بعيدا عن الدراما الرمضانية التي لا تقدم أي نفع للمشاهد سوى إضاعة الوقت وجلب نسب المتابعة والمشاهدة لأصحابها من غرابيب شبكة mbc السود التي لم يفهم الغرض منها وأثارت الكثير من الجدل بعد تهديد تنظيم الدولة بتفجيرها وأغضبت إلى جانب التنظيم الإرهابي المسلمين جميعا حين شوهت صورة الجهاد في الإسلام، فبدت لخدمة الفكر المتطرف وزيادة عدد الإرهابيين أقرب عن قصد أو عن غير قصد.. مرورا بالدراما المصرية التي لم تقدم أي جديد من عفاريت عادل إمام إلى بقعة ضوء وغيرها، هذا بالإضافة إلى رامز الذي أكل الجو على الجميع بمقالبه الساخرة والمرعبة والتي تجلب العديد من المشاهدين فهو الأكثر متابعة ومشاهدة من بين الأعمال الرمضانية إلى درجة إصدار الأزهر حكمه الشرعي في برنامج رامز.
من بين تلك الأعمال استوقفني ذلك العمل الدرامي الكبير الذي تبناه
التلفزيون القطري لتلك الشخصية الإسلامية التاريخية الإمام أحمد بن حنبل أحد الأمة الأربعة وجامع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤلف أحد أروع الكتب في فقه السنة والحديث كتاب المسند، والرجل الذي تصدى لفتنة خلق القرآن التي تبناها أهل الكلام بمساندة الخليفة المأمون ووقف في وجهها لوحده بعد أن خاف الجميع ورفض الرضوخ لأوامر الخليفة حين طلب منه أن يفتي بأن القرآن مخلوق فرفض وسجن وعذب في سبيل كلمة الحق.
كم نحتاج اليوم إلى أحمد بن حنبل الذي لا يتعصب لرأي ولا يقف مع سلطان جائر بل يختار المناظرة والجدال مع أصحاب الكلام في يوم جمع له أهل بغداد ووقف الإمام أحمد بن حنبل يجادل الحجة بالحجة والرأي بالرأي حتى أعجزهم جميعا، فلجؤوا كعادة أصحاب الباطل المهزومين إلى استخدام العنف والترهيب لعل وعسى أن يرضخ ابن حنبل لمطالبهم ولما زين الشيطان لهم ولخليفة المسلمين المأمون ولكنه رفض وصمد في وجه تيار الباطل.
نحتاج لأحمد بن حنبل الذي لا يخاف في الحق لومة لائم ولا يبيع دينه بغرض من الدنيا.. ولا يثنيه خوفه من السلطان أن يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر حتى ولو كانت نهاية طريقه الموت ولو تحمل قبله التعنيف والتعذيب.
نحتاج لأحمد بن حنبل الذي يفني عمره في جمع الأحاديث الصحيحة ويتصدى لمن أراد العبث بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويجمع للمسلمين أحاديث نبيهم لينفع بها الناس إلى يومنا هذا وحتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المكائد والدسائس التي أحيطت بالمسلمين يومها لولا رجال من أمثال أحمد بن حنبل.
نحتاج لأحمد بن حنبل الذي عاش لأمه كما عاشت له فهي صاحبة الفضل الأول في ما وصل إليه، فقد كانت له الأب وهو الذي تربى يتيما والمعيل وقد عاش فقيرا وأبت عليهما عزة نفسهما أن يقبلا إعالة عم أحمد لهما، فنعم الرجل أنت يا ابن حنبل ونعم الأم أمك.
فالإمام أحمد هو الإمام الذي نحتاج إليه اليوم.. لا إماما يقود إلى التفجير والقتل والإرهاب ولا آخر مزعوما يقوم أنصاره بنشر أفكارهم المتطرفة بالقوة وبسط نفوذهم بقوة السلاح تحت مسمى اقتراب ظهور إمامهم المنتظر.
فلولا كان أحمد بيننا اليوم لكان سجينا في سجون الدكتاتوريات أو محكوما عليه بالإعدام أو تعرض لألف محاولة لاغتيال فسيرته لوحدها تكفي لتعلن الحروب على أهل السنة والجماعة.
إلى جانب دور أحمد بن حنبل يظهر في العمل الدرامي الكبير شخصية من الشخصيات التاريخية التي كانت من أفضل الخلفاء الذين حكموا المسلمين وساهمت في عصر الازدهار والعلم والتطور.. الخليفة هارون الرشيد الذي كان يجول الشوارع مرتديا ملابس العامة ليعرف أحوال رعيته وليقترب منهم وليحاسب المقصرين فما أعظمه من خليفة.. وكم نحن بعيدون جدا عن سيرة الرجلين وكم نفتقدهما وأمثالهما وسيرتها.
ألا يستحق مثل هذا العمل الرائع والعظيم في عصر السقوط الفني والدرامي أن يثنى عليه ويحظى بأعلى نسب المتابعة والمشاهدة علنا نستفيد من السيرة الإسلامية العطرة والتي يراد تمزيقها اليوم وتخاض الحروب العسكرية والثقافية والفكرية ضدها؟