ما بين الماضي والحاضر.. تقف مدهوشا ما أشبه الأمس باليوم، على الرغم من المفارقة بين المسلم والكافر وهي كبيرة، إلا أن السياسة تشابهت!
سابقا، ابتكر كفار مكة وسيلة جديدة لحرب أهل الإيمان، وقرروا بالإجماع أن ينفذوا قانون "المقاطعة"، وهو تفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف، وإعمال سياسة التجويع الجماعي لهم، سواء أكانوا كفارا أو مسلمين.
وصاغ الكفار القانون المخالف لأعرافهم وتقاليدهم وقيم مكة المكرمة، وضربوا بالدستور عرض الحائط مقابل مصلحتهم.
وفي الأشهر الحرم، في ذي الحجة تحديدا، وفي البلد الحرام طغت المصالح على الأعراف والقيم، وبدا جليا واضحا للعيان أن العهود نكثت، والمبادئ داستها الأقدام.
وصاغ الكفار بنود مقاطعة بني عبدالمناف التي تنص على ألا يبايعوهم؛ فلا يبيعون أو يشترون منهم. ألا يتزوجوا منهم أو يزوجوهم. ولا يخالطونهم؛ فلا يدخولون بيوتهم أو حتى الحديث معهم.
ولم يتوقف الحال على هذا، بل تعداه بألا يقبلوا من بني عبدالمطلب وبني هاشم الصلح أبدا. ووصل الحد بهم ألا يؤخذ بالمسلمين ومن يؤازرهم رأفة حتى يسلموا لهم رسول الله، ليقتله الكفار.
بنود العقوبات عُلقت في صحيفة بالكعبة المشرفة، وبدأت خطوات تنفيذ هذا الحصار المشدد وغير المسبوق في السنة السابعة من البعثة.
عاش المسلمون حينها أياما قاسية، وتقطعت بهم السبل، وجاعوا حتى أكلوا أوراق الأشجار والجلود.
هذه المأساة استمرت ثلاثة أعوام متتالية، ذاقوا بها ظلم القريب!
أسلوب الحصار الاقتصادي الظالم، تجلى في عدة دول عبر التاريخ وكثير من الشعوب عانت إثر هذه السياسات، ومثال حصار قطاع غزة ليس ببعيد.
مواقف كثيرة سطرت عبر التاريخ لوقوف شعوب مع شعوب أخرى خلال حصارها، وكان المحرك الأساسي هو الغضب بسبب إهانة الشعوب، ومن أجل صون الكرامة والحقوق، وإن اختلفت الأديان.
وفي بعض المواقف حركتهم العهود المبرمة وصلات الدم، فكيف لأخ أن يرى أخاه يعاني بحصاره ويتركه؟
أحد المشركين من بني عامر بن لؤي، وهو هشام بن عمرو، خلال حصار المسلمين وبعد 3 سنوات، هزته مشاعره تعاطفا مع الجوعى ما دفعه لتسريب الطعام لهم.
ابن عمرو لم يكتف بإيصال الطعام سرا، بل تحرك ليبحث عمن يساعده بإلغاء قطيعة بني هاشم وبني عبدالمطلب. واهتدى لبني مخزوم أكبر قبائل قريش واتفق مع أحدهم لنقض العهد وبعدها استعان بآخر من بني نوفل.
وخلال إقناعه لهم حرك فيهم المشاعر اتجاه أرحامهم في بني عبد المطلب وبني هاشم، وعظّم الظلم في أعينهم، وظل يسارع بخطواته حتى جمع معه 4 رجال من قريش رغبوا بمعارضة كبار القوم.
قرارهم بالتصدي لكبار القوم سيحدث صدعا كبيرا، عدا عن مدافعتهم عن مسلمين لا يؤمنون بدينهم.
الرجال الخمسة اتفقوا على نقض المقاطعة، ونادى أحدهم في أهل مكة بالمسجد الحرام، وقال: "يا أهل مكة.. أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة".
وخلال دقائق معدودة وبعد التصدي لأبي جهل زعيم مكة وزعيم بني مخزوم، تبرأ القوم من صحيفة المقاطعة ونقضت.
المؤمنون باتوا بعد الحصار أقوى وأعمق إيمانا وتوحدا.
والآن تعاود المقاطعة الاقتصادية أدراجها بمعطيات أخرى وأساليب جديدة، ولكن هل ستكون اللُحمة وأواصر الأخوة والدين أقوى من التشتيت؟
وهل سيتحرك رجال راشدون ليحتووا الأزمات التي تزاحمت في الشهر الفضيل؟ وهو أفضل عند الله من القطيعة.
1
شارك
التعليقات (1)
محمد العتيبي
الخميس، 24-05-201803:20 م
فعلاً هل اكل القطريون اوراق الشجر بسبب الحصار !!! ليس حصاراً ياهذا هو مقاطعه فقط