل من الممارسة الدينية والهوية للاضطهاد.
وليس معنى هذا أن ما يفعلونه صواب، كما أنه يجب ألّا يحمل على تبرير حملة القمع الوحشية في شينجيانغ، ولكن من واجبنا أن نفهم بدقة ما يجري والسبب في حدوثه، فالحقيقة هي أن أي حكومة يمكن أن تتسامح مع الإسلام، كما يمكنها أن تتسامح ممارسة شعائره والتعبير عنه، ولكن ما لا يستطيعون تحمله أو التسامح معه هو التمرد والمعارضة الجماعية. وهذا الأمر ينطبق على الغرب، تماما ينطبق على أي مكان آخر، بما في ذلك الصين.